رغم السنين الطوال المتواصلة التي اشتغل فيها الإعلام المغربي، للأسف، على إبعاد صوت الحق، صوت شعبي، صوت الشعب الصحراوي وعزله عن بيئته العربية وتواصله العربي، امتداده وعمقه العربيين، ها هي القاهرة، قلب مصر، قلب العروبة والفكر تستيقظ وتفتح ذراعيها وأبوابها لأول كتاب من الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، لدولتي التي تحمل اسم صفة العروبة “العربية” بعد الشعب “الجمهورية” مباشرة في الرتبة الثانية حتى قبل الأرض “الصحراوية” وقبل العدل “الديمقراطية”.
كنا دائما على قناعة، رغم طول الجفاء المتعمّد والمفروض، أننا سنلتقي اليوم أو غدا، لذلك لم نلعن يوما المستقبل، وكنّا مؤمنين أن الشعوب ستلتقي وظل إيماننا يترسخ أنه لن نلمّ الشمل إلا على لقمة الفكر الحر ومائدته، وأن الثقافة هي الأصابع التي تشبك الأيدي في الدائرة التي نستطيع أن ندور بها ونرقص جميعا ونفرح ونغني.
تعلن مصر صرخة مزلزلة أنه حان الوقت:
في أن نسمع من إخوتنا في الصحراء الغربية مباشرة دون وساطة من أيّ كان؛ وأن نجاوب على السؤال المطروح: إلى متى تستمر مأساة الشعب الصحراوي؟ وأنه كفى... لسنا بحاجة إلى من يملينا ويغششنا.
نستطيع أن نميّز بين لغة قوة الحق لإخوتنا في الصحراء الغربية وحق القوة التي أبعدتنا عن لعب دورنا في التقريب بين الشعوب.
يجب أن يعلم العالم، أن الشعب المصري ناضج بما فيه الكفاية وله القدرة في أن يميز دون وصاية ودون توجيه من أي كان.
القاهرة تقهر الصمت وتقهر القمع الفكري وترفض قهر الكلمة الحرة
هنا في القاهرة التي تضج بأكثر من 20 مليون مصري، تستطيع كل الأفكار أن تتلاقح، هنا بيئة للحرية والفكر والعلم… كيف لا نفهم ونسمع ونقرأ ممن يتكلم لغتنا؟ وترتسم على وجناته سمرتنا؟ كيف لا نسمع لدولة عربية تجلس معنا وجها لوجه في قارة أفريقيا ومن مؤسسي الاتحاد الأفريقي لعشرات السنين، بينما شعبها العربي يحرم من أن يتكلم في جامعة العرب؟!
كيف يمكن فهم أن تبقى مصر العروبة تحرم من أن تشارك في صنع مستقبل مشرق لشعب عربي شقيق مسلم مسالم؟ إلى متى تدفن الرأس في الرمل ونختار فعل النعام، بينما أبو الهول نصفه أسد؟
إن كانت المصالح المؤقتة تحرم النظام في مصر من أن يقول كلمة التقوى، فإن المجتمع المصري من حقه أن يستمع ويفهم ومن حقه أن يفكر وأن يتنفس الحقائق.
كيف يمكن أن نفسر أن يبقى المجتمع الأوروبي الحر بكامل أطيافه مع الشعب الصحراوي ويؤازره، فحكومة إسبانيا التي باعت الشعب الصحراوي 1975، لم تسلم منها بلدية واحدة اليوم 2016، إلا ويرتفع عليها علم الشعب الصحراوي، في حين لا يعرف الإنسان العربي أين تقع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية!!!؟؟؟
هذه بعض الكلمات والتساؤلات التي عدت بها من القاهرة، اليوم، ومن مصر التي علمت العالم العربي، وأساتذتها هم من درس الفيزياء والكيمياء والرياضيات واللغة العربية…إلخ، في الخليج العربي والمغرب العربي.
وبعيدا عن لغة السياسة والحكومات والخرائط والمصالح… وجدت أهلي ووجدت بيتي وأسرتي، وجدت الأخت والأم والبنت والولد، وجدت الأخ الصادق والزميل الخلوق، وجدت شعب مصر الخلوق الكريم.
وجدت سماح وإيمان وأروى ويوسف وأسامة وصالح، وكأنني ألتقي السماحة والإيمان والرواء والجمال والعزة والصلاح.
وأول ما قدمت كانت “دار الأوبرا المصرية” تفرد سجادها الجميل تحت أقدام أولى قصائد شعري الحر “صب الخواطر”؛ وكأنما تحتضن مشاعر الشعب الصحراوي وتأخذ بخاطره وترسل إليه في تلك الأمسية الصيفية قرب النيل أول شارات الكرم في برنامج “فضفضة” الذي يعده الأديب الكبير جلال عابدين، وكأنها تعرف ما في القلب من ظلم وغبن وتعطيه الميكروفون كي يفضفض... إنه وميض من منارة مصر إلى سفينة الشعب الصحراوي ترشده إلى بر الأمان.
لقد والله وجدت مصر أكبر وأعمق مما يكتب عنها بكثير... ورأيتها أجمل وأروع مما يكتب عنها بكثير... واكتشفت أن الكاتب المصري والفنان والمثقف والإعلامي عموما لم يعط مصر ما تستحق، وعجز في أن ينقل صورة مصر الحقيقية، وظلت أكبر منه وستظل تكبر، وسيظل يلهث وراء جمال مصر وعظمة مصر وسحر مصر.
كان سبب قدومي إلى مصر هو الاحتفاء بكتابي “نبضات من الصحراء الغربية” الذي صدر عن دار النشر المصرية الغراء، “النخبة للطباعة والنشر”، وللاحتفال به جمعت مصر كل ثوبها وأعدت زينتها وحضرت، “وقد شارك في المناقشة لفيف من كبار النقاد والأدباء والمثقفين ورجال القانون ورؤساء الأحزاب، من بينهم المستشار صالح شرف الدين، الشاعرة إيمان ذهني، السفير عمر الحامدي، المستشار محمد عبد الغني، الأديب جلال عابدين، الشاعر محمد المصري”… لا الحصر.
لقد جمعت دار النخبة “نخبة المجتمع المصري والعربي ليتحسس وليستمع إلى ذلك النبض الصادر من قلب الشعب العربي الصحراوي، وأعتقد أن الكتاب سوف يكون إضافة نوعية إلى المكتبة المصرية العملاقة، وإلى الكتاب العربي بصفة عامة، وسيجد” إن شاء الله” كل من قرأ الكتاب الشيء الجديد الجميل، وتستحق مصر أن يهدى إليها كل كتاب.
فشكرا لمصر التي ستبقى بلد كل عربي، ولن يستطيع أيّ كان أن يوقف تدفق جريان النيل، وسيظل يستحي أن يقيس طوله قرب هرم…