ترى الأستاذة الجامعية خديجة باللودمو أن موضوع الذكاء شغل تفكير الفلاسفة والعلماء منذ البحوث الطلائعية الرامية لفهم وجدان الإنسان وتشريح علاقته بالمجتمع والبيئة التي حوله، فعرّف الذكاء بأبسط تعريف له، أنه تلك القدرة الإنسانية العقلية على التعلم وإعمال الفكر والتأقلم مع المواقف المستجدة في الحياة وحلّها.
تقول الدكتورة خديجة باللودمو في حديثها لـ«الشعب” أن الذكاء البشري حاول أن يحدد أنواعه بين ذكاء رياضي منطقي ولغوي لفظي ونفسي وجداني واجتماعي وحركي وغيرها، مما جعل الذكاء البشري يتحدّى نفسه مجددا ليبتكر ذكاء آليا اصطناعيا يحاول محاكاة هذه القدرات البشرية في معالجة المعلومات، وهو ما يندرج تحت جهود تطوير مفهوم الذكاء وتعزيز قدرات الآلة على خدمة الإنسان وإبهاره.
وأكدت المختصة في الأدب المعاصر الأستاذة بجامعة الحاج موسى أخاموك بتمنغست أن الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية دور ريادي ومهم جدا، إذ يمكن اعتباره رفيقا جيدا لاستحضار المعلومة الآنية دون أقل جهد، وقد يعتمد عليه الإنسان معرفيا في شتى مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية أيضا، فحسبها هو الجواب الحاضر في كل موقف، وهو الصديق الافتراضي الناصح الموجّه، وهو الداعم المعرفي لتعزيز المواقف المتخذة مهما بلغت أهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع، وقد يأخذ دور المعلم والصديق والحبيب والطبيب والاستشاري لبعض الأفراد.
تضيف المتحدثة، في سياق آخر، إن الاعتماد المبالغ فيه على الخدمات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي للإنسان في شتى المواقف قد يجعل من بعض الأشخاص المتقاعسين عن إعمال ذكائهم البشري يعيشون حالة استيلاب فكري أمام هذا البعبع الذي يلتهمهم، وهنا يجد الإنسان العاقل نفسه أمام تحدٍّ اسمه حدود الذكاء الاصطناعي ومساحته الخاصة في حياته، فأهم التحديات التي يمكن أن يواجهها الإنسان في ظل سيطرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على الحياة اليومية هي أن يكون هو سيد القرار فيها، وأن يعطّل الإنسان قدراته العقلية الطبيعية أمام هذه القدرة الاصطناعية التي ليست إلا صنيعة البشر وهو ما يجعلها قاصرة مهما بلغت درجة الإبهار فيها، فالذكاء الاصطناعي يهدف أساسا إلى تمكين الآلة/ الحاسوب من محاكاة الذكاء البشري والوظائف الإدراكية البشرية.
وهو الذي يجعل الأمر يبدو شائكا في بناء علاقة بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي حسبها، نظرا لبروز نبرة تنافسية بينهما قد تصل حد الإلغاء، ما يجعل من الإجابة على التساؤل الجوهري الذي يقول: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكمل القدرات البشرية ويحقق التكامل فيما بينها؟ هي الحل الأمثل لهذا الإشكال، لا ينكر جهود الذكاء الاصطناعي وقدرته على أداء المهام الموكلة إليه ببراعة إلا جاحد، وبالمقابل، نجد أنفسنا أمام تلك الزمرة السلبية من البشر والتي تجعل من الذكاء الاصطناعي مسؤولا عن كل مهامها نموذجا سيئا ينحرف بهذا النوع من الذكاء عن هدفه الأساس وهو مساعدة الإنسان وتذليل صعاب الحياة عليه.
في نفس الوقت، تقول خديجة باللودمو، أظن أن المقترح الأمثل لتجاوز هذه السلوكات السلبية هو الحد من إمكانية استخدام خدمات الذكاء الاصطناعي بتوفير برامج مساعدة توضح أثره في حياتنا، على غرار مجال العلم الذي لم يعد من الممكن التعرف على الفرق بين كتابة البشر والآلة فيه، وهو ما جعل من المطالبة بتفعيل برامج تكشف مساهمة الذكاء الاصطناعي في إنجاز البحوث العلمية تتزايد يوما بعد يوم.
لتخلص المتحدثة في الأخير، “أن الذكاء الاصطناعي فتح علمي مهم جدا في القرن الواحد والعشرين، لكن التوظيف القاصر له يجعل منه ذا أثر سلبي في حياتنا التي من المفروض أن يذلل الصعاب فيها ويسهّلها. ولكن حضور العقل البشري يظل هو الفيصل في هذه المواقف لإعادة الأمور إلى شكلها الطبيعي وحجمها الحقيقي، ليجعل من الذكاء الاصطناعي نعمة في حياتنا، ويرسم له الحدود التي تجعل منه مساعدا لا سيدا على الإنسان”.