إنها من المدن الجزائرية العريقة التي يذكرها التاريخ القديم والمعاصر، عايشت أحداثا ومحطات متميزة فعرفت الرومان والبربر الفاتحين المسلمين والفارين من الأندلس والمعمرين الفرنسيين فقاومت بكل شراسة من خلال قبيلة الزعاطشة وكانت مقر الأمير خالد الجزائري، وقبلة لثوار جيش التحرير الوطني، كما شكلت ولسنين وعشريات محطة سياحية بامتياز، جلبت لها الكثير من الفنانين والمستشرقين من الغرب والنبلاء الأوروبيين، إنها بوسعادة واحة الجزائر، التي شكلت أول أمس محور النقاش، تحت عنوان: «تاريخ بوسعادة»، بمكتبة شايب دزاير التابعة للوكالة الوطنية للنشر والإشهار.
نشط اللقاء، فاروق زاهي صاحب كتاب «بوسعادة في سطور الذي يحتوي حسب تصريحات الكاتب مجموعة من المقالات التي أصدرها في العديد من الصحف الوطنية والتي حاول من خلالها دق ناقوس الخطر ولفت انتباه المسؤولين حول وضعية التدهور التي تعرفها حاليا بعض المناطق بالمدينة، ومطالبته بالتدخل السريع لحماية الإرث الكبير الذي تحتويه من الضياع.
وجاءت فكرة الكتابة عند فاروف زاهي بحكم تجربته الطويلة في التواصل مع الناس والاستماع إلى همومه خلال مسيرته العملية كمدير ولائي للصحة في عدة ولايات من الوطن وكون بوسعادة مسقط رأسه، فقد حاول «يقول إن يكون صوت سكانه وذاكرتها ومحاولة الكشف عن ما تعيشه اليوم من تدهور في الأوضاع».
وجاء تقديم الكتاب مصحوبا بعرض العديد من الصور التي تحكي ماضيها وتألقها الحضاري والاجتماعي والثقافي، و إلى المدرسة الدينية كزاوية سيدي الهامل التي سيرتها في فترة ما المرأة لالة زينب والتي تصدت بقوة للمعمر الفرنسي، فمدرسة البنات التي أسست سنة 1936 والتي كانت للتلميذات الجزائريات المسلمات ساحة استراحة خاصة بهن، وكذلك مدرسة لوسيان شالون التي بقيت في الذاكرة الجماعية لسكان المدينة.
بوسعادة التي شهدت الاستعمار الفرنسي، جابهته من خلال مقاومة قوية لأبنائها، وحافظت على هويتها الوطنية المسلمة، واهتمت بعاداتها وتقاليدها، وأدبها الشفوي وفنها التي ترجم رقصات وأغاني وقصائد خالدة، فكانت أيضا مهد المثقفين وملاذ المستشرقين أمثال اتيان ديني كولات، سكوت فيتزجرالد، المركيز جورج، اندري جيد وغيرهم.
إنها إذا بوسعادة، بحاراتها العتيقة كعقبة الحمص وقصرها وهندسة مسجديها العتيق والجديد وبساتينها، والتي ألهمت الباحثين والكتب والفنانين المستشرقين أمثل جوستاف غيومي و»اتيان ديني» الذي انتهى به المطاف وهو يعتنق الإسلام ليدفن بها بعد وفاته، بعد أن خلف رصيدا هائلا من اللوحات التي نالت شهرة عالمية، فهي قد سميت يقول الكاتب بواحة الجزائر العاصمة، لأنها تبعد فقط بـ230 كلم عنها وكانت محطة تزورها كل الشخصيات الهامة التي توفد إلى البلاد، فعرفت أنداك انتعاش السياحة والرقي والاقتصاد وكذا الثقافة والفن من خلال الرقصات المميزة والفنتازيا والأكلات الشعبية مثل ‘’الزفيطي’’، ‘’الشخشوخة» وأيضا ما تعلّق باللباس كالملحفة البوسعادية الجميلة.