يؤكّد عبد المالك بن خلاف الأستاذ الجامعي ورئيس جمعية مهرجان المسرح بسكيكدة، انه كنتيجة حتمية كلما ابتعد المسرح عن واقع الجمهور ابتعد عنه الجمهور، وبالتالي مادام المسرحيون يصرون على نفس المنهج، فإن المسرح الحالي لا يمكن أن يعوض مسرح السبعينيات الذي كان يحمل هموم الشعب، لهذا كان الجمهور يجد نفسه في العروض المقدمة.
عرف المسرح الجزائري منذ خطواته الأولى حسب رئيس جمعية مهرجان المسرج لمدينة سكيكدة، على هامش ندوة القراءة في طبعتها الخامسة، والتي تنظمها دوريا المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بسكيكدة، سلسلة من الانقطاعات وأثيرت عدة تساؤلات حول هوية المسرح في حد ذاته، فالبدايات كانت تتسم بمرحلة التقليد من جهة والرفض من جهة أخرى، والتقليد يعني به هنا - حسب هذا الأخير - تقليد الشرق الأوسط الذي اتانا بالنشاط على شاكلة الغرب المتعارف عليه، لكن تلك المحاولات الأولى وبشهادة «بشتارزي» في مذكرته أنها باءت بالفشل، وفشلها كما يوضح عبد المالك لأن السبب الأول يتمثل في اللغة المستعملة كانت اللغة العربية الفصحى، والسبب الثاني هو لاعتمادها على موضوعات كانت بعيدة عن اهتمامات الشعب الجزائري في تلك الفترة.
أما الرفض فهو رفض لغة الآخر ضمن «الرومي»، خاصة وأن المسارح كانت مبنية في وسط المدينة الأوروبية كما نشاهده الآن، هذا جعل الشعب الجزائري يعزف على مشاهدة هذا الفن وهنا حدثت القطيعة الأولى، والتي يمكن أن تؤرخ للمسرح الجزائري ابتداء منها وهي سنة 1926، وهي سنة أول عرض لسيد علي سلالي المدعو «علالو» والذي حمل عنوان «جحا» وشخصيته الرئيسية هي الشخصية الشعبية المعروفة، ويطرح في المسرحية مشاكل الشعب الجزائري اليومية، وكانت قاعة العرض حينها ممتلئة على الآخر.
أما القطيعة الثاني حسب بن خلاف فقد حدثت على إثر تأميم المسارح وبداية العمل بالبيان المعنون» بيان المسرح الجزائري» الذي كتبه مصطفى كاتب ومحمد بودية، وتجلّت حينها القطيعة عن طريق مسرح قسنطينة بكتابته الجماعية، وأخص بالذكر «ناس الحومة»، وما تبعها ومسرح وهران عن طريق علولة، ويؤكد رئيس جمعية مهرجان المسرح أنه كل ما يطرح المسرح قضايا شعبية، وكل ما يستعمل شخصيات شعبية في الأداء يلتف حوله الجهور، فاللغة مفهومة والقضايا يعيشها خلال يومياته.
أما في الثمانينات حدثت قطيعة من نوع آخر وبرز نوع من المسرح الذي لا يعتمد على الكثير من الممثلين، حتى لا يكلف، وذلك بغرض الربح المادي أكثر منه الفعل الثقافي، وتتجلى هذه القطيعة في بروز العديد من التعاونيات والجمعيات، تليها قطيعة أخرى في نفس الفترة والتي اتخذت من محور الابتعاد شيئا فشيئا عن اهتمامات الشعب، وعدم استعمال اللغة المفهومة من غالبية مهتمي الركح، فكل هذه الأمور جعلت المسرح يعرف العزوف عن العروض المقدمة.