يرى البروفيسور والخبير الدولي سعدي سلامي أن الذكاء الاصطناعي بات يشكل سلاحا ذا حدين، فهو قادر على تحسين ظروف الحياة اليومية في مختلف مناحيها، شرط أن يستعمل بعقلانية وبصيرة، لا أن يترك ليقود الإنسان ويتحكم فيه. لاسيما وأن التحدي اليوم لا يكمن في تطور التقنية بحد ذاتها، ولكن في كيفية تعامل الإنسان معها، وتوظيفها بما يخدم حاجاته ويعزز قيمه، بدل أن يختزل دوره ويضعف وجوده.
قال البروفيسور سعدي سلامي إن الذكاء الاصطناعي، “يتيح إمكانات واسعة في المجال التربوي، مثل إنشاء منصات تعليمية مخصصة تتكيف مع احتياجات الطلبة، وتمنحهم فرصة التعلم وفق نسقهم الخاص”. كما أنه “يسهم في تدريب الأفراد على مهارات جديدة تواكب التحولات المتسارعة في سوق العمل، وهو ما يمنح المتعلم أداة لمواجهة المستقبل بثقة واستعداد”.
وأشار الأستاذ سلامي في حديثه لـ«الشعب” إلى أن الذكاء الاصطناعي “لا يعني بالضرورة استبدال الإنسان، بل يمكن أن يفعل كشريك فاعل إلى جانبه، خصوصا في المهن التقنية والطبية. ففي مجال البرمجة، صار الذكاء الاصطناعي أداة تساعد المهندسين على تحسين جودة الأكواد، لا أن تلغيهم. وفي الطب، يدعم الأطباء في التشخيص الدقيق، دون أن ينفي دورهم الإنساني، بل يعزز قدرتهم على اتخاذ قرارات أفضل”.
ولفت المتحدث إلى دور الذكاء الاصطناعي في تمكين الإنسان، “خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، عبر تقنيات تحويل النص إلى كلام، أو أجهزة مساعدة على الحركة، وغيرها من الحلول الذكية. كما أنه يعزز من الوصول إلى المعرفة، من خلال أدوات الترجمة الفورية والبحث الذكي، بما يختصر الجهد ويقرب المعلومة من الجميع”.
البروفيسور سلامي أكد أيضا على أن الاستخدام الذكي للذكاء الاصطناعي، “يجب أن ينطلق من أولوياتنا الثقافية والحضارية، فحين نستخدم هذه التقنية في تقديم صورة حية عن تراثنا الوطني، أو في حفظ الموروث الشفهي والتقاليد المهددة بالاندثار، فإننا نمنحها بعدا إنسانيا يخدم الذاكرة الجماعية ويحمي هويتنا. أما إذا استهلكت في تكرار المحتوى السطحي أو الترويج لثقافات مسيطرة، فإنها ستساهم في طمس التنوع الثقافي وتذويب الخصوصيات”.
غير أن المتحدث أشار إلى أن هذا الوجه المضيء لا يخفي المخاطر المحتملة، وعلى رأسها فقدان الوظائف، حيث قال “إن الأتمتة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي بدأت تحل محل اليد العاملة في مجالات الصناعة والنقل والخدمات، ما قد يؤدي إلى تقلص فرص العمل وارتفاع نسب البطالة، خاصة في المجتمعات التي لم تواكب هذا التحول بسياسات تعليمية واقتصادية مواكبة”.
وحذر في السياق من خطورة الاستخدامات العدائية لهذه التقنية، وضرب مثالا بـ«الهجمات السيبرانية، أو تطوير أسلحة ذاتية التشغيل، التي قد تهدد الأمن والسلم الدوليين”. كما طرح قضية التفاوت التكنولوجي، “إذ قد يزيد الذكاء الاصطناعي من الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، نظرا للتكاليف الباهظة المرتبطة بتطوير هذه الأنظمة وتطبيقها”. ولكنه يرى أن مواجهة هذه التحديات، تكمن في “سن قوانين واضحة، تنظم هذا القطاع وتضع له حدودا أخلاقية صارمة، مع تعزيز التعاون بين المطورين وصانعي السياسات والمجتمع المدني، بهدف ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بعدالة وشفافية، وبما يخدم مصلحة الإنسان لا مصالح الشركات أو الجهات المهيمنة”.
وأكد الأستاذ سعدي “أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة جبارة لخدمة الإنسان، إذا أحسن استخدامه، وكان الإنسان هو من يحركه، لا العكس”يتابع” فالمطلوب ليس فقط تطوير الآلة، بل وعي الإنسان أيضا، خاصة النشء، وتحصينهم بالمعرفة والقيم والمهارات النقدية، حتى لا يصبح الذكاء الاصطناعي سيدا علينا، بل خادما لمستقبلنا المشترك”.