حمحوم مدير “بروبوكس” منظم صيف النجوم 2015 لـ«الشعب»:

التعاون بين القطاعين العمومي والخاص كفيل بترقية الثقافة

حاوره ببجاية: أسامة إفراح

يحدثنا شمس الدين حمحوم، مدير مؤسسة “بروبوكس” المنظمة لمهرجان “صيف النجوم 2015” ببجاية، عن هذه التجربة الأولى في تنظيم تظاهرة فنية على مدى 40 يوما متواصلا.. ويكشف لنا شمس الدين في هذا الحوار الذي أجرته معه “الشعب” عن بعض الخفايا التنظيمية، من التحضير للمشروع إلى التفاوض مع الجهات الراعية والممولة، إلى السهر على السير الحسن للفعاليات. كما يتطرق إلى مستقبل التعاون بين الدولة والقطاع الخاص في الميدان الثقافي، وكيف يمكن لذلك أن يسهم في ترقية السياحة، ناهيك عن دور الاستقرار والأمان في خلق جوّ عام يسمح بالإبداع ويحرّر الفعل الثقافي.

”الشعب”: في البداية من هي مؤسسة “بروبوكس” المنظمة لمهرجان “صيف النجوم 2015”؟
شمس الدين حمحوم: تنشط مؤسستنا في مجال تنظيم التظاهرات منذ تأسيسها سنة 2012، ومن النشاطات التي تنظمها تلك الاقتصادية المتعلقة بالشركات، إلى جانب التظاهرات المفتوحة على الجمهور الواسع، الذي قد يضم مئات بل آلاف الأشخاص، في أماكن مفتوحة كالبريد المركزي أو المسارح في الهواء الطلق. من النشاطات التي نظمتها المؤسسة فعاليات تصفيات بطولة العالم في الـ«بريك دانس” لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، كما لدينا مواعيدنا الخاصة، مثل المهرجان الأول لفنون الشارع Street Art وهو أول مهرجان جزائري يجمع فنون الراب، الفريستايل (الكرة وكرة السلة)، سلام، بريك دانس، الرولر، الرسوم الحائطية (غرافيتي) وغيرها من الفنون المرتبطة بالشارع، وقد انتظم هذا المهرجان ببجاية. كما نشارك في تظاهرات من تنظيم الجهات العمومية، خاصة مع ديوان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة الذي شاركنا معه في صالون الابتكار برياض الفتح، أو قرية الأطفال في نوفمبر 2014 بقسنطينة، وهي تظاهرة تحضيرية لقسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015.
استطعتم في ظرف ثلاث سنوات أن تنظموا العديد من الفعاليات مع شركاء عموميين وخواص، هل حصلتم على تسهيلات لإنجاز وإنجاح هذه المشاريع؟
سأصدقك القول: ليست الصعوبات والعراقيل ما ينقص في هذا المجال، ولكن هناك مؤسسات تسهل عملنا إلى حد كبير، على رأسها الديوان الوطني لحقوق المؤلف، هذه المؤسسة التي عملنا كثيرا إلى جانبها وقدمت لنا يد المساعدة وأشكرها كثيرا على ذلك.
ما طبيعة المساعدة؟ هل هي مادية، معنوية، أم أنها تتخذ أشكالا أخرى؟
يكفي أن تكون اللافتة الرسمية للحدث حاملة لشعار مؤسسة مثل ديوان حقوق المؤلف ONDA، وهذا شرف كبير في التنظيم، دون أن ننسى مساندتهم المادية، وحتى لما نتصل بالفنانين أو الإعلاميين ويجدون بأن الديوان مساهم معنا فإنهم يهتمون أكثر بالتظاهرة.
هل هناك جهات أخرى قدمت لكم يد العون؟
بلى، توجد جهات رسمية أخرى أذكر منها لجنة الحفلات لمدينة بجاية التي ساعدتنا كثيرا على تنظيم هذا الحدث، وأيضا مؤسسات عمومية مثل ميناء بجاية الذي وفر لنا فضاءات إشهارية للمهرجان، ومن المهم جدا بالنسبة لنا أن تساهم الدولة من خلال مؤسساتها العمومية في إنجاح هذه التظاهرات، دون أن ننسى دور الصحافة الوطنية التي ساندتنا منذ البداية.

بجاية وجهة سياحية اخترناها

لنعد إلى مهرجان “صيف النجوم 2015” في طبعته الأولى.. لماذا وقع اختياركم على بجاية لاحتضان هذا الحدث الفني؟
من بجاية وُلدت مؤسستنا “بروبوكس”، كما أنها وجهة سياحية يكثر الطلب عليها، يقطن بها 200 ألف شخص وتستقبل كل سنة أكثر من 7 ملايين سائح، وهذا رقم ضخم. أما تظاهرتنا فهي مهرجان نريده سنويا، وهو يمتد على مدى 40 يوما، حيث انطلق في الـ23 جويلية وسيختتم في الـ31 أوت الجاري، إذن يتعلق الأمر بـ40 سهرة جمعنا فيها باقة متنوعة من الفنانين، هذا التنوع جاء لنيل إعجاب أكبر عدد من الجمهور..
ولكن البرنامج الذي اطلعنا عليه لم يعكس كثيرا من التنوع، بل لاحظنا غلبة فناني الراي على قائمة المنشطين لسهراتكم.. أليس هذا الأمر صحيحا؟ ثمّ لماذا هذا التركيز على الأغنية الرايوية؟
تركيزنا على الراي كان في النهاية، لأننا غيّرنا البرنامج، فمنظمو الحفلات والتظاهرات الفنية، سواء خواص أو عموميون، يسهرون دائما على أخذ رأي الجمهور بعين الاعتبار والنزول عند رغبته، لأننا نعمل لأجل الجمهور، وقد لاحظنا أنه كان يطلب الراي أكثر، بينما إذا ألقينا نظرة على الأسبوع الأول، فسنجد فريكلاين، تاتافول، كادير الجابوني، الشاب خلاص، فنانو راب مثل آلجيرينو، ريمكا (أو كريم)، مستر يو، مستر آبي، وفرق قناوي مثل جماوي أفريكا، وكل هؤلاء فنانون لا يمثلون الراي.. بالمقابل لم نبرمج أسماء من الأغنية القبائلية، لأن بجاية تحتضن في هذه الفترة مهرجانين اثنين، الأول هو “مهرجان الأغنية الأمازيغية”، والثاني هو “مهرجان الأغنية القبائلية”، منظمين من طرف مديرية الثقافة ولجنة حفلات مدينة بجاية على التوالي، إذن تجنبنا كل أشكال التداخل بيننا وبين هذين المهرجانين.

شراكة بين العمومي والخاص

ماذا يمكن القول عن المقاولة الثقافية، والرؤية الرامية إلى ضرورة اندماج القطاع الخاص أكثر فأكثر في الفعل الثقافي؟ وكيف ترى مستقبل المقاولة أو المناولة الثقافية في الجزائر؟
أعتقد بأن للمقاولاتية الثقافية مستقبلا في الجزائر، فالملاحظ هو أن الخواص بدؤوا بالفعل في تقديم خبراتهم ومعرفتهم الميدانية، والدولة تملك الفضاءات والبنى التحتية، والعتاد اللازم، والخواص يملكون التقنية، وأنا شخصيا أشجع هذا النوع من المبادرات لأنه بفضل هذا التواصل والتعاون سنستطيع القيام بتظاهرات ثقافية ناجحة وواسعة النطاق.
على ماذا تعتمدون لإقناع الشركاء الاقتصاديين
من أجل تمويل تظاهراتكم؟
لا يوجد وصفة سحرية لذلك، بل هناك إجراءات..
فالممول يضع صورة مؤسسته بين يديك، ويربطها بتظاهرتك، ما يعني أنه يضع بين يديك سمعة شركته، والسمعة لا تقدر بثمن.. هناك علاقة ثقة يجب أن تكون بين المنظم والممول، من جهة ثانية، يجب أن يوفر المنظم مقابلا للتمويل، ويتعلق الأمر بالإشهار، الذي يندرج ضمن جدول اتصال أو خطة اتصالية Plan de communication، من خلال الإعلام والحملة الإلكترونية والومضات الإشهارية وغير ذلك من حوامل الاتصال، وهو الجانب الذي يأخذ القسط الأكبر من الميزانية. واليوم تعطى الأهمية إلى الإشهار المباشر، فالناس باتوا لا يهتمون باللوحات الإشهارية على الطريق مثلا، فوجب التوجه مباشرة إلى المستهلك، وربط صورة المؤسسة بحدث ما، لأن المستهلك قد لا يهتم بمطوية إشهارية لمؤسسة اقتصادية، ولكنه سيهتم بمطوية تعلن عن حدث أو نشاط ثقافيهمه.
كما لا يجب أن ننسى أن الأموال المستثمرة في الثقافة معفاة من الضرائب..
بالفعل، وهذه الإجراءات داخلة في المحاسبة، ويستفيد الممول منها فيما يخص الضرائب، وهو دليل على تشجيع الدولة للخواص حتى يساهموا في تدعيم الثقافة.
ما الذي يجب توفره لتنظيم مهرجان كهذا؟
إن تنظيم مهرجان بهذا الحجم يتطلب مجهودات كبيرة من ناحية الوقت، الجانب المادي، وكذا الجانب البشري. من حيث التحضير للحدث يجب إعداد بطاقة تقنية تتطلب شهرا على الأقل من العمل المتواصل فقط من أجل إعداد ملف للحدث.. بعد ذلك هناك 4 إلى 5 أشهر من المفاوضات مع الممولين والسعي للحصول على التراخيص.
هناك سؤال ملحّ في هذه النقطة بالذات.. عادة ما يطلب الممولون ملفا دقيقا يتضمن قائمة الفنانين المشاركين، وفي المقابل يطلب الفنانون معرفة الجهات المشاركة لأسباب مختلفة.. كيف تستطيعون التوفيق بين هذا وذاك؟




كما سبق وقلت فإن الخبرة تلعب دورا أساسيا، كأن تكون معرفة سابقة بالفنانين، وهؤلاء في أغلبهم يثقون بنا وبل ويشاركون دون إمضاء عقود مكتوبة، ونحمد الله على هذه الثقة. كما أن شركاءنا يضفون مصداقية على الملف، فحينما نتصل بممول خاص ويعرف بأننا نملك موافقة مبدئية من البلدية والولاية ومديرية الثقافة وديوان المؤلف مثلا فإن هذا يعطي مصداقية للمشروع.

١٢٧ شخص يسهر على انجاح التظاهرة

تكلمنا عن الطاقات البشرية.. ما هو عدد الأشخاص الساهرين على تنظيم هذا المهرجان؟
يقدر مجموع الأشخاص العاملين في المهرجان بـ127 شخصا، وهو دليل على أن تظاهرات مماثلة تساهم في خلق فرص عمل. وفي بجاية لوحدها وظفنا حوالي مائة شاب، وتختلف المدة حسب الوظيفة، وتتراوح بين 40 و60 يوما، وهذا دون احتساب العاملين في مؤسستنا والبالغ عددهم 11 شخصا، أضف إلى ذلك المتعاملين الآخرين في مجالات مثل الطباعة، النقل، وغيرها. هي عجلة اقتصادية تدور: فإذا كان لدينا 50 عون أمن فإن كل واحد منهم يحتاج لشارة، ما يستوجب اللجوء إلى من يخيط، ويوفر القماش، ويوفر القمصان، وهنا مثلا نحن في المركب السياحي كابريتور، ولدينا مائة شخص يحتاج إلى وجبة عشاء في المطاعم المحاذية للمسرح، وهذا مجرد مثال على ما يمكن أن تصل إليه مصاريف مهرجان كهذا.
هل أنت راضٍ إلى غاية الآن عن هذه الطبعة الأولى؟
لا يمكن القول بأن الرضا يصل مائة بالمائة، إذ هناك دائما ثغرات نتداركها مع مرور الوقت، وهو ما يسمح لنا بتحسين مستوانا، والتقدم في عملنا. من بين 50 فنانا مشاركا لم يتخلف سوى 2 أو 3 فنانين لأسباب مختلفة، إذن فنحن راضون عن الجانب الفني رغم أننا غيرنا البرنامج احتراما لرغبة الجمهور. أما بخصوص فريق العمل فهؤلاء بشر وهناك منهم من لا يستطيع تحمل الضغط اليومي وهناك آخر له ظروفه العائلية، إذن يجب تسيير هذه الأمور.





















أما الجمهور فشاهدنا إقبالا كبيرا خاصا للعائلات، كما هناك سهرات مبرمجة خصيصا للشباب، وأتمنى تكون الأمور أفضل السنة المقبلة.
هل تتطلعون إلى يوم يتم فيه ترسيم هذا المهرجان؟
طموحنا أن يصير هذا المهرجان ليس فقط وطنيا بل دوليا، لأن كل هذه المجهودات التي نبذلها لا معنى لها إذا قدمنا طبعة أولى وأخيرة للمهرجان، نطلب من الله التوفيق حتى نواصل عملنا لسنوات أخرى قادمة ويتمّ ترسيم مهرجاننا، وهذا ما نهدف إليه.
الاستقرار لا يقدر بثمن
إلى أي حدّ يساهم الاستقرار والأمن في إنجاح مثل هذه التظاهرات؟
الحمد لله على نعمة الاستقرار الأمني الذي تنعم به الجزائر، وهو ما يجعل العائلات تحس باطمئنان وتحضر ليلا فعاليات المهرجانات المختلفة، وحينما نرى تظاهرات تجري في الهواء الطلق مثل جميلة، تيمقاد، والعديد من الحفلات المقامة في البلديات وكل ولايات الوطن، نقول إن هذا الاستقرار يساهم في تنشيط البلاد وتشجيع التظاهرات الثقافية.
كيف تساهم الثقافة في ترقية السياحة؟
شاهدنا في هذا المهرجان أشخاصا قدموا من ڤالمة، مستغانم، وهران، الجلفة، وغيرها من مناطق الوطن، فقط ليحضروا حفلا فنيا، وهذا شكل من أشكال السياحة الداخلية، أما في الجانب الخارجي فإن السائح قبل يقصد بلدا معينا فإنه سيبح أولا عمّا يقدمه هذا البلد، وإن كان هناك نشاطات ومرافق وأمن، إذن هذه الجوانب تشجع السياحة، وأنا أؤمن بأن النشاطات الثقافية تساهم
ماذا عن مشاريعكم المقبلة؟
سيكون في أكتوبر المقبل الطبعة الثانية لصالون الابتكار بالجزائر العاصمة، دائما بالشراكة مع ديوان حقوق المؤلف، وستعرف نهاية نفس الشهر مسابقة مغاربية للبريك دانس بالتعاون مع مديرية الثقافة لولاية بومرداس، هذان هما المشروعان اللذان يليان مباشرة هذا المهرجان.
كلمة أخيرة؟
أتقدم بالشكر إلى السلطات المحلية التي ساعدتنا على تنظيم هذا المهرجان، أذكر منها بلدية بوخليفة، لجنة الحفلات لمدينة بجاية، الدرك الوطني لمدينة تيشي، إدارة كابريتور، الديوان الوطني لحقوق المؤلف، الإذاعة الوطنية، فرقة الأمن بالمهرجان وجميع الشباب الذين يعملون بجدية إنجاحه، وأعود لأقول إنه ليس من السهل العمل 40 يوما، كما أشكر كل الفنانين الذين أجابوا دعوتنا وجميع العائلات التي حضرت سهراتنا وساهمت في إنجاحها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024