يمثل التقاعد مجموعة الأحكام والتشريعات التي تعطي لكل عامل بلغ السن القانوني في الاعتزال والخروج من الحياة المهنية مقابل منحة تحددها القوانين وتشريعات العمل... ويتباين موقف النساء العاملات من نظام التقاعد المعمول به حاليا في بلادنا، إذ تحبذ أغلبهن التقاعد المسبق ليخلدن إلى الراحة بعد مدة قضينها في المؤسسة، بهدف الاهتمام بشؤون البيت وتدفع أغلب النساء دفعا إلى مثل هذا الحل رغم أنه لا يساير طموحتهن ولا يتماشى وغلاء المعيشة.
من أجل تسليط الضوء على الظاهرة سجلنا لكم انطباعات عاملات
«سجية ـ م« عمرها أربعون سنة، موظفة في إحدى المؤسسات العمومية، تتقاضى 40 ألف دينار جزائري كأجرة شهرية، وهي تتشوق إلى بلوغها ذات يوم سن التقاعد لترتاح نهائيا من مشاكل العمل حتى لاتضطر للخروج من البيت في الصباح الباكر لتعوذ إليه في حدود الساعة السادسة مساء...
قالت سجية في هذا الصدد: “إذا كان المبلغ الذي أتقاضاه حاليا لا يكفي لسد حاجيات أسرتي المتكونة من أربعة أفراد، فما بالك بالنسبة لمنحة تقاعد مسبق الذي عادة ما تقدر بنصف المبلغ الذي أتقاضاه حاليا، لذلك فان هذا لا يناسبني، وأفضل تحمل متاعب ومشاكل العمل على أن أفرط في مشواري المهني الذي قضيت فيه أكثر من عشرين سنة، الأمر الذي يدفعني الى التسلح بالصبر خاصة وأن حاجيات أبنائي المتمدرسين كثيرة لا تنتهي، وأنه من واجبي تلبيتها مهما كلفني الأمر.
أنسب حل للحفاظ على حياتي الأسرية
أما “نجاة ـ ك« تشتغل في مؤسسة عمومية منذ خمس عشرة سنة قالت بخصوص تقاعد المرأة عندما كنت عازبة، كانت الأمور تسير بصفة طبيعية ودون أي مشاكل ولكن زواجي والمسؤوليات المترتبة عليه جعلتني أقف عاجزة أمام التوفيق بين حياتي العملية والأسرية خاصة بعد إنجابي لولدي اللذين كانا القشة التي قسمت ظهر البعير.
واستطردت “نجاة ـ ك« قائلة: ما زاد الطين بله المسافة التي تفصل بين مقر عملي ومسكني حيث تفوق الـ40 كلم ولن أخفيكم سرا إذا أخبرتكم أنني أقضي أكثر من أربع ساعات في وسائل النقل، هذا الوضع جعلني أفكر في التقاعد المسبق الذي كان أنسب حل لي للحفاظ على توازن حياتي كأم وربة بيت. وتواصل حديثها قائلة: “كنت أعمل في مؤسسة دوام عملها من الثامنة صباحا إلى الخامسة مساءا، ما يعني أنه يجب علي الخروج على الخامسة صباحا حتى أصل في الوقت المحدد لمقر عملي، أما مساءا فخروجي على الخامسة مساءا يجعلني أدخل منزلي في السابعة، كل هذه العوامل جعلتني أفقد حلاوة العيش وسط الأبناء والأسرة، بل أصبح طفلاي في حالة من الاشتياق الدائم لي فأنا لا أراهما إلا قبل ساعة من نومهما، لذلك فأنا أعتقد أن التقاعد المسبق الحل الذي سيعيد إلي فطرتي التي سلبني أياها العمل، وان كان الأجر أقل”.
أضرب عصفورين بحجر واحد
«هدى ـ ب« صحفية في مؤسسة إعلامية لها رأيها في الموضوع: “التقاعد المسبق قد يساعد فئة دون أخرى، وذلك حسب وضعها الاجتماعي، واستطردت “هدى ـ ب« قائلة: “من منظوري الخاص، أرى أن أغلب النساء في الوقت الراهن يفضلن التقاعد المسبق إن أمكنهن ذلك عوض مواصلة العمل إلى نهايته، وذلك لارتباطاتهن الخاصة لا سيما إن كن متزوجات.
أضافت “هدى ـ ب« قائلة: وفيما يخصني فأنا أختار التقاعد المسبق في حالة استيفائي للسنوات المحددة له لأنني حتما سأضرب عصفورين بحجر واحد، فأهتم بحياتي الخاصة من جهة، وانتفع بميزانية محترمة أعين بها عائلتي الصغيرة من جهة أخرى.
أما المرأة التي تفضل مواصلة مسيرتها المهنية إلى غاية سن التقاعد، اعتبرت “هدى ـ ب« أن الأمر يرتبط بالحرية الشخصية، أو ظروف المادية، حيث أن التقاعد المسبق يستوجب اقتطاع معتبر من الراتب الشهري، وهو ما لا يساعدها على تحمل ظروف الحياة الاجتماعية وبذلك ستجد نفسها مجبرة على تحمل عناء العمل إلى نهايته.
لا أتصور نفسي أنقطع
عن العمل حتى بعد التقاعد
إذا كانت فئة من النساء يحبذن التقاعد الكامل والمسبق للخلود إلى الراحة والاستقرار النفسي ومن تم العائلي فان هناك فئة ثانية من النساء تفضل العمل بعد بلوغ سن التقاعد وفي هذا الصدد رصدت الشعب هذه الآراء.
«سجية ـ ك« 48 سنة تمارس مهنة الطب باحدى العيادات المتعددة الخدمات لها رأي مخالف تماما عن الاراء السابقة حيث أكدت استمرارها في العمل حتى وان بلغت سن التقاعد، لأن العمل خاصة في مجال الطب بالنسبة لها يلعب دورا هاما في تكوين شخصيتها واتبات وجودها، وكشفت لنا في سياق حديثها أن وضعيتها الاجتماعية لابأس بها على اعتبار ان زوجها يعمل كإطار سامي، ويتقاضى دخلا مرتفعا، يسمح بالتكفل بمتطلبات الأسرة وحاجياتها...
واستطردت “سجية ـ ك« قائلة: “القضية بهذا الشكل ليست مطروحة على أساس مادي وإنما لرسالة العمل الذي أوديه.
وتشاطرها الرأي ـ “نوال ـ ب« صحفية في مؤسسة إعلامية خاصة قائلة: التقاعد وإن كان لا يزال بعيد إلا أنني لا أتصور نفسي أنقطع عن عملي الذي دخلته أول مرة عن حب واقتناع، ولذا فمن الراجح على حد قولها مواصلة المشوار ونشر المواضيع في الجريدة التي أشتغل فيها والتي أجد انها تخدم الأفكار التي أؤمن بها حتى وإن تجاوزت سن التقاعد.
حلول اضطرارية
كشفت الأستاذة الجامعية “ياسمينة.ص” أن لجوء النساء العاملات إلى التقاعد المسبق يعد حلا أمثل لهن عندما تشتد عليهن الأزمة فيصعب التوفيق بين مسؤولياتهن كسيدات بيت مع ضغوطات العمل مما يدفعهن قصرا إلى مغادرة مناصب عملهن مكرهات خاصة في مجالات الصحافة والتربية والتعليم، موضحة في سياق حديثها أن هذه المهن تتطلب جهدا كبيرا من المرأة في ظل عدم تفهم المحيط ومسؤولي هذه القطاعات لصعوبة هذه الوظائف من جهة وثقل الحمل الملقى على عاتقها كتربية الأبناء ومرافقتهم في مشوارهم الدراسي، وأداء حق الزوج. ويزداد الوضع تعقيدا حسب “ياسمينة.ص” أن التقاعد المسبق التي تلجأ اليه بعض العاملات يتزامن عادة مع دخول المرأة سن اليأس وما يترتب عليه من حالة اكتئاب وشدة القلق، وعوض أن تجد المرأة ليونة من جميع الأطراف لتشجيعها على مواصلة العطاء، وليس تعجيزها إلى حد أن تطلب الاستقالة اما من منصب عملها في شكل تقاعد مسبق أو اللجوء إلى الطلاق لمواصلة مشوارها المهني وهو ما يدفعنا إلى طرح سؤال جوهري وهو لماذا توضع المرأة العاملة في مثل هذا الموقف؟
وأضافت الأستاذة الجامعية “ياسمينة.ص” قائلة: “مايؤسفني في الموضوع أن هناك من يريد بشكل أو بآخر تعجيز المرأة في زمن الحديث عن ترقيتها والرفع من مكانتها موضحة في سياق حديثها أن عمل المرأة لا يمكن اعتباره مورد مالي فقط يضمن لها استقلاليتها المالية عن الزوج أو الأب وانما مجال لفرض ذاتها كإنسانة منتجة في المجتمع.
وباعتبارها أستادة جامعية ترى”ياسمينة.ص” أن التدريس في التعليم العالي يعد المهنة الأنسب للمرأة لأنها تشجعها على الاستمرار في عملها، معتبرة أن المرأة العاملة التي تسعى إلى الكسب المادي وفقط من الطبيعي أن تخرج منه متى تحسنت وضعيتها المادية.