كم جميل حين تتعثر الأصابع في رفوف المكتبة بتشكيلة سردية، مختلفة، متميزة وفي عدة عناوين مشتهاة، مغرية ومثيرة للقراءة والاستكشاف، والأجمل أن تجد بداخلك مقدرة مهيأة بشكل كاف لعبور جسور الكلام، فتغرق منه وتنسى الوقت، المشاغل وتحديات يومك.
عدت بعد قراءة أولى منذ شهور إلى ناصية من نواصي الحكي، إلى قاص يؤثث رفوف الوطن بما تناثر من روحه العطشى إلى دروب السرد، محمد الكامل بن زيد وهو يسابق نخلاته، يحاكي الريح ويرسم بصبر وأناة مشاهد تخزنها الذاكرة، وتلونها أحاسيسه الطفولية، ليمضي بعيدا في تشكيل مسار سردي، وتجربة نثرية مختلفة، لها بصمتها وحرفها، وطريقة حكي توغل في كسر نمطية طالما نفرت منها الذائقة.
محمد الكامل بن زيد ومن خلال ماقرأت من موروثه المطبوع له الروايات: قصر الحيران، وهمس الهمس، والجنرال خلف الله مسعود – الأمعاء الخاوية، المجموعات القصصيّة: ممنوع الدخول، ونحتٌ جديدٌ لتمثالٍ أسود، وتجاعيد آسرة، وصولا إلى المشي خلف حارس المعبد، يحاول الالتصاق بالمجتمع الذي يحيا تفاصيله وسماته المتنوعة، تشكيله في غرفة الروح ليخرج فسيفساء غارقة بالجمال، عامرة بالمحبة وموغلة في الصور البهية، ورغم السعي الحثيث لإسباغ صفة العمومية على النص، إلا أن ملامح المحلية تبرز فيها ولو على استحياء.
محمد الكامل بن زيد في مجموعته القصصية «المشي خلف حارس المعبد» يلامس همومه كإنسان، مسلم، عربي، افريقي وجزائري بالمحصلة، يرصد ما يطفو على الساحة من أحداث، خيبات وعثرات بطريقة مختلفة، متفردة تجعل من نصه تيمة اجتماعية في قالب مستحدث يبحث في دروب التجريب بلغة أخرى، تشكيلات متجددة، مخاتلات لغوية وتصويرية تقود القاريء للمزيد من الغوص والتنقيب، وتسمح له بمشاركة المبدع في رسم مسار النص والوقوف في موقف المتخيل.
محمد الكامل بن زيد يتخير العتبات النصية ويحملها المزيد من الأسئلة، سعيا منه لتوريط القاريء وشده للنص، وجعله يذهب لقراءة ثانية، وربما ثالثة حتى يفكك ماتشعب بين الصورة والحدث ... الملاحظ أيضا أن غالبية العناوين مركبة وتحمل دلالات لفظية متنوعة باستثناء عنوان واحد جاء بشكل مزدوج «عزف منفرد» أما البقية حملت بداخلها صورة ذهنية يمكن أن تشكل نصا بمفردها، قد تلتقي في ذهن القاريء أو تلتقي وهي في كل حالاتها ميزة ابداعية.
في الأخير وكتجربة يعتمد الكاتب محمد الكامل بن زيد في أحد نصوصه ثنائية العنوان «أعمى الطريق» و «انتهى الدرس» وهي دلالة على وعي عميق، وقراءة متبصرة وإلمام واضح بالمسألة الإبداعية وجوانبها المتعددة، وإشارة جلية لغوص بارع في دهاليز التفكير.
ختاما هذه دعوة مني للإقتراب من عوالم القاص المبدع «محمد الكامل بن زيد» وتهجي تجربته الإنسانية من خلال رواياته ومجموعاته القصصية المختلفة وبالأخص «المشي خلف حارس المعبد».