كثر الحديث مؤخّرا عن إدراج الثقافة في مسار التنمية الوطنية ومؤسساتها ونشاطاتها لتكون موردا اقتصاديا يساهم في توفير أرباح هامة ومداخيل تعود بالفائدة على خزينة الدولة، ومن بين المجالات القابلة لضخ الاستثمارات تحويل المعالم غير المصنفة إلى مقرات لأنشطة اقتصادية ثقافية واجتماعية، من شأنها توفير مناصب شغل وإعادة إحياء المعلم، والحفاظ على هويته وتاريخه وعمارته من الزوال.
سبق وأن خاضت وزارة الثقافة التجربة بنجاح بتحويل مقرات تابعة للأروقة الجزائرية سابقا إلى متاحف للفنون التشكيلية الحديثة المعاصرة بالعاصمة ووهران، واليوم تعكف بعض أقسام الهندسة المعمارية بالجامعة على الدراسة والبحث النظري والتطبيقي حول معالم أثرية غير مصنفة تعود لحقب ماضية، موزعة على كافة التراب الوطني وقابلة للتحويل إلى مشاريع ثقافية اقتصادية.
عواطف تركية خرشي، مهندسة معمارية بالمتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط الواقع بقصر مصطفى باشا بحي القصبة بالجزائر العاصمة وأستاذة مساعدة بجامعة سعد دحلب كلية الهندسة المعمارية، اهتمت بموضوع تحويل المعالم التاريخية الى مشاريع اقتصادية ثقافية عملية ذات منفعة عامة.
«التحويل”، تقول عواطف خرشي من منبر “ضيف الشعب” يعني “الحفاظ على المعلم التاريخي وتحويل طابعه الى نشاط اقتصادي، دون المساس بميزته التاريخية والمعمارية وجعل منه فضاء لأنشطة ثقافية تدر بالفائدة على محيطه الخارجي وعلى الاقتصاد الوطني”.
وتتم العملية تقنيا، تضيف قائلة: “في البداية من خلال جرد كل المعالم الموجودة في المنطقة وجرد محتوياتها، واكتساب دراسة محيطها من سكان, طابع المعيشي، الاجتماعي والثقافي وغيره، يليها التواصل مع المستفيدين من هذا التحويل لدراسة طبيعة التحويل، على أن يكون ثقافي، اقتصادي، سياحي أو غيرها، هذا بالنظر إلى احتياجات المنطقة، ثم تأتي مرحلة دراسة للمعلم المختار والنشاط الذي يتوافق مع طابعه التاريخي ووظيفته القديمة، من جهة ترميمه وتوسيعه إذا استلزم الأمر ذلك، وكذا دراسة المواد المستعملة”.
وعملية التحويل، تكشف المهندسة المعمارية “تخص المعالم الأثرية القديمة وغير المسجلة أو المصنفة عكس المعالم المصنفة، التي لا تقبل التحويل أو المساس بموادها أو طابعها القديم وبل ترتكز عمليات ترميمها أساسا على احترام الطابع والمعمار المحلي واستعمال المواد القديمة الأصلية بقدر المستطاع.
العملية موجهة لحماية والمعالم التاريخية غير المصنفة والحفاظ عليها من الزوال والتدهور. و«هذا الترميم والتحويل غالبا ما يستدعي إدخال طرق عصرية ومواد بناء حديثة، للتواصل بين الحاضر والماضي والمستقبل، بل يتيح المجال لتوظيف كل ما هو عصري ليتماشى المعلم القديم مع الحداثة، هذا عكس الترميم الذي نحافظ فيه على المواد الأساسية والنشاط القديم، فالتحويل لا يستلزم ذالك، بل يفتح الباب أمام العصرنة والحداثة في الترميم وإعادة بعث الروح من جديد في المعلم الثقافي الأثري”.
قد شكلت فعاليات اليومين الدراسيين حول موضوع “التراث الثقافي فاعل في التنمية”، المنظمين يومي 16 و17 ماي الجاري بالمتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط، فرصة لتسليط الضوء على فاعلية مشاريع تحويل المعالم الأثرية غير المصنفة وتجسيدها ميدانيا، من خلال الورشة الخاصة، التي نشّطتها الأستاذة الجامعية المختصة في الهندسة المعمارية والتراث د - عجالي سامية، ومجموعة من طلاب الماستر 2 بكلية الهندسة المعمارية بجامعة سعد دحلب بالبلدية”.
الورشة التي سمحت للطلبة بتقديم حوصلة بحوث ميدانية على معالم أثرية موزعة في العديد من مدن الجزائر من بينها العاصمة، بشار، الغزوات، تلمسان، الاغواط وغيرها، والتي من الممكن تحويلها إلى متاحف ودور ثقافة، ومطاعم ومكتبات...دراسات تنتظر أن تهتم بها الوزارة الوصية والجماعات المحلية والمجتمع المدني لتجسيدها على أرض الواقع.