التجديد والأصالة في إصلاح المنظومة التربوية

مراجعة المناهج وتكييفها مع المتغيرات

بقلم: الأستاذ عبد القادر حمداوي

تشير الدلائل والحقائق إلى أن السنوات القادمة الألفية الثالثة ستشهد نموا مطردا متلاحما لهذه الأمة بعد أن اثبتت قدرتها على مواكبة الحياة في أشد هذا الزمان، نحن في زمن ابتعدنا قليلا عن قيمنا وأصالتنا، نحن في زمن غلبت المادة على قيمنا الروحية.
ظهرت محاولات التغريب والتشكيك في مقوماتنا، فالبحث عن دور التقدم والنهوض بالعلم من أولويات التعليم الذي يعتبر إحدى الدعائم الأساسية لبناء المجتمع.

كان انعقاد المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي في مكة شهر أفريل 1977م تجسيدا للرغبة الملحة في ضرورة تطوير التعليم وإعطائه الصبغة الإسلامية الحقيقية، فالكلام عن تطوير التربية الإسلامية تبرز دائما قضية الأصالة والتجديد وقد يكون مشوبا بالقلق أحيانا مفاده أن التعليم القائم الآن في البلاد العربية إما انه يفتقر إلى أصالته الحقيقية كما هو الحال بالنسبة للتعليم الذي لا يخضع لإشراف السلطة الدينية أو أنه تعليم له جذوره الدينية لكنه يحتاج إلى تجديد الحياة ليفي بمطالب المجتمع ويتماشى مع التطور الراهن له، كيف نبدأ؟
الواقع أنه ينبغي أن تضع في اعتبارها الصورة الكاملة لتطوير التعليم عبر العصور المختلفة وينبغي أن تكون الرؤية واضحة بكل تفاصيلها.
هناك كثير من الدروس، يمكن حذفها ويصرف النظر عنها، يمكن القول بان التعليم في حركة تطوره عبر العصور شهد عدة تطورات هامة فمن حيث الشكل اعتمد التعليم في العصور الإسلامية الأولى عن المسجد والكتاب والمكتبات كمراكز علم ثم ظهرت المدارس فيما بعد في القرن الخامس الهجري على يد نظام الملك الوزير السلجوقي الذي أنشا المدرسة النظامية في بغداد وغيرها من المدارس في البصرة والموصل وأصفهان.
ازدهرت حركة إنشاء المدارس في العالم العربي وخضعت فيها البلاد العربية للحكم التركي العثماني وعندها أخذت حركة التعليم والمدارس في الذبول كان ذلك نتيجة طبيعية للسياسة التركية في الأقطار العربية من ناحية وضعف الدولة العثمانية وتأخرها من ناحية أخرى، وعندما تصل بسرعة.
أما التطور الذي حدث للتعليم نتيجة التقدم المعرفي الهائل الذي شهده العالم وخاصة في التربية الإسلامية فالصلاة إذا أقيمت في أوقاتها جلت صدا القلوب وأجهزت على أحقادها وفي هذا المقام يقول الله عز وجل: [إن الصلاة نهى عن الفحشاء والمنكر] التي تربي الضمير وتهذب النفس عن طريق العبادات التي فرضها الله، وكذلك الصوم له ما للصلاة من طهارة والتقرب إلى الله.
كما أن التربية الإسلامية تدعو إلى التآلف التضامن الاجتماعي والتكافل الإنساني، كما يتطلب التعاون الصادق بين الأفراد وحسن المعاملة والابتعاد عن العنف وعدم التعدي بالقول أو بالفعل.
وأهم نقاط الضعف التي جعلت تعليمنا المعاصر يبتعد على التربية الإسلامية تتمثل في أن تدريس العلوم المختلفة يفتقر إلى توجيهه الوجهة الصحيحة فهذه العلوم تدرس موضوعاتها عادة على أن معرفتها هدف في حد ذاته، ولهذا نجد أنه لا فرق بين تدريس هذه المواد في مدارسنا ومدارس غيرنا.
أما في التعليم الجامعي والعالي فالمجال يتسع لنقد نقاط الضعف، بحيث يكون الطالب أكثر نضجا وأكثر إيمانا بدينه وعقيدته ولنا في سلفنا الصالح أسوة حسنة، فعبد الحميد ابن باديس على سبيل المثال رد على المتهورين وانتقد فيها على نظام التعليم وأكد على ألا يكون تحجر على عقول الشباب بحجة عصمته وحمايته، وإنما ينبغي أن نحرر فكره من الجمود في ظل إيمان لا يتزعزع وعقيدة راسخة وهذا يتطلب ضرورة العناية باختيار موضوعات المناهج الدراسية والمواد التعليمية، ويجب توجيه أهداف تدريسها نحو التربية الصحيحة التي تخدم أغراض التربية الإسلامية، ويجب لمن يتصدى لهذا العمل أن يكون على حظ كبير من المعرفة بأمر دينه وعقيدته إلى جانب تخصصه العلمي وان يكون قادرا على التوجيه الصحيح.
وفي 08 أفريل سنة 1977 عقد المؤتمر العالمي الأول لتعليم التربية الإسلامية، وقد دعت إلى هذا المؤتمر جامعة الملك عبد العزيز، ويمثل هذا المؤتمر أهمية خاصة لعدة اعتبارات من أهمها أول مؤتمر من نوعه، فلم يشهد التعليم من قبل هذا الاهتمام الكبير الذي تمثل في هذا اللقاء الضخم الذي ضم 313 عضوا يمثلون أربعين دولة وقدم فيه من البحوث حوالي 150 بحث إلى جانب الدراسات العامة عن حالة التعليم في البلاد الإسلامية.
عقد هذا المؤتمر في مكان أحسن اختيار وله مكان محبب إلى قلب كل مسلم في مكة المكرمة مهبط الوحي ، وحصنه الحصين واعتبرت توصيات المؤتمر على جانب كبير من الأهمية باعتبارها خلاصة جهد المؤتمر الذي يرتجى من أثاره الوعي والاهتمام الكبير بالتعلم في مساره الصحيح ، وقدم المؤتمر 38 توصية تدور كلها حول ما فيه خير لتعليم في العالم الإسلامي وترسم له اتجاهات تطويره وإصلاحه، وقد وضع المؤتمر التربية والتعليم في مكانها الصحيح من الأهمية البالغة في حياة الأمم وعبر عن المسؤولية الملقاة على كاهل علماء وقادة الفكر والعاملين في ميدان التربية.
وأكد المؤتمر أن العلوم المختلفة من طبيعية ورياضية وإنسانية نظرية كانت أو تجريبية كلها علوم إسلامية طالما أنها متفقة مع إطار التربية الإسلامية وأنها لا تنحرف إلى استخدامها في الشر والعدوان.
وقد أبرز المؤتمر أهداف التربية الإسلامية ودورها في تنشئة الإنسان الذي يعبد الله ويخشاه وكذلك تقوية الروابط الإسلامية ودعم قضاياهم وتضامنهم.
أكد المؤتمر على أن الأستاذ حجر الزاوية في العمليات التعليمية كما أن الطالب في التربية هو محور فيها، الأستاذ الناجح هو الذي يدير دقة هذه العملية بالطريقة المناسبة التي تحقق الأهداف المخطط لها وان يتطلع أستاذ التربية الإسلامية دائما إلى ما هو جديد في مجال تخصصه وطرق تدريسه ويوظف ما يراه مناسبا وأن يكون نموذجا ممتازا في جميع المواقف.
الأستاذ يحث طلابه على الصلاة وهو لا يؤديها ويتكاسل عنها أو يقوم ببعض السلوكات التي ينهى طلابه عنها لذا يجب أن يكون قدوة صالحة وصادقة لطلابه في دينه وسلوكه وأخلاقه وجميع تصرفاته وأن

يكون مثالا صادقا للمواطن الصالح صادقا مع طلابه في أقواله وأفعاله ورسالة التربية الإسلامية متجددة فهي تمتد من المهد إلى اللحد وتتحد فهي صالحة لكل زمان ومكان.
التربية الإسلامية تساهم في الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتسعى جاهدة لتكوين المواطن الصالح وتدفع به نحو طريق التقدم والازدهار وتسعى إلى الإنماء الكامل لشخصية الإنسان وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وعندما يتمتع الفرد في المجتمع بالحرية فان التربية تكون بذلك قد أسهمت في بناء مجتمع متفتح، يستفيد منه الجميع فتصبح المدرسة مفتوحة للجميع بطريقة عادلة ومتساوية ويكون دور الأستاذ، يعلم ويراقب ويلاحظ نمو التلاميذ ويساعد في تجسيد حبه لهم ويوجه نحو اكتساب المعلومات ويغرس معايير السلوك فيستوعب هذه المعلومات والقيم.
فالتعليم عملية هامة من حياة كل فرد وكل مجتمع فهو مخبر لصناعة الرجال عندما يكون بطريقة مرنة وغير جامدة مع إذكاء الميول والقدرات والتحصيل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024