كان جمهور الموسيقى الكلاسيكية العالمية على موعد سهرة الأربعاء مع «أوبرا الأوبرات»، العرض الذي مزج بين الأداء الموسيقي والأوبرالي المتميز، موشحا بشروحات المايسترو أمين قويدر حول مبادئ الأوبرا ولمحات عن تطورها في الفضاءات الزمانية والمكانية. كما سمح هذا العرض، الذي احتضنته أوبرا الجزائر بوعلام بسايح، باكتشاف أصوات أوبرالية واعدة، أمتعت الحضور رغم أنها ما زالت في مقتبل مسيرتها الفنية.
غصّت قاعة أوبرا الجزائر بوعلام بسايح بجمهور غفير، جاء لحضور «أوبرا الأوبرات»، هذا الحفل الفني الذي مزج بين الإمتاع الموسيقي والإفادة التربوية. فإلى جانب البرنامج الموسيقي، قدّم المايسترو أمين قويدر شروحات لمختلف الجوانب المتعلقة بفنّ الأوبرا، واستطاع بروحه المرحة المعتادة أن يهدينا باقة من المعلومات، من شأنها أن تساهم في نشر ودمقرطة وترسيخ الثقافة الأوبرالية بشكل أكبر لدى الجمهور الجزائري، ولعلّ أحسن دليل على ربح هذا الرهان هو تمكّن أوركسترا أوبرا الجزائر من ملء القاعة عن آخرها في كلّ حفل تقدّمه.
افتتح الحفل بقطعة موسيقية من القرن السابع عشر، وهي مشية لـ «جان باتيست لولي»، من الموسيقى التي ألفها لكوميديا الباليه لموليير بعنوان «البورجوازي النبيل». أعقب ذلك مقطوعات من «زواج فيغارو» من أشهر ما ألّف العبقري موزارت، وذلك بأداء أوبرالي جميل للموهبة الشابة السوبرانو ابتسام عمران. لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الأعمال الأوبرالية الإيطالية تقدّمها روسّيني بعمله الشهير «حلّاق إشبيلية»، ثمّ «إكسير الحبّ» لدونيزيتّي، مع إبداع للتينور عمارة حاج عيسى.
ومن الأوبرا الإيطالية إلى الفرنسية، مع بيزيه وعمله الذائع الصيت «كارمن»، وهنا استمتعنا بصوت السوبرانو أنيسة هجرسي التي أدّت «هابانيرا». ثمّ العودة إلى إيطاليا مع ترافياتا لجيوسيبّي فيردي، والثنائي أنيسة هجرسي والتينور عادل براهيم، ثم مشية من أوبرا «عايدة». وأبدع التينور عمارة حاج عيسى في كل من «لا دونا إي موبيلي» لفيردي ومقطوعة «نيسّون دورما» وهي رائعة بوتشيني. واستمعنا إلى أصوات الأوبرا تؤدّي حتى باللغة الألمانية في أوبيريت «الأرملة السعيدة» للنمساوي ذي الأصل المجري فرانز ليهار، ليختتم البرنامج بـ»أورفيوس في الجحيم» للفرنسي ذي الأصل الألماني جاك أوفنباخ.
السوبرانو ابتسام عمران، السوبرانو أنيسة هجرسي، التينور حاج عيسى عمارة، التينور عادل براهيم.. تذكروا هذه الأسماء جيدا، لأنها ستكون ذات شأن كبير في المستقبل القريب..فالأولى موهوبة واعدة لا تتعدى الواحد والعشرين ربيعا، والثانية حققت انتقالا نوعيا إلى الأوبرا بعد أن كانت إحدى نجمات برنامج ألحان وشباب، والثالث أبهرنا حينما لمسنا ثمرة اجتهاده ومثابرته والتطور الكبير على أدائه منذ اكتشفناه شهر رمضان الماضي بمعهد برج الكيفان خلال حفل اختتام مواسم المعاهد والمدارس العليا التابعة لوزارة الثقافة، أما الرابع فيسعى إلى أن يكون بافاروتي الجزائر، صوتا وشكلا وهنداما. هي أصوات واعدة، جمعت بين الموهبة والتكوين العلمي الجادّ، وهي التوليفة التي تعبّد طريق النجاح. أما من فاته الاستمتاع بهذا الحفل، فيمكنه التدارك في الحفل الثاني المنتظر يوم 8 ماي المقبل.