السّينمائي عبد النور حوشيش لـ “الشعب”:

التّكوين مجرد حلقة في الصّناعة السّينمائية

حاوره: أسامة إفراح

يعتبر عبد النور حوشيش، رئيس جمعية “Project’heurts” ومنظّم لقاءات بجاية السينمائية، أنّ مشكلة السّينما في الجزائر لا يمكن تجزئتها، ويجب معالجتها ككلّ متكامل، ويتساءل عن فائدة التّكوين في غياب الإنتاج، وعن جدوى الإنتاج في غياب قاعات العرض. ويخلص حوشيش في هذا الحوار إلى ضرورة نهضة ثقافية حقيقية، مشيرا إلى التّصريحات المشجّعة لوزيرة الثقافة، والتي ينتظر تطبيقها على أرض الواقع.

❊ الشعب: أهلا بكم سيد حوشيش..في البداية هل لكم أن تحدّثونا عن تجربتكم في التّكوين في مجال السينما، سواء في إطار جمعيتكم أو الأيام السّينمائية السنوية التي تشرفون على تنظيمها؟
❊❊ عبد النور حوشيش: لما بدأنا اللّقاءات السّينماتوغرافية ببجاية، عرفنا أنّ هناك نقائص في مجال التكوين، حتى لا نقول انعدام التكوين السينمائي أصلا، لذلك ركّزنا على الجانب البيداغوجي في السينما، ولكن نحن كجمعية لا نستطيع تغطية هذا النقص فقط في إطار اللقاءات، لأنّ مدّتها محدودة، وفي الحقيقة إنّ ما نقدّمه هو مدخل لفهم السينما، حيث اكتفينا بالضروريات، ثم تخصّصنا في كتابة السيناريو، وبصفة أدق كتابة سيناريو الفيلم القصير، لأنّ مدة أسبوع لا تكفي للتكوين في كتابة سيناريو الفيلم الطويل، وأنا أحبّذ أن أقول إنّنا نقدّم مرافقة وليس تكوينا، لأنّنا لاحظنا أنّ من يكتبون الفيلم القصير لا يحصلون على المرافقة اللازمة من طرف المحترفين.
وهناك قسم آخر من التّكوين يتعلق بالنشء، إذ يوجد جيل كامل لا يعرف بالتحديد ما هي السينما، لذا ركّزنا على طلبة الثانويات، وهي طريقة للقول لهؤلاء النّاشئة إنّ الصّور التي يرونها في التلفزيون أو في مختلف الأفلام ليست محايدة، بل لها قراءات وأبعاد فلسفية وسياسية وإيديولوجية. وبما أنّ هؤلاء الشباب يمكنهم أيضا أخذ الصور، نظرا لتوفر الهواتف الذكية واللوحات الإلكترونية، فإنّنا نوضّح لهم كيفية عدم أخذ الصور بطريقة عشوائية. ولكننا واعون بأنّه لا يمكن لجمعية مهما كانت امكانياتها أن تغطّي النّقص أو الغياب المسجّل في التّكوين بمعناه البيداغوجي.
❊ على ذكر نقص التّكوين، هل هناك حلول تقترحونها؟
❊❊ نقترح مدرسة للسينما ونهضة ثقافية حقيقية في إطار سياسة ثقافية متفتّحة، هناك عدة شباب يحبّون السّينما ويودّون أن يقدّموا أعمالا سينمائية ولكنهم ليس لديهم التكوين الكافي لذلك، وهنا يجب أن نوضّح أمرا وهو ضرورة التّفريق بين من يحضرون أفلاما ومن يصنعون أفلاما. المجيء بفيلم هو أخذ صور وتركيبها وعرضها، ولكن صنع الفيلم له بعد فني وجمالي وفلسفي، وهناك عدة عناصر تدخل في ذلك، وهذا يستلزم تكوينا.
لذلك نقترح أن يتم النظر إلى الحل بطريقة أوسع وأشمل، فمثلا حينما نكون تقنيا أو كاتب سيناريو فإنه يجب أن يجد عملا، فما الفائدة من تكوين محترفي سينما ثم لا يجدون وظائف بعد تخرّجهم؟
إذن هي سلسلة من حلقات يتّصل بعضها ببعض: التكوين، الإنتاج، التوزيع، قاعات العرض، أنا أتفهّم محاولة تركيز جريدتكم “الشعب” على نقطة محددة هي التكوين، ولكن أعتقد أن المشكل لا يجب تجزئته، بل يجدر بنا معالجته بصفة شاملة، ونحن نملك الإمكانيات اللازمة لذلك.
❊ اقترح عدد من السّينمائيين الجزائريين إلزام جميع المخرجين الذين يستفيدون من أموال وزارة الثقافة من أجل إنتاج أفلام سينمائية، بضرورة السماح لعدد من السينمائيين الجزائريين بمرافقة فريق عمل الفيلم، كشكل من أشكال التكوين، ما رأيكم في هذه الطّريقة؟
❊❊ هذا الأمر معمول به في عدد من البلدان منها دول مجاورة، ولكن يجب أن نكون أصلا أفرادا يمكن اقتراحهم على هؤلاء المخرجين، فإذا اكتفينا بنظام الحصص كأن نفرض على المخرج الأجنبي مثلا أن يتكون 25 بالمائة من فريق العمل من الجزائريين، فإنه قد يوظّف جزائريين فقط لاحترام هذه النسبة، دون أن يكون هؤلاء مكونين فعلا ويمكن أن يمتلكوا خبرة يستفاد منها في المستقبل، لذلك أؤكّد على ضرورة الاهتمام بكل الجوانب، وكما يقول المثل الفرنسي “يجب أن نمسك الثور من قرنيه”، وأن نطرح هذا المشكل المتعدّد الأوجه كما هو. نجد المنتج يشكو نقص قاعات العرض، وصاحب القاعة يشكو نقص الإنتاج الذي يمكن عرضه، والطالب يودّ العمل في تصوير ولا يجده، وهكذا دواليك
سأعطيك مثالا: فيلم كريم موساوي سوف يعرض في فرنسا، ولكنه إن لم تخني الذاكرة لم يعرض في الجزائر أكثر من 10 مرات على أقصى تقدير، وهذا رغم كون الفيلم جزائريا، مخرجه جزائري وصوّر في الجزائر، ويعالج ما يهمّ الجزائريين. إنّ التكوين في السينما شبيه بالتّكوين في القطاعات الأخرى: مثلا ما الفائدة من التكوين في البتروكيمياء إذا لم يكن هناك فرص عمل في هذا المجال؟
❊ هنالك من يقول إنّ غياب سياسة ثقافية هو سبب هذا التخبط الذي يعرفه القطاع، إلى أي حدّ توافقون هذا الرأي؟
❊❊ لدينا سياسة ثقافية ما دام هناك وزارة للثقافة، ولكن السؤال إلى أين تتوجّه هذه السياسة؟ في آخر حوار لها مع وكالة الأنباء الجزائرية، تطرّقت السيدة وزيرة الثقافة إلى أمور هامة واقتراحات في جميع القطاعات، السياسة موجودة كما هي موجودة في قطاع الاقتصاد أو الفلاحة أو الطاقة. هناك توجه جديد حسب الحوار الذي ذكرته، وننتظر ما سيحدث على أرض الواقع، وإذا ما كنّا سنغيّر الوجهة أم أنّنا سنبقى على التّوجه القديم.
يجب توجيه واضح لإصلاح السينما أولا، ويجب أن تكون نهضة ثقافية في الجزائر، وسيكون هذا ممكنا لمّا نفهم أن الثقافة مفتوحة أمام المبدعين، على الجمهور وعلى المؤسسات. يجب أن نكرّس تفتح المجتمع إذا كنا نريد النهوض بوعيه وفكره وفنه، وأقول وأكرّر: يجب أن لا نخاف من الكلمات، يبقى هذا مجرّد رأي شخصي بطبيعة الحال.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024