احتضن قصر الثقافة مفدي زكريا، أمس الإثنين، نقاشا حول الإعلام الثقافي بالجزائر، افتتحه وزيرا الثقافة والاتصال، ونشطه إعلاميون وباحثون، وحضره إطارات من وزارة الثقافة ووجوه ثقافية وصحفية على غرار الأديبة زهور ونيسي والدكتور محي الدين عميمور. وتنوعت المداخلات بين محاولات لتشريح واقع الإعلام الثقافي بالجزائر، والعقبات التي تواجهه، وكان واضحا التركيز على نقص عامل التكوين وضرورة تخصص الصحفي للنهوض بمادته الإعلامية.
أشار وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، خلال كلمته الافتتاحية، إلى أن هذا اللقاء هو الأول ضمن سلسلة لقاءات سوف تتطرق للمسرح والسينما وغيرها من القطاعات. كما تحدث عن وجود رغبة في أن يكون الإعلام الجزائري شريكا في التنمية الثقافية، مؤكدا على أن الثقافة رافد مهم في التنمية الوطنية والدعم الذي تلقاه على أعلى المستويات من رئيس الجمهورية أو الحكومة. كما أن الثقافة سند حقيقي للدفاع عن المجتمع وهويته بحضور الجزائر القوي بمثقفيها ومبدعيها.
«هناك تفاوت في التعاطي الإعلامي مع الثقافة، فبعض الصحف تفرد لها صفحات واسعة ومتابعات جادة وجريئة، والبعض الآخر يضحي بها لصالح المواد الاستهلاكية”، يقول ميهوبي، الذي رفع “رغبة لخدمة الثقافة والترويج لها دون الدخول في البروباغاندا وتجميل الصورة فحسب”.
أما وزير الاتصال حميد قرين، فقال إن الثقافة جسر وضرورة، وهي من منظور فلسفي مثل جواز السفر في الحياة. وارتأى الوزير أن تركز كلمته على أثر المادة الثقافية في النفوس وتفرّدها مقارنة بالمادة الإعلامية العادية، معطيا أمثلة من نوادر الأدباء العالميين.
وتساءل قرين “كيف يمكن أن يكون الصحفي إعلاميا ثقافيا إذا لم يكن شغوفا بما يعمل، ويداوم على قراءة الكتب ومشاهدة الأفلام ومتابعة جديد الإبداع الثقافي، إذن فالقضية ليست فقط قضية تكوين. وأضاف الوزير بأن الإعلام العمومي يلعب دوره في دعم المادة الثقافية، وهو ما لا نجده لدى بعض وسائل الإعلام الخاصة. كما ركز قرين على ضرورة احترام مبدأ حرية التعبير، إذ لا يهمّ مؤلف الكتاب على سبيل المثال، ما دام الكتاب الذي ألّفه جيدا ويستحق التعريف به، والعكس صحيح.
بين خدمة الثقافة ونقل المعلومة
وطرح ميهوبي سؤالا: “هل نملك إعلاما ثقافيا بالمعنى المهني؟ وهل المشرفون على الأقسام الثقافية يملكون الحس المهني ومتخصصون ومتابعون بالفعل.. نتمنى المتابعة ليس فقط للنشاط الثقافي /الإداري/ وإنما تجاوز السطحية والاتجاه أكثر نحو المضمون”.
وتطرّق ميهوبي إلى إطلاق منابر إعلامية ثقافية جديدة على هامش معرض الجزائر الدولي للكتاب، مثل مجلة “ثقافات” عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، “دائما ما نلام على إدارة الثقافة دون أن نملك منابر لها، ونأمل في أن نجد الدعم من الإعلاميين للمساهمة فيها”.
وأشار ميهوبي إلى حدثين هامين يعيشهما المشهد الثقافي الجزائري: الأول هو قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، التي دعا الوزير الإعلاميين إلى دعمها ومواكبتها، كاشفا بأن الإشارة قد أعطيت من أجل إطلاق قناة تلفزيونية على أنترنت تعرض كل الأعمال التي شهدتها التظاهرة. أما الحدث الثاني فهو معرض الجزائر الدولي للكتاب الذي تشارك فيه لأول مرة 47 دولة من خلال رقم قياسي بلغ 910 دور نشر من ضمنها 260 دارا جزائرية، واعتبر ميهوبي بأنه لم يبق كواجهة للثقافة العربية سوى هذا الحدث الثقافي في زمن يشهد انكسارا كبيرا للمنطقة العربية.
يذكر أن ميهوبي كان قد بدأ كلمته بنعي الأديب جمال الغيطاني واصفا إياه بأنه “أحد عمالقة الرواية”، ولطالما قاسم الجزائريين تظاهراتهم الثقافية. “لقد التقيت به في أكثر من مناسبة وكان دائما يحدثني عن محبته للجزائر وثورتها وثقافتها”، يقول الوزير. كما اغتنم ميهوبي الفرصة ليترحم على كبار المثقفين الجزائريين الذين رحلوا مؤخرا، وخصّ منهم بالذكر الأديبة آسيا جبار، وقال: “نعتز بإحراز الجزائريين للكثير من الجوائز الثقافية”.
التكوين ثم التكوين
كثيرة هي الملاحظات التي طرحها منشطو اللقاء في مداخلاتهم، حيث تطرق الصحفي شرفي عاشور من إلى دور الصحافة المكتوبة العمومية في الحقل الثقافي، مركزا على الانتقال من صانع الحدث إلى الجمهور المتلقي. أما سليم بوفنداسة من يومية “النصر” فلاحظ وجود مشكلة في التواصل في الميدان الثقافي، وقال سليم “نحن نمارس نوعا من الهواية الإعلامية، خاصة مع غياب التكوين في المجال الثقافي.. المجتمع يفرط في الاهتمام بالسياسة والرياضة على حساب الثقافة، وهذا ينعكس على التناول الإعلامي”.
من جانبه تساءل صحفي الإذاعة يوسف سايح حول ماهية الصحفي الثقافي، وأشار إلى عدم وجود التخصص، وخلص إلى أن المشكل الأساسي هو غياب التكوين. من جانبه، رأى رابح بلطرش بأن وسائل الإعلام التقليدية لم تعد كافية بسبب الزخم الكبير في المعلومات، وهو ما حتّم اللجوء إلى الصحافة الإلكترونية. أما الجامعي نصر الدين لعياضي فاعتبر بأن الثقافة هي ما يقدم خدمة للإعلام وليس العكس، وأن الثقافة منتوج نخبوي اختلفت المجهودات من أجل تقريبها للمواطن البسيط.
وقال الإعلامي فرحاني مزيان إن القارئ مستهلك ويجب أن يجد المعلومة، في حين نجد أن هناك من يقفز مباشرة إلى النقد وإبداء الرأي قبل تقديم هذه المعلومة. أما مسؤول الإعلام بالديوان الوطني للثقافة والإعلام سمير مفتاح، فأشار إلى أسبقية مؤسسته في طرح هذه الإشكالية على النقاش منذ خمس سنوات خلت.