لم تعد “طرشاقة” مجرّد قصة حبّ بين عوديْ ثقاب، بل صارت قصة حبّ بين مسرحية وجمهور. وإن كانت هذه المسرحية، التي ستبلغ عرضها الثلاثين والأخير بعد غد السبت، قد نجحت في استقطاب محبّي الفن الرابع، فإن استمرارها يبقى رهينة تجديد عقدها. وفيما طالب مخرج المسرحية أحمد رزاق بدعم وزارة الثقافة لجولة خارج العاصمة، كشف يحياوي مدير المسرح الوطني عن تفاوض مع الفنانين لتجديد العقد، وأن عددهم الكبير يعيق توزيعا أمثل للمسرحية.
لا يختلف اثنان على الإقبال الجماهيري الذي عرفته مسرحية “طرشاقة”. ولكن بقرب تقديم عرضها الثلاثين، تكون المسرحية قد وصلت إلى آخر عروضها، بعد غد السبت، بمسرح محيي الدين بشتارزي.
رزاق: “طرشاقة” لم تنل الدعم الكافل لاستمراريتها
اقتربنا من مخرج المسرحية أحمد رزاق، وسألناه عن مستقبل “طرشاقة” والانطباع الذي خرج به من هذه التجربة المسرحية، فقال إنه من بين الثلاثين عرضا التي يتضمنها العقد، “لم نقدم لحد الآن سوى عرضين خارج العاصمة.. هو شرف لنا أن نقدم العرض لجمهور المسرح الوطني لأن العقد هو ملك المسرح الوطني، ولكن جمهور الجزائر العميقة يريد مشاهدة “طرشاقة”.. نحن متأثرون برؤية عائلات تأتي من بعيد وتبيت في الفنادق لمشاهدة العرض، ولكننا في نفس الوقت متأسفون لأنه من المفروض أن يكون العرض هو الذي يذهب إلى الجمهور”.
طالب رزاق بأن يقوم عرض “طرشاقة” بجولة خارج العاصمة، وتساءل عن السبب وراء عدم تقديم الدعم الكافي الكفيل بتنظيم هذه الجولة، وأكد المضيّ نحو إبرام عقد جديد مع المسرح الوطني الجزائري لثلاثين عرضا آخر، معربا عن أمنيته بأن تكون في ولايات أخرى، خاصة وأن هناك العديد من قاعات العرض التي تتوفر على المعايير التقنية التي تسمح بتقديمه، على غرار مسارح عنابة، قسنطينة، وهران، مستغانم وغيرها.
عزا رزاق بقاء “طرشاقة” في العاصمة إلى “التقشف” والتركيز، بالمقابل أشار إلى أن المسرحية استقطبت وما زالت تستقطب الجمهور، كما أن المسرح والثقافة “أولوية كذلك”.
عن تصوير المسرحية قال رزاق، إن ذلك سيتم في العروض المقبلة، وتأسف لعدم عرض العديد من الأعمال المسرحية تلفزيونيا، رغم الخزان الكبير من المسرحيات المتوفر لدى مؤسسة التلفزيون.
كما اعتبر أنه من المفروض أن لا تتضمن عقود المسرحيات أقل من 100 عرض، لأن 30 عرضا لا يغطي حتى عدد ولايات الجزائر.
حتى وإن كانت “طرشاقة” تحقق أرباحا مادية، إلا أن ثلاثين عرضا لا تكفي لكي تغطي المسرحية تكاليفها: “يجب برمجة وتوزيع وشراكة مع مختلف المؤسسات الاقتصادية كما كان يحدث في السابق، كما اعتبر بأن العراقيل القانونية والإدارية هي التي تحول دون الوصول إلى ميكانزمات تسهل دخول قطاع الخاص المجال الثقافي، يجب التأسيس لسوق جزائرية للفنون والإبداع، والدولة ما تزال مهيمنة على القاعات والتمويل والميزانية والسياسة الثقافية ككل.. القوانين هي الأساس ولا تكفي الخطابات”، يقول رزاق.
أما عن الجمهور الشاب الذي نجحت “طرشاقة” في استقطابه، قال رزاق إنه يفهم رسائل المسرحية بما في ذلك الإشارة إلى الفقيد عز الدين مجوبي، “من واجبنا أن نبقي هذا الفنان الكبير حيا، لأنه أبدا لن يموت في الذاكرة الجماعية للجزائريين”. كما لاحظ رزاق التفاهم الكبير الموجود بين الممثلين الذي تزايد مع مرور الوقت: “لقد صاروا يفهمون بعضهم البعض بنظرة واحدة، بل أحس أنهم يستمتعون بالعرض”.
يحياوي: عدد فناني “طرشاقة” يعيق توزيعها
من جهته، أكد محمد يحياوي، المدير العام للمسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشتارزي، بأن مسرحية “طرشاقة”، التي لاقت إقبالا كبيرا، هي من إنتاج المسرح الوطني الجزائري وملك له، واختير نصها عن طريق لجنة القراءة، لذا فالمسرح الوطني هو وحده من يملك حق التصرف فيها.
أضاف بأنه في إطار الاتفاقية الأولى مع الفنانين تم تحديد العروض بثلاثين عرضا، “أنا شخصيا ضد إنتاج عمل مسرحي وإبقائه سجين الأدراج، بل نسعى إلى تقديم أكبر عدد من العروض، لذلك سنتفاوض مع الممثلين، وليس مع المخرج الذي انتهت مهمته بإنتاج العمل المسرحي وتقديم العرض الأول.. من حق المخرج كفنان متابعة عمله المسرحي، ولكن قرار استمرار العرض من صلاحيات المسرح الوطني”، يقول يحياوي.
كشف محدّثنا عن نية المسرح الوطني في التفاوض مع الممثلين للوصول إلى أرضية اتفاق من أجل تقديم عروض أخرى، فالممثلون لديهم حقوق وهم قادمون من خارج المؤسسة ومن مختلف مناطق الوطن، وهناك منهم من لديه التزامات وارتباطات أخرى، “وسنعمل على أن يستمر العرض أطول مدة ممكنة”، يقول، نافيا أن يكون المسرح الجزائري قد تلقى عروضا لشراء “طرشاقة”.
بخصوص تصوير المسرحية، قال يحياوي إن التصوير بهدف التوثيق تمّ مرتين، المرة الأولى في العرض العام، والثاني في إطار مهرجان المسرح المحترف. أما بث المسرحية على التلفزيون فمرتبط بالحقوق المادية للفنانين المشاركين في العمل، المتعلقة بحق الظهور على الشاشة، إضافة إلى حقوق المؤسسة المنتجة، ويكون ذلك في إطار اتفاقية مع الهيئة التي تتكفل بالتصوير والبث. وكشف يحياوي عن وجود اتصالات مع التلفزيون الجزائري في هذا الصدد.
أما فيما يتعلق بالتوزيع المسرحي، قال يحياوي إن المسرح الوطني والمسارح الجهوية كانت تتعامل مع الجماعات المحلية ومديريات ودور الثقافة وحتى المؤسسات الاقتصادية، ولكن في السنوات الأخيرة أصبحت المسارح تتكفل بنفقات التوزيع.. وحينما كانت الوضعية المالية مريحة كانت المسارح قادرة على التكفل بجميع المصاريف في إطار الخدمة العمومية، ولكن بالنظر إلى التنظيمات الجديدة “فإننا كمسارح ومؤسسات تجارية مطالبون بتحقيق مداخيل إضافية، إما باستغلال القاعات بكرائها، أو بيع منتوجنا للتلفزيونات وتقديم العروض في مختلف مناطق الوطن”، يؤكد يحياوي مضيفا:
«المسرح الوطني مؤسسة تجارية، تسعى إلى تحقيق أرباح في إطار القانون، بالشراكة مع مؤسسات عمومية أو خاصة، وقوانين الجمهورية واضحة في هذا الصدد، ونسعى إلى إيجاد مموّل لعملية التوزيع ليس فقط لمسرحية طرشاقة وإنما لكل الأعمال المسرحية، خاصة وأننا مقبلون على إنتاجات جديدة”.
اعتبر مدير المسرح الوطني بأن توزيع “طرشاقة” وغيرها من المسرحيات هو قضية مالية، وأن العائق الوحيد في توزيع هذا العرض هو العدد الكبير لطاقمه، لأن ذلك يجعل التكلفة كبيرة خاصة بالنسبة للهيئات المستقبلة. وخلص إلى أنه “كلما كان عدد طاقم المسرحية كبيرا، كلما شكّل عبئا وعائقا في توزيعها”.