الكاتبة حكيمة شكروب لـ “الشعب”:

العالمية بتينا مدرسة في الفن التشكيلي

قالمة: أمال مرابطي

تضاريس قالمة وسحرها مصدر إلهام الفنانة

 تمتلك الحركة التشكيلية بولاية قالمة قدرات معتبرة، من شأنها أن تجعل المدينة العريقة بتاريخها إحدى قلاع الفن التشكيلي، من هؤلاء الذين أبدعوا الفنانة العالمية الألمانية بتينا هاينن عياش المعروفة برسومات انتزعت شهرة كبرى مثلما توضحه  مجموعة المعارض التي شاركت فيها. وهي معارض أبرزت فيها الفنانة جمال مدينة قالمة من معالم وتضاريس محل اهتمام  الدارسين والباحثين منهم الكاتبة “حكيمة شكروب” التي انصبت دراستها على ما قامت به بتينا من أعمال فنية تشكيلية عبر الزمن.التفاصيل تنقلها جريدة “الشعب”.

أوضحت الكاتبة حكيمة شكروب لـ«الشعب” سر اهتمامها بلوحات الفنانة العالمية بتينا، قائلة بأن الدافع من وراء ذلك هو التعريف بالفن الراقي والاعتراف بالعمل العظيم الذي قامت به الفنانة بتدوين تاريخ منطقة قالمة، عبر الزمن من خلال ما تنجزه من لوحات وشرح بصيرتها التي تتجاوز الرؤية العادية من إحساس بعناصر الطبيعة والتعبير عنها بنظرة جديدة.
وأضافت حكيمة: “إعجابي ببتينا هاينن عياش، جعلني أخوض هذه التجربة، اعتبرها مدرسة قائمة بذاتها ومرجع للأجيال القادمة والمعاصرة، لينهلوا منها القواعد السليمة والأفكار الناضجة وأخلاقيات المهنة.
وحول ما جاء في دراستها كشفت لـ«الشعب” بأنها ركزت على شخصية الفنانة بتينا قائلة في هذا المجال: “صفاء مزاجها جعلها تخلد في السكينة ومنهجها العقلي الصارم لم يتجاوز المنطق والواقعية”، مشيرة إلى أنها أحبت الطبيعة بعمق ولم تنفصل عنها يوما، وظلت ترسمها باستمرار، وهذا نزولا لرغبتها الكبيرة في الغوص في حيثياتها وصيغ ارتباطها في انتعاش قلبها بهذا الشعور الوجداني وسعة مخيلتها في ملامسة أبعاد شعورها.
وواصلت شكروب :«من خلال الحس المرهف والتأمل في حفظ توازن الأعضاء الحيوية، نقلت بيتينا الثقافة ودغدغت الوازع الأخلاقي للمتلقي، كما اعتمدت الرسم كوسيلة فعالة ولغة التعبير المباشرة، حين أقحمت كل الحواس الخارجية والباطنية لاحتواء دروب الصمت الموجود في الطبيعة.
استلهمت بيتينا الحقيقة في رؤيتها الداخلية، وإعادت تشكيلها لمفهوم الحقيقة والبعد الروحاني بالنظرة الميتافيزيقية، تلمس في لوحتها “المذبح القديم”، أين ربطت إلهامها الداخلي بالوجود المجسد، حين أعادت رسم ذلك المنزل عدة مرات رغم أنه من الصعب إعادة رسم المنظر مرتين بنفس الطريقة.
 هذا المشهد المتواجد بالمذبح القديم مقابل منزلها بالمدخل الشمال الغربي لمدينة قالمة، يمثل عملية اسقاط الفنانة على شخصها من خلال ذلك المنزل المهجور. شبهت ماضيها وذكرياتها بالنافذة المكسورة، واعتبرته بابا مفتوحا على الماضي، حيث ربطت تقدمها بالسن بأنها قد شاخت وهرمت بالمنزل الذي أصبح مهجورا، وبالأمس القريب كان يعج بالحركة والحياة والنافذة المكسورة، مستعملة ترميزا قويا، مؤكدة بأن ذلك يعتبر عنصرا فعّالا لأنها جمعت فيه نقاط متقاربة ومتحدة في الروح، بينما متباعدة في الماهية (الجماد مع الحي)، وتكون بذلك قد وفقت في وصف القواعد الحسية والرؤية الفنية واستطاعت نقل خبرتها الذاتية إلى الواقعية.
«لعبت الفنانة دورا هاما في الحياة العقلية والفنية منذ أن كانت حديثة وشابة وبذلت جهودا قيمة بقصد خلق التكيف مع الزمان والمكان ولازالت مقاييسها في متناولها حتى الآن وحققت مكانة مرموقة بين العظماء لأنها تملك الأفكار الضرورية والحس الذاتي لصنعها، واستطاعت منذ بداية البدايات أن تتفوق على كل مركبات النقص التي تعيق الفكر والإبداع الفني والعطاء المتدفق”. تقول المتحدثة.
وفي ذات السياق، أبرزت الكاتبة حكيمة بأنها ركزت في دراستها على اللوحات التي تبرز الطبيعة منها صحراء مصر، واصفة هذا الجمال بتجسيد مناظر وطبيعة قالمة، التي أسقطتها أناملها على لوحاتها الإبداعية، حيث كان “منظر وادي سيبوس بقالمة في 1963، هو منظر يمثل قيمة جمالية إبداعية، تبرز فيه عظمة الخالق وتناسق وتقاطع بين عناصر المنظر وترابط الحدود الجمالية المتكونة من عناصر مختلفة (الأرض، السماء، الماء، الجبال، النبات،العمران).
ولاحظت المتحدثة في تأملها للوحات الفنانة بيتينا قوة تماسك الطبيعة وعمق شموليتها، وهذا ما جعلها لا ترسم بقدراتها الإبداعية وإنما بذهولها، وعملها الفني الإبداعي ترجم حقيقة إلهامها الذي يمثل القطب الإبداعي، الذي من خلاله نكشف جمال الطبيعة الذي لا يكشف من نفسه إلا ما يزيدنا تعلقا، فنبحث عن سر وجوده ليزداد فهمنا له.
وأشارت شكروب إلى أن الفنانة التشكيلية ترجمت إعجابها العميق بمنظر وادي سيبوس بهندسة الخطوط وترتيب الألوان، وكل زاوية تنظر إليها في اللوحة تمثل مشهدا خاصا يكمل ما هو موجود في الزاوية المقابلة أو المجاورة، لكنها متفاوتة في الأبعاد الزمنية ومشتركة في الوحدة المكانية.
وقالت في هذا المجال: “أننا نلمس براعتها وتفوقها في تعبيرها لصياغتها المكتملة بتحديدها خبرة الإدراك، بوصفها خبرة الطبيعة المرئية وسر الذات الحسية التي أدركت الفاصل بين المرئي واللامرئي ( منظر واد سيبوس والحس الإدراكي) وهنا أرادت استكشاف الطبيعة وأبعادها الميتافيزيقية، ورغم أن هذا المنظر مرئي إلا أنه يبقى من عدة زوايا غامضا وعميقا وغير ظاهر، رغم أنه محسوس ومنير وواضح، استطاعت أن تنقلنا باحترافيتها عبر رؤيتها عن قدرة الإدراك الحسي الذي يبحر في شمولية الطبيعة وخصائصها دون الخروج من ذاتيها، فهي حقا تملك فلسفة فنية وعبقرية إبداعية في آن واحدا، لتبدع بلوحة أخرى منظر وادي سيبوس في قالمة 2002”.
وفي ذات السياق، تحدثت الكاتبة حكيمة عن اللوحة التشكيلية التي تجسد المنطقة الجبلية الشهيرة الوجهة السياحية بامتياز “ماونة” فتقول “ماونة هي أية غاية في الجمال تبهج الناظر وتدهش الفنان، فتجبره على الإمساك بريشته لينسج إبداعه الوجداني، ويدون موقفه دون سابق إنذار ويشعر بروح أفلاطون الحكيم تسكنه”.
وأكدت شكروب بأن “ماونة” جعلت السيدة بتينا أكثر تحررا وأكثر إبداعا، وبلوغها الكمال الوجداني والعقلي وأصبحت تملك فكر “أرسطو” الحكيم الذي يرى أن “السعادة هي التوفيق بين العقل والوجدان”.
وأضافت:«تزخر ماونة بالثروة الغابية التي تغطيها وترصعها مناطقها الجبلية التي تستند إليها المروج الخضراء، حيث رسمت الفنانة بتينا، ماونة بكل الألوان وفي كل الفصول والأزمان، لأنها تكسب قوة المعرفة هذه المعرفة ضرورية لاستمرار الحياة الفنية (التمييز بين المحسوسات المختلفة والمقارنة بينهم)، بالإضافة إلى امتلاكها روح الإبداع الذي جعلها أكثر تماسكا وتكاملا”.
كما عبرت الكاتبة عن ارتباط الفنانة بتينا بالطبيعة، مشيرة إلى أنها إنسانة طليقة تعيش في الحاضر ولا تمحو الماضي من دفاترها، وتجدها دائما في تأهب مستمر لخوض غمار المستقبل لتحدى كل العراقيل، ولا يقيدها الزمان والمكان، مبرزة أنها تتقبل الواقع ولا تستسلم لمكدرات الحياة، إن إرادة الإبداع موجودة عندها وترتبط بشخصيتها القوية المتوازنة وهذا الامتياز تنفرد به  دون غيرها من سائرالنساء العاديات.
«الفنانة بتينا تدين بالكثير للطبيعة التي كانت مصدر نبوغها ومنبع لأفكارها والعقل والروح عندها صنوان لا يفترقان”، هذا ما أوضحته الكاتبة شكروب، قائلة بأن الطبيعة دفعت بتينا إلى التفلسف والتلاعب بالريشة، وأقحمتها في عالم الإبداع، فساقتها إلى طرح أسئلتها ومشاعرها، وكانت الإجابة عنها بالريشة، فنسجت تجاربها وخبراتها الميدانية بألوان متناسقة ومنسجمة، لتبرز للجميع بأن الحياة جميلة لذيذة تستحق أن تُعاش وأن الإنسان ولد لأجل هذا الهدف.

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024