أكّد المخرج السّينمائي سعيد مهداوي بأنّ السّينما في الجزائر تحتاج إلى قفزة نوعية لتصل إلى مراحل متقدّمة من التّطور، داعيا إلى تضافر الجهود وتوفير جل الميكانيزمات للنّهوض بهذا الفن. وقال مهداوي لـ “الشعب” أنّ “التّكوين وحده لا يكفي، بل الجدية والعمل هما يصنعان الاحترافية وتخلق طاقات ذات كفاءة”.
ثمّن سعيد مهداوي في حوار مع “الشعب” مبادرة وزارة الثقافة بتنظيمها لجلسة في مجال السّينما خلال رمضان الماضي، حيث تمّ الخروج ـ حسبه ـ بعدة قرارات، منها تنظيم ندوة لكل الفاعلين في الميدان للبحث عن حلول بالقطاع، مصرّحا بأنّه حان الوقت ليكون السّينمائيون والمخرجون حاضرون كجمعيات وكمجتمع مدني، وتوحيد آرائهم المهنية حتى تكون مسموعة، عن طريق وضع اقتراحات وأفكار من طرف جماعة تعمل على النّهوض بهذا الفن.
المخرج سعيد مهداوي أعاب على غياب الاقتراح المهني الذي يحسّن العمل في الميدان، وقال: “علينا دائما أن نقدّم حوصلة لما استقيناه من العمل السّينمائي منذ الاستقلال إلى يومنا هذا”. وشدّد مهداوي على غياب تكوين أكاديمي في مجال السّينما يخدم المخرج والمصور والفنان، ويُسهم في تخرّج إطارات وكفاءات مختصّة في الفنّ السّابع.
وأضاف المخرج أنّ “الحديث عن التّكوين يجرّنا إلى الأخذ بعين الاعتبار أهمية المصطلح، وإعطائه معناه الحقيقي، لأنّ هناك إطارات تحمل شهادات تساهم في صناعة السّينما بالجزائر. لابد أن نعطي كل زاويته، وعندما نتحدّث عن العمل السينمائي، علينا أن نتساءل ما الذي نريده بالتّحديد؟ هل نريد عددا كبيرا من الأفلام والأشرطة؟ أو نريد التركيز لإنتاج فيلم يستقطب جمهورا؟”.
«لابدّ أن نفكّر في سياسة
تطبيقية للعمل السّينمائي”
وحول واقع السّينما وتكوين إطارات محترفة في هذا المجال، قال مهداوي: “عند طرح إشكالية العمل السينمائي، لابد أن نفكّر في سياسة تطبيقية له، لأن متطلّباته كبيرة، ونسأل لما ننتج هذه الأفلام؟ واعتبر محدّثنا الفيلم أنّه عبارة على خطاب للناس، سواء كان إنتاجا تاريخيا أو واقعيا أو دراميا، وتساءل في سياق حديثه: “إذا قدّمنا فيلما ولم نخاطب الجمهور لماذا ننتج إذا؟”.ولم يفوّت المخرج مهداوي فرصة الحديث عن نقص قاعات السّينما، وأبدى استغرابه لعدم عرض الأفلام بصالات دور الثقافة والسينماتيك، مؤكّدا بأنّ السبب يبقى مجهولا، وهو ما جعل السّينما تعاني الركود، وقال في هذا الشّأن: “الجمهور هو من يحكم ويُشجّع الثقافة حتى ترقى وتزدهر..ليست السينما وحدها من تعاني، بل الرّكود مسّ باقي المجالات الثقافية الأخرى، فلا ثقافة بدون جمهور”.
ويرى سعيد مهداوي بأنّ الجدية والعمل هما من تصنعان الاحترافية، وتخلق طاقات ذات كفاءة في أي مجال كان، وأبدى اعتراضه على الفكرة القائلة بأنّه لا توجد كفاءات في مجال الفن السابع، معتبرا الاحترافية في الجزائر مشكلا مطروحا في شتى المجالات، وأنّ الاحترافية كلمة لا معنى لها، وإنما المهم هو إتقان العمل. وتساءل: “كيف نعلم أنّه هناك إتقان ونحن لم نرى أغلب الأفلام المنجزة؟ المشاهد هو من يحكم على طبيعة العمل إذا كان ناجحا أم لا، ويقيّم نقاط الضعف فيه”، والسّؤال المطروح ـ يقول ـ كيف نحيي السينما؟ أين هو الإشكال؟ موضّحا أنّ “هناك نقص في التواصل خلال تنظيم المهرجانات، فإن أرادوا أن تكون القاعات مملوءة، فسيكون ذلك بتوفير الإمكانيات اللازمة لبلوغ الهدف”.
«السّينما مرآة المجتمع”
وأبرز سعيد مهداوي أهمية السّينما على اعتبارها مرآة للمجتمع، قائلا: “السينما مرآة المجتمع، لو لم يرى المجتمع مرآته، يحدث له كمثل الشخص الذي يرى نفسه لأول مرة، يندهش ويتفاجأ من صورته ويستغرب منها، كونه لا يعرف نفسه، وبهذا تعطيه صورة أخرى ويتشكّل لديه انطباع آخر عن نفسه”، وأضاف بأنّه عندما نقول أنّ السينما مرآة المجتمع، ليس كلام فقط، وإنما فكر ومعنى، فالأجيال تشاهد الأفلام والصور، وإن لم ترى الذي يهمّها تحدث الاضطرابات.
مهداوي أكّد أنّه لا يمكن الحديث عن صناعة سينمائية، قبل 05 أو 10 سنوات أخرى، داعيا إلى تضافر الجهود، بحيث لا يكفي التّكوين لوحده، بل لابد من توفر جل الميكانيزمات للنهوض بهذا الفن.وطرح محدّثنا إشكالية الإنتاج السينمائي، مبرزا بأنّ السينما ليست مسلسلات أو سيت كوم أو أي عمل تلفزيوني آخر، بل هي أفلام روائية قصيرة أو طويلة أو أشرطة وثائقية، تنتج وتبثّ في قاعة وليس في التلفزيون أو الأنترنيت، مشدّدا على أن الإشكال كبير، وبذلك لا يمكن الحديث عن صناعة سينمائية قبل التكلم عن ميكانيزمات العمل السينمائي، والذي يمرّ ـ حسبه ـ بعدة مراحل.وبالرغم من ذلك ـ يقول المخرج ـ توجد أفلام بغض النظر عن كل هذا الإشكال تمّ إنتاجها، موّلتها الدولة الجزائرية من خلال وزارة الثقافة، لكن تظل معالم العمل غير واضحة، كون المنتج السينمائي قد يتعرض لصعوبات عدة، من بينها نقص الهياكل وضعف التنظيم، وعراقيل خلال المراحل التي يقوم فيها بإنجاز الفيلم، أولها إعداد مشروع، ثم تقديم سيناريو، والذي يمر على لجنة قراءة النّصوص لاعتماده في مشروع إنجاز فيلم سينمائي، وهو ما يشبه المجازفة عند الكثير من كتاب السيناريو، ولذا أقول بأنّ “العمل السينمائي يفتقد للتّجهيزات”.
من هنا يرى مهداوي بأنّه لابد من الأخذ بعين الاعتبار كل هذه المراحل، حتى يكون هناك تكوين ميداني يشمل الجميع في المجال السينمائي، مشيرا إلى أنّ التّحضير لإنجاز فيلم قد يستغرق مدة طويلة، تتجاوز سنة كاملة. والعامل التنظيمي في الجزائر مجهول، كما أنّ ميكانيزمات العمل السينمائي ليست بالمستوى المطلوب، بحيث لم نواكب التطور الحاصل بعدد من الدول العربية على غرار تونس ومصر، وهو ما يجعل صناعة السينما في الجزائر تعاني.
ودعا الخرج سعيد مهداوي إلى ضرورة إعداد إطارات تعمل على تكوين سينمائيين فاعلين يساهمون في النّهوض بالفن السابع وفي شتى المجالات، حيث يسمح لهم بالانطلاق في هذا الميدان بشهادات أكاديمية، مشيرا إلى أنّ وزارة التّعليم العالي خصّصت ماستر سينما، إلاّ أنّهم في الحقيقة ليسوا مكوّنين في الميدان السينمائي. وختم المخرج حديثه بالتّأكيد على أهمية التّكوين، قائلا بأنّ مؤسّسته والتي تحمل اسم “الزمالة” نسبة إلى زمالة الأمير عبد القادر، تبنّت مشروعا منذ2011 يساعد على التكوين والإنتاج، بتقديم دروس لمدة 6 أسابيع في المجالين النظري والتطبيقي المبنيين على أسس ميدانية للّسينمائيين والمتربّصين الذين يتخرّجون بعمل فني خاص بهم.