إصدار المعجم التاريخي للغة العربية مطلب ملح
احتضن النادي الوطني للجيش، أمس الأربعاء، ندوة علمية دولية حول «توحيد المصطلحات وسبل تعميمها»، نظمها المجمع الجزائري للغة العربية بالتنسيق مع اتحاد المجامع اللغوية العربية، بمناسبة انعقاد مجلس اتحاد المجامع اللغوية العربية في دورته السابعة والأربعين. وأجمع المشاركون على أن المصطلحات لا ينتشر استعمالها بقرارات فوقية ومراسيم، كما دعوا إلى الاهتمام بالمستعمل، وتوحيد الجهود بين مختلف المجامع العربية.
أشار البروفيسور عبد الرحمن الحاج صالح رئيس المجمع الجزائري للغة العربية، إلى أن هذا الاجتماع السنوي يعقد لأول مرة بالجزائر، يتناول مشاكل وقضايا العمل العلمي الذي يتطلب عملا جماعيا دقيقا ومنهجيا، كما دعا إلى إعادة النظر في وظيفة الاتحاد الحقيقية، والالتزام بالوحدة في المصطلحات. كما تحدث عن التشريع للغة ومراعاة قبول المستعمل، والبحث عن أسباب الرفض.
من جهته، دعا أ.د حسن محمود عبد الرحمن الشافعي، رئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية ورئيس المجمع المصري، إلى توافق المجامع من خلال خطوات عملية واستراتيجيات مناسبة، مشيرا إلى أن هذا الاتحاد، الذي يضم 13 مجمعا عربيا، هو أحد البقايا التي تتشبث بها الأمة العربية في الوقت الراهن.
كما تطرق إلى إصدار المعجم التاريخي للغة العربية الذي يتتبع ظهور الكلمة عبر التاريخ، وقد صدر الجزء التجريبي، أما الإصدار المكتمل فيتطلب سنوات أخرى من البحث. ولم ينس الشافعي ذكر الذخيرة العربية التي اقترحتها الجزائر.
المصطلحات لا يشيع استعمالها بمراسيم
أما وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الطاهر حجار، فقال إن التفكير المعجم التاريخي للغة العربية بدأ منذ أجيال، وهو حلم غرسه فيه أستاذه حاج صالح. وأضاف الوزير أنه بحكم منصبه يهتم بالمصطلحات العلمية، التي لا تنشأ بقرار أو بمرسوم، بل يجب إشاعتها واستعمالها واستحداثها. كما تأسف لرؤية بعض المصطلحات يتم استحداثها ولا تخرج للناس والمختصين فلا تنتشر ولا تعيش.
وفي هذا السياق، أشار الوزير إلى وجود اتفاق بين المجمع الجزائري والوزارة تتعلق بالمصطلحات العلمية في الجامعة.
من جهته وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، تعجب من رؤية من يتحدث عن اللغة العربية بسوداوية وكأنها ستندثر بعد أيام. وأضاف بأن المصطلح يظهر تلقائيا في البيئة المنتجة للمعرفة، كما لاحظ بأننا نمارس رد الفعل اللغوي، فالآخر ينتج ونحن نبحث عن التسميات، معتبرا أننا نعيش حروبا لغوية، والمسألة لا يختص بها العرب وحدهم، فالحالة اللغوية في العالم الآن هي في تماسّ مباشر مع الحالة السياسية.
وشدّد الوزير على ضرورة الاهتمام بالتعليم والنجاح في وضع مناهج أكثر فاعلية وكفاءة، والإصلاحات التي قامت بها الجزائر كبيرة في هذا المجال. كما تمنى سقوط فكرة القطرية وأن يكون إنتاج كل مجمع ملزما للجميع.
الانتقال من التنظير إلى التطبيق
من جانبه، قرأ محمد صافي مستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، رسالة بالنيابة عن الشيخ د سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة والرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، قال فيها إن اللغة العربية أرقى اللغات وأسماها، وحث على العناية بها وأن نسهّل على النشء التحدث بها بفصاحة وتبيين، والنظر في قضاياها المعاصرة، وتدارس شؤونها ووضع برامج عملية، مع الانفتاح على الآخرين والاستفادة من الأساليب العلمية التي خدموا بها لغاتهم.
وأضاف حاكم الشارقة في رسالته إن إمارة الشارقة أنشأت مجمع اللغة العربية وأصدر مرسومه في الأيام القليلة الفائتة، وهذا التأسيس ليس الهدف منه إضافة مبنى جديد، و»لكنني أركز على أن نكون فاعلين ومنتجين، والغرض الأساس منه أن يمد يد العون لما هو موجود، ويجمع الشمل مع مجامع اللغة العربية»، يقول، مشيرا إلى كثرة الجهود ولكنها موزعة ومبعثرة.
وعبّر حاكم الشارقة عن رغبته في أن تكون المجامع كلها تكون فعالة ومنتجة، كما تطرق إلى ما أسماه «حلم المعجم التاريخي للغة العربية»، الذي يتطلب جهودا كبيرة وقد تحدث عنه علماؤنا السابقون، ولكن تعثر المشروع لأسباب منها صعوبة العمل وضخامة المدونة العربية المستعملة في مختلف الفنون، داعيا إلى ضرورة الانتقال من التنظير إلى التطبيق.
الذخيرة العربية أداة
لرفع مستوى الفرد
أما في محاضرته، قال الحاج صالح إن اللغة نظام ومستويات من التركيب، ووكل شيء فيه تركيب تدخله الرياضيات، وهذا ما تناساه دارسو اللغات. كما أن اللغة استعمال، والتصرف في هذا النظام ملكة يكتسبها مستعمل اللغة بشيء من الممارسة وكلما أتقنها أتقن قواعدها.
اللغة هي أيضا استعمال فعلي لهذا النظام، فالمستعمل قد يصيب أو لا يصيب، إذن فالمنطلق العلمي الذي لا مناص منه هو الرجوع إلى الاستعمال، والأذكياء من العلماء القدامى جعلوا السماع هو المنطلق لكل شيء، والمقصود هنا السماع الصحيح الذي أجمع على صحته كل العلماء في كل زمان، وهو يعتمد على ما سماه المتأخرون من علمائنا بالتواتر وهو مفهوم غير علمي.
والسماع يكون من أكثر من شخص وإذا كثر المستعملون يقبل وهم ما سماهم سيبويه «فصحاء العرب»، والفصاحة ليست البلاغة وإنما عدم اللحن والخطأ في اللغة، كما أن المرجع عند العرب أصح مما اعتمد عليه في اللغات الأخرى.
وأكد الحاج صالح أن العربية الفصحى لغة حية، وكل اللغات في الدنيا لها لغة للثقافة، لغة للتخاطب الدولي والعلمي، ولغة مبتذلة يستعملها الناس في زمان راحتهم أي اللغة الملحونة، فلماذا نتهم اللغة العربية إذن؟ يتساءل الحاج صالح.
وعاد المحاضر إلى تأسيس اتحاد المجامع، قائلا إن مجمع دمشق وهو أقدم المجامع، رفقة مجمع مصر ومجمع بغداد هي التي أسست الاتحاد في بيت طه حسين، وكان هذا حدثا تاريخيا، ولكن بوفاة طه حسين تناسى أصحاب الاتحاد المهمة الأساسية، وكتبوها في المرسوم الذي صدر في 1973، وفي 1976 اجتمعوا في الجزائر.
أما عن المصطلحات، قال لحاج صالح إن من يضعها هو مخترع الجهاز أو الآلة أو الاكتشاف.. «نحن نأخذ الاسم ونترجمه إلى العربية وهذا غير كاف، اللغة التي لها قيمة هي التي تنقل العلوم والتكنولوجيا، واللغة التي لا تفعل ذلك يضيق بها الناس ولا يرسلون أولادهم لاكتسابها».
وناشد جامعة الدول العربية أن تطلب من الدول الأعضاء اعتماد القاموس في المواد، وتتوحد بكيفية تشريعية: «لا بد أن يكون مرسوم في كل بلد عربي لاعتماد قاموس المجمع وحده.. نحتاج إلى مرصد يراقب ويرصد هذا الاستعمال بكيفية دائمة، وفي الجزائر هو عمل المجلس الأعلى للغة العربية»، يقول الحاج صالح، الذي أعطى أمثلة بمصطلحات مثل الطريق السيار، الذي دخل في الاستعمال لأنه يوحي إلى المسمى، «مصطلح الأكل الخفيف نجده عنوانا لكل المطاعم رغم وجود أكثر من 100 لفظة عربية تدل على ذلك مثل كلمة لمجة.. الآن الأطفال يستعملون كلمة لمجة.. وضعنا هذه الكلمات من 30 سنة ودخلت الاستعمال، كما أنني قبل 40 سنة استعملت كلمة اللسانيات، واليوم هي الكلمة الوحيدة المستعملة وحينها لم أقصد وضعها ولكنها انتشرت لوحدها».
واعتبر بأن اللفظ يشيع دون فرضه على الناس، كما يمكن أن لا يشيع وهنا لا بد أن ننشئ بحثا جديدا في ميدان أسباب الشيوع اللغوي، خاصة وأن كل ما هو مكلف في الصوتيات ويصعب نطقه، أو يوحي إلى أشياء سيئة، يرفضه المستعمل. «للاستعمال قوانينه الخاصة التي لا علاقة لها بالنظام اللغوي، ودراسة هذين الجانبين معدوم».
أما في شرحه لماهية الذخيرة العربية، قال الحاج صالح إنها ليست مكتبة إلكترونية ولا مجرد مدونة، هي أداة لرفع مستوى المواطن العربي أينما كان وكيفما كان مستوى ثقافته، من التلميذ الصغير إلى العلّامة الكبير. وتشمل الذخيرة كل العلوم الحديثة، وفيها من الكتب المرقمنة الملايين، ولولا هذا العدد الهائل لا تسمى ذخيرة.
اختلافات لا طائل منها
ومن المحاضرات الأخرى نذكر مداخلة البروفيسور حسن البشير الصديق، رئيس المجمع السوداني، الذي نقل تساؤل الأساتذة الصينيين حول عدم استعمال العرب لمصطلحات موحدة ما داموا يستعملون لغة واحدة. واعتبر أن أول هدف هو توحيد المصطلح العلمي العربي، وأشار مثلا إلى الاختلاف بين المشارقة المغاربة في ترتيب الأبجدية، وهو اختلاف لا فائدة منه في رأيه.
كما دعا الصديق إلى عودة التعاون المشترك، وأشار إلى أن رصيد اللغة العربية في المحتوى العالمي في آخر إحصاء هو 3 بالمائة، مع ملاحظة أن البحوث التي ألفها العرب في لغات أخرى صارت ملكا لتلك اللغات.
فيما أكد البروفيسور محمد خليفة الأسود، رئيس المجمع الليبي، أن الإبداع والشجاعة هما العنصران الأساسيان اللذان يجب توفرهما في الباحث خصوصا في اللغة، وقام بذكر عدد من العراقيل التي تتعرض لها ترقية اللغة العربية، بما في ذلك ما وصفه بـ»عدم امتلاكها للحروف الدولية التي يمكن بها وصف لغات أخرى».
وخرجت الندوة بتوصيات، أشارت إلى دور اتحاد مجامع اللغة العربية بصفته الهيئة التشريعية العليا، وتوحيد منهجية تنميط المصطلحات، واعتماد الذخيرة اللغوية العربية، وحثّ المجامع على القيام بدراسات ميدانية، ونشر المعاجم الرسمية، مع ضرورة إدراج المصطلحات التي تم إقرارها في النصوص العلمية والأدبية والإعلامية، ووجوب مراعاة ميول المستعملين