د.حبيب مونسى: “الأفلمة والتأويل المشهد للرواية.. مقاربة في تحولات النص”

أساليب جديدة لاكتشاف “العالم الاستبطاني”الذي جعل نقل الرواية “متعسرا”

أكد الدكتور حبيب مونسي، أستاذ بجامعة سيدي بلعباس، أن مشكل الرواية الحديثة والأفلمة، يكمن في الجانب المخفي الذي يتعذر على الكاميرا إدراكه ويتعذر على الصورة إخراجه. وأشار إلى عوامل مساعدة، كانت موجودة في الفيلم الصامت المعروف بالجملة التحتية وكذا استعانة الفيلم الحديث بالصوت الخلفي.
ودعا د. مونسى، في محاضرته “الأفلمة والتأويل المشهد للرواية.. مقاربة في تحولات النص” خلال الملتقى الدولي حول الرواية والسينما، إلى البحث عن أساليب تساعد على اكتشاف “العالم الاستبطاني” الذي جعل نقل الرواية متعسرا، مشيرا إلى الطريقة الهليودية، المتمثّلة في القصة الأسطورية والقصة التاريخية والخيالية، موضحا أن هوليوود، تلجأ إلى هذا الفعل لوجود قابلية لدى الجمهور لتقبل هذه الأفكار.
ولفت مونسي إلى أن هذه الأفلام، على غرار أفلام العنف والأفلام الأخرى التي تعالج الأوبئة والكوارث الطبيعية، والخوف من المستقبل، لا يمكن أن نضعها في إطار الأعمال الفنية، تصنّف في إطار الظرف السياسي، الاجتماعي، ويمكنها أن تستعمل أموالا ضخمة بمردود.
واعتبر الأستاذ حبيب مونسى، في محاضرته “أنّ السينما مصطلح، يشير إلى ذلك الجهاز المنتج للأفلام، والذي يتحرك انطلاقا من تمويل ومخرجين وممثلين وعتاد تكنولوجي وطاقات مادية ومعنوية”.
وحاول مونسي في محاضرته التي عقبها نقاش ثري، الانطلاق من فرضيتين: الأولى تقول: لا علاقة للرواية بالفيلم، وهنا اتكأ على الدور الذي يقوم به الروائي في إنجاز عمله، من منطلق أن الرواية تبدأ أساسا من فكرة تحتاج إلى بناء، مستدلا بمقولة الكاتب إيمل زولا: “أنا إبن بنّاء وأبني رواياتي”، وأوضح مونسي قائلا: “الروائي، حينما يشرع في كتابة روايته، هناك فكرة تؤرقه، لكن هذه الفكرة لا تستكتب ذاتها خلال عملية الكتابة، إنما يحتاج الروائي إلى أن ينشئ ورشة، يعلق فيها أسماء ويعلق الأحداث في تراتيبها ويعلق المعاني المرتبطة بالأحداث، ثم يختار اللغة المناسبة التي سيكتب بها هذه الأشياء، ثم يربط العلاقة ما بينها في تعشيقة، سماها بالأسلوب السردي. حينما يتحرك الروائي في هذا الفضاء، يتحرك وعينه على هذه الأشتات المجتمعات، يحاول أن يؤلف بينها ويركب وفق منظور معين، ولذلك نجد في كثير من الأعمال بالنسبة لمؤلف واحد، أن العمل يتلون من عنوان لعنوان وأن شكل الرواية، يختلف من رواية إلى أخرى، قد تكون طريقة الكتابة ظرفية تخضع لشرط نفسي أو لشرط اجتماعي أو سياسي”.
ويكمن المشكل، بحسب المحاضر، في أن الروائي يكون في هذه الحالة وحيدا منعزلا في عالمه، يتكفل بالمهام مجتمعة في الأدوار وتوزيعها، ويعكس ذاتها على شخصياته ويمنح جملة المشاعر التي يوزعها”.
 وقال مونسي، بأسلوب مقارن، “لكننا إذا نقلنا المنظور إلى الفيلم، سيجد الأمر مختلفا، لأن الفكر قد ينتقل من فكرة وقد ينطلق من نص وقد ينطلق من رواية، لكن انطلاقاته هذه حينما تدخل إلى عالم البث والمشاهدة، تخضع إلى الممثلين، ولكل ممثل شخصيته الحقيقية بما يضفيه ومن قناعه المفتعل الافتراضي ما يضفيه على تحولا هذه الفكرة”.
واستشهد مونسي بأعمال أنتجت في الستينيات من القرن الماضي وتحولت إلى أفلام، وعاد إليها المخرجون مرة أخرى فأخرجوها في أشكال مختلفة عن الأفلام التي سبقتها، وقال مستعملا مصطلح “التمثّل”، إن المخرج يتمثل الرواية ويخرجها في الشكل الذي يرتضيه مرغما الممثل والأصوات المصاحبة والديكور، بأن تكون لها تلك الدلالة التي لم تكن لها في الفيلم الأول”. وانتقل من هذه الفرضية، ليدخل مرحلة من التوترات التي تعتري ذلك النص وتقبله.
واستطرد قائلا: “الكثير من النقاد، كتبوا كلاما طويل في هذه المسألة”، مشيرا إلى التيار المروج لفكرة أن الرواية أشكال، منها ما كتبت لكي تكون فيلما وأخرى لها قابلية التحول إلى فيلم، أغلبها واقعية ورومانسية، يسهل نقلها، لأنّها تخضع إلى نظام التراتب وتخضع للمشاهد الواقعية والمشاعر المباشرة، كما أنها لا تعتمد على ضرب من التأويل أو من الاستبطان الذي يتعذر على الكاميرات نقله من خلال مواقف المؤلف.
عن رواية واسيني الأعرج، قال الاستاذ: “إن مئات الصفحات في روايته، تحتاج إلى طاقة استبطانية لفهمها، وعكسه الروائي رشيد بوجدرة، حيث أن الكثير من اللوحات التي قدمها في روايته قابلة للنقل”.
للأسف الشديد، لم نجد من المخرجين الجزائريين من التفت إلى الأديب بوجدرة وأخرج هذه اللوحات الرائعة، وهو يكتب صفحاته من غير أنّ يضع الفاصلة والنقطة، وكأن الكلام ينساب تباعا في عمليات السرد.
وخلص بالقول: حينما نتحدث عن الرواية والأفلمة، يجب أن نضع الرواية في باب ونضع الفيلم في باب، بعيد تمام البعد عن بعضه البعض، مؤكدا أن نقل صورة الكلمة إلى صورة الصورة ومن حركة الكلمة وظلالها على حركة الصورة نقلة “تأويلية فقط”، وانتقل إلى الروائي وكيفية صناعة روايته، حيث قال: قد يكون واضحا، وقد يكون حديثه غامضا، مؤكّدا أن الكثير من الروائيين لا يعرفون الطريقة التي كتبوا بها تلك المقاطع، مبينا أن البدايات قد تكون واضحة، ولكن قد ينفلت زمام الأمر منهم، حينما يتوغلون في كتابة النص الروائي في حضور “القيمة” الحضورية للشخصيات، على حد تعبيره، وتمردها على الروائي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024