«بلاد زواوة من خلال نصوص الحركة الإصلاحية» لمحمد أرزقي فراد

بناء الوعي التاريخي لرسم معالم المستقبل

أسامة إفراح

نقترح عليكم اليوم كتاب «بلاد زواوة من خلال نصوص الحركة الإصلاحية (1925 – 1956)» للدكتور محمد أرزقي فراد، الذي يتناول «دور علماء زواوة في نشر الفكر الإصلاحي الاجتماعي في النصف الأول من القرن العشرين، قبل وبعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي ساهم أهل زواوة بقوة في تأسيسها». واختار الكتاب نصوصا إصلاحية نشرتها المنابر الإعلامية المتوفرة حينذاك، منها «النجاح»، «المنتقد»، «الشهاب»، «البصائر» و»المنار».
يحاول الكتاب، الصادر عن دار الأمة في 252 صفحة، إبراز الدور الطليعي الثقافي الداعم للوطنية الجزائرية. ويتطرق الدكتور محمد أرزقي فراد، المتخصص في التاريخ الثقافي لمنطقة زواوة أو ما يعرف بمنطقة القبائل، إلى نصوص كتبها علماء الأمة ومصلحوها من أبناء هذه المنطقة، على غرار الفضيل الورتيلاني، مولود حافظ الأزهري، أبو يعلى الزواوي، باعزيز بن عمر، أرزقي شرفاوي الأزهري، محمود بوزوزو، مبارك جلواح، الربيع بوشامة، محمد الأكحل شرفاء، عبد الرحمن شيبان وغيرهم. ووصف الناشر الكتاب بكونه «نبراسا للباحثين الشباب الذين يرغبون في دراسة هذا التراث المعرفي بعمق في مختلف أقسام الجامعة».
تقديم الكتاب جاء بقلم الأستاذ محمد الصالح الصديق، الذي أثنى على المؤلف وأشاد بالمجهود الذي ما فتئ يبذله في البحث والتأليف، معتبرا أن من تتبع أعمال فرّاد الفكرية «يدرك بوضوح أنه خلق لها، وأن ما يحفزه إليها هو ما في أعماقه نحوها من حب واشتياق، ورغبة في التألق، وعزم صادق على الإجادة والإتقان». كما اعتبر بأن النصوص التي يجمعها هذا الكتاب تعكس كون الإسلام دين فكر وحضارة، كما أن «الوطنية الصادقة التي تربط بين أفراد الأمة الجزائرية على اختلاف منازلهم ونوازعهم تحدد للفكر اتجاها وللعمل نوعية وللمشاكل علاجا». وخلص الأستاذ محمد الصالح الصديق إلى أن هذه النصوص ستظل مرآة مصقولة مجلوة تعكس
 الهمم العالية والنفوس الكبيرة والنوايا الطيبة والحب الصادق الذي يدفع ويحفز ويوحي ويلهم».
يؤكد د.محمد أرزقي فراد أن الغاية من كتابه تمكين الناشئة من التواصل مع تراث أجدادهم، على أمل أن يساعدهم الوعي التاريخي في رسم معالم المستقبل، وعمد إلى تيسير الاستفادة من النصوص المختارة، بتقسيمها إلى فقرات، والفصل بين الجمل، والتعريف بالشخصيات، وشرح المفردات الصعبة وتخريج الآيات القرآنية الواردة.
لم يكتف فرّاد بجمع النصوص ونشرها، بل مهّد لها بمدخل تاريخي حاول فيه إيضاح دور نخبة زواوة في نشر ما أسماه «الفكر الباديسي»، الذي يشكل «حجر الزاوية في نشاط الحركة الفكرية الإصلاحية في الجزائر»، كما رتّب المختارات ترتيبا زمنيا لقناعته «أن فهم النصوص لا يتمّ إلا في سياقها التاريخي».
 أشار الباحث إلى أن منطقة زواوة تتميز بثقافتها الأمازيغية الشفوية، ما جعل رصيدها من الوثائق التاريخية المكتوبة شحيحا، لا لفقر المنطقة الثقافي، وإنما نتيجة لما تعرضت له المنطقة من «إبادة ثقافية» وسياسة أرض محروقة على يد الاستعمار الفرنسي، وما نتج عنه من ضياع مكتبات خاصة بما تحويه من كنوز ثمينة، وقبل ذلك تخريب ونهب بجاية على يد المحتلين الإسبان سنة 1510.
يضيف فرّاد بأن دور علماء زواوة لم ينحسر داخل الوطن بل امتد إلى المشرق العربي، مستشهدا بما ذكره الشيخ أبو يعلى الزواوي عن عشرات العلماء الذين وجدهم في الشام في النصف الأول من القرن الماضي، «وفي مقدمتهم الشيخ الطاهر الجزائري الوغليسي، الحائز على الريادة في بعث النهضة العربية هناك».
خلص فرّاد إلى كون هذه النصوص «جديرة بأن تدرج ضمن البرامج التعليمية المختلفة، لأهميتها التاريخية والأدبية والإعلامية، ولأن ذلك من شأنه أن ينصف علماء زواوة الذين عملوا في حقل الإصلاح»، آملا في أن يكون الكتاب «لبنة في بناء الصرح التربوي الرامي إلى بناء جسر التواصل بين الجيل الحالي وتراث أجدادهم، لقطع الطريق على من يحاولون ربط منطقة الزواوة بالثقافة الغربية بالافتراء والبهتان».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024