في حديثها عن الطائل المادي والجدوى الاقتصادية من استغلال المنشآت التراثية، تعتبر المهندسة المعمارية والباحثة عواطف تركية خرشي بأن فوائد هذا الاستغلال تتعدى الجانب الاقتصادي، الذي يتكرّس في خلق مداخيل مالية ومناصب شغل جديدة، إلى الجوانب الاجتماعية والتربوية، وإعادة بعث الروح في مبانٍ وفضاءات لها قيمة تاريخية ثابتة، ولكنها تكتسب أيضا قيمة إنسانية من خلال النشاط الإنساني الذي تحتضنه هذه الفضاءات.
سألنا محدثتنا عن المدى الزمني الذي يمكننا فيه تحقيق أرباح اقتصادية بفضل تحويل مبنى تراثي ما إلى الاستغلال الاقتصادي، فأجابت قائلة إن التراث هو مصدر مستديم وغير متجدد، مصدر يجب علينا أن نستعمله ونستغله دون إتلافه، وإذا أخذنا مثالا بحي القصبة العتيق فإننا حينما نفقد “دويرة” لا نستطيع استرجاعها، ولكن إذا ما فكرنا في استغلال فضاء ما بإعادة تحويله فإننا بذلك نعيد إحياء هذا الفضاء والمحيط والجانب الاجتماعي، وإلى جانب هذا كله يمكننا تطعيمه بنشاط اقتصادي.
تعطي خرشي مثالا بقصر مصطفى باشا الذي كان مستعملا للسكن، وهو الآن متحف، يستقبل زوارا من كل الفئات العمرية والاجتماعية ومن مختلف الجنسيات، إلى جانب أنه وفر مناصب عمل، حيث يعمل به مهندسون، محافظو تراث واختصاصيو علم الآثار، مستشارون ثقافيون، مترجمون، أعوان أمن، وغير ذلك من الأمثلة، إذن فهذا الصرح تحوّل إلى نشاط اقتصادي يشغّل يدا عاملة ويفتح مناصب شغل جديدة.. وإلى جانب هذه الأهمية الاقتصادية، تحدثت ضيفتنا أيضا عن الفائدة التربوية، سواءً تلك المتعلقة بتلاميذ المدارس والمتوسطات، أو بطلبة الجامعات والباحثين.
طرحنا على ضيفتنا مسألة المختصين المؤهلين في حماية التراث وكيفية التعامل التقني الصحيح معه، وعمّا إذا كان عدد هؤلاء المختصين ومكاتب الدراسات المؤهلة وفي إجابتها تطرقت إلى المهندسين المعماريين ذوي التخصصات ذات العلاقة على غرار التراث، والتكوين على المستوى التقني والميداني، من خلال تنظيم خرجات ميدانية والتعريف بالمباني التراثية كما هي، وتنظيم تربصات لطلبة السنة الأخيرة، ولكن ذلك يبقى غير كاف، لأن المهندسين المعماريين المختصين في التراث لن يتمّ توظيفهم بطريقة آلية في مكاتب دراسات مختصة في التراث، وأولئك المهتمون بهذا المجال سيشتغلون إما في مؤسسات الدولة ذات الصلة على غرار وزارة الثقافة.
مع ذلك، لا ترى عواطف خرشي بأنه لا يوجد فنيون ومهندسون معماريون مختصون في التراث، وحتى وإن كان عددهم غير كاف نسبيا في الوقت الحالي، إلا أن الوضع يتحسن بفضل التكوين، مشيرة إلى التكوين الذاتي في الميدان: “أنا شخصيا لم أكن مكونة في مجال التراث، ولكن الأمر يتعلق أكثر بشغف، ميول وخيارات.. لطالما كنت شغوفة بالتراث لذلك وجهت اهتماماتي نحوه”.
أضافت بأنه لا يتم اللجوء في العمل الميداني إلى المتعاملين الأجانب مباشرة، وإنما الأولوية هي للمتعاملين الجزائريين. ولكن المشاريع الكبرى تخضع إلى مراكز قرار أخرى، وهي التي تقرر من هي المؤسسات التي تمتلك الإمكانيات والقدرات اللازمة لإنجاز المشاريع. مع ذلك، يتم الاتفاق مع هؤلاء الأجانب على تواجد جزائريين في المشروع، من جهة لأجل مراقبة ومتابعة الأشغال لأن هذه الأخيرة تعنينا بالدرجة الأولى، ومن جهة أخرى التكوّن والاحتكاك بغرض تحسين المستوى.
عن “خوصصة” قطاع التراث المادي الجزائري، قالت عواطف خرشي إن التراث ثروة وطنية وهي ملك الشعب الجزائري، لذلك لا تتمّ “خوصصة التراث” وإنما خوصصة استغلال التراث، وذلك بشروط ومع البقاء تحت وصاية الدولة، أي أن مؤسسات الدولة هي التي تراقب هذا الاستغلال.. قد يكون رأس المال خاصا، ولكن الوصاية تبقى عمومية.