تيبازة مدينة عريقة بمعالم تاريخية

ابن خلدون حطّ الرّحال فيها والأديب وطّـار استلهم منها روايــاته ومؤلّفاته

بقلم: عبد القادر حمداوي

حارب سكّانها العدو تحت إمرة الأمير عبد القادر ما بين سنة 1835 ــ 1837، ظلّت تحارب ولم يتم غزوها إلا في سنة 1840. قاد الماريشال فال حملة عسكرية غير أنّه قوبل بمقاومة شعبية عنيفة تحت قيادة الخليفة عيسى البركاني، الذي عيّنه الأمير عبد القادر خليفة على التيطري، ثم مرحلة الثورة من 1954 إلى 1962.

شكّلت النّواة الأولى للأفواج المسلّحة عبر خلايا تأسّست في جبل بورقيقة، وفي مختلف القرى ليتضاعف عددها مع قدوم سويداني بوجمعة وبيطاط وغيرهما. كان لهم دور كبير في انتشار الثورة بالمنطقة عقب التحاق الكثير من الشباب في صفوف جيش التحرير الوطني.
إنّها تيبازة التي تتوقّف عندها “الشعب” ضمن صفحة “مدن وتاريخ”، وترصد ما قدّمته للثورة التحريرية في خمسينية عيد الجزائر.
يعود تاريخ مدينة تيبازة إلى آلاف السنين، أسّسها الفينيقيون كمركز تجاري نظرا لسهولة شاطئها وملائمته، وكذلك وجود المرفأ الذي اختاره لإرساء سفنهم من تلاطم الأمواج.
وكانت العلاقة التي تجمع قرطاجة مع سكان الجزائر آنذاك علاقة وطيد تجارية ومصاهرة، ومن مصلحة قرطاج أن تحافظ على وجود بقائها وتحالف مع أمراء البربر والعمل على استرضائهم مادامت تلك العلاقة تحقّق مصالحهم الاقتصادية والتّجارية.
نافس الرّومان قرطاجة تنافسا تجاريا وسيطروا على البحر الابيض المتوسط وشمال إفريقيا، ودخلوا في حروب طويلة امتدت من سنة 246  إلى 140 ق ـ م عرفت بالحروب البونية الثلاثة.
قام الامبراطور الروماني أغسطس بتعيين يوبا الثاني ملكا لمروريطانيا بداية من سنة 25 ق ـ م، واتّخذ يوبا الثاني مدينة شرشال عاصمة لمملكته، قام بتحديد وتوسيع بناياتها وأطلق عليها اسم القيصرية احتراما للقيصر الروماني، وصارت تيبازة تابعة لمملكته.
استولى الوندال على المنطقة عام 429 م، وتمكّن من طرد الرومان ودخلت منطقة تيبازة في حكمه. خلال هذه المرحلة تعرّض سكان تيبازة إلى اضطهاد ديني من قبل الامبراطور هينريك (477 ــ 484)، وهذا ما دفع بهم للهجرة إلى إسبانيا.
جاء البزنطيون إلى شمال افريقيا وطردوا الوندال منها، وبسطوا سيطرتهم على المنطقة سنة 534 م. مرّت من هنا أعظم الإمبراطورات على تيبازة، وبهذه المواكبة الدائمة والمتابعة الدقيقة لتغيير الأوضاع والحاصل في ميدان الصراع بمواقف الأطراف المختلفة، اتّسع الصّراع وتعدّد وازدادت وتيرة السّيطرة الرومانية.
بنى الرّومان مدينة تيبازة فوق تلال صغيرة مطلة على البحر، كانت بموقع ممتاز وبمناخها اللطيف والبساتين تحيط بها بكل أنواع، رسمت ألوان قوس قزح ومنظرا ترتاح له العين وترغب النفس في التقرب إليه بينابيع وحمامات صغرى، وشبكة نقل المياه الساخنة عند خروج المدينة الأثرية التي ما زالت تحت الرواسب. ولإثبات ما تبقّى ينبغي البحث العميق لاكتشاف الآثار خاصة قرب المقبرة الضخمة وحول الكنيسة التي ترجع إلى آلاف السنين.
مدينة وفية لتاريخها يوجد في مدينة تيبازة متحف للآثار الذي يحتوي على الكثير من الآثار رغم صغره يبين حضارة رومانية مرت من هنا.

الضّريح الملكي الموريطاني
 يصارع متغيّرات الزّمن
الضّريح المميّز الذي يشيد أنظار البحارة والصيادين وربان السفن، حيث يوجّههم للدخول بأمان إلى الشاطئ، أعطى قيمة مضافة لهذا المكان على مدار سنين، رغم الأهمية التاريخية لهذا الضريح الضخم إلا أنه لم يجد العناية الكافية.
ينتسب بناؤه إلى الملك يوبا الثاني وزوجته كليوباترا سليني ابنة ملكة أنطوان كليوباترا ملكة مصر، وتم بناؤه على الأرجح قبل ظهور المسيحية أو قبل انتشارها. تلوح حول الضريح أساطير وألغاز كثيرة، ويقع على بعد 15 كلم جنوب مدينة تيبازة. وإلى جانب هذا الضريح عدة قبور تؤرّخ بالفترة النوميدية، كما ترجع إلى الفترة الرومانية وما تلاها. صنّف المعلم سنة 1984 ضمن التراث العالمي من طرف منظمة اليونيسكو على غرار المواقع الأثرية بالمنطقة. إذا كانت مدينة تيبازة وشرشال تتوسّط جبل شنوة هو رمز القوة عند أهل الجهة، وللجهة لغتها الأمازيغية التي تأثّرت على سكانها كثيرا، وخلال الفتوحات الإسلامية غابت مدينة تيبازة لأنها تعرضت لتخريب تام وهجرها الناس منذ أواخر العهد البيزنطي.

بداية الفترة الاسلامية
لقد أشار ابن خلدون إلى أن مدينة شرشال خضعت إلى تأثير موسى بن أبي العافية، الذي يذكر عنه بأنه ملك قواعد الغرب الأوسط وهي تنس، شرشال ووهران. شهدت المنطقة تراجعا رهيبا الى درجة أنها تغيب عند أغلب الكتاب القدامى، ويصعب علينا كتابة تاريخ متسلسل خلال الفترة الاسلامية.
وفي الحكم التركي كانت المنطقة تحت حكم الداي، نظّمت فيها نشاطات تجارية في الأسواق الأسبوعية وفي الأرياف لفرض نفوذها على سكان المناطق الريفية، وتمتاز هذه المنطقة برقة طبع أهلها وبمناظرها الطبيعية الخلابة، أرضها خضراء، سهولها غنية وحقولها ممتعة.

مرحلة الاحتلال الفرنسي
أدرك سكان المنطقة خطورة الغزو الفرنسي وإبعاده، بدأوا بتحضير المواطنين وتوعيتهم، فكان شيوخ القبائل منهم بين مناصر وقبيلة حجاجطة ومحي الدين بن علال بالقليعة، الذين حاربوا العدو تحت إمرة الأمير عبد القادر ما بين سنة 1835 ـ 1837، وظلّت منطقة متيجة تحارب ولم يتم غزوها إلا في سنة 1840. قاد الماريشال فال حملة عسكرية غير أنّه قوبل بمقاومة شعبية عنيفة تحت قيادة الخليفة عيسى البركاني الذي عيّنه الأمير عبد القادر خليفة على التيطري، ثم مرحلة الثورة من 1954 إلى 1962.
شكّل مناضلو منطقة متيجة النواة الأولى للأفواج المسلّحة عبر خلايا تأسّست في جبل بورقيقة وفي مختلف القرى ليتضاعف عددها مع قدوم سويداني بوجمعة وبيطاط وغيرهما.
كما كان لهم دور كبير في انتشار الثورة بالمنطقة أين التحق الكثير من الشباب بصفوف جيش التحرير الوطني.

 معركة في قلب مدينة تيبازة
 قامت مجموعة من الفدائيين بتنفيذ عملية داخل مدينة تيبازة في نوفمبر 1960 بعدما تلقّى المجاهدون معلومات كافية من مناضلي المدينة حول تجمع الضباط الفرنسيين والمعمرين في مطعم المعمر المدعو اندري ميري والواقع داخل المدينة، وكلّف قائد الفصيلة أحد المناضلين لمراقبة المطعم وجمع كل المعلومات ووقت تجمع الضباط والمعمّرين.
وتمّت هذه العملية بكل نجاح، كان المجاهدون في حالة جيدة من حيث التسلح وتوفير الذخيرة، وكان في حوزتهم رشاشات ماط 49، تسلسلت هذه المجموعة من الفدائيين المتكونة من 7 مجاهدين إلى المطعم المذكور مرورا أمام رجال الجندرمة مرتدين اللباس العسكري المشبه بالغابة، وأسلحتهم فوق أكتافهم وهم يمشون بخطوات ثابتة، وتركوا مسافة بينهم وهذا ما جعل الجندرمة الفرنسية يظنون أنهم فرقة من الجنود الفرنسيين. وصل الفدائيون إلى المكان وعلى رأسهم الدليل المناضل المسمى حمدي محمد، الذي انسحب بعد الوصول إلى عين المكان، وهكذا فاجأ المجاهدون العدو ووقع اصطدام بين الجانبين، وبدإ الرصاص يدوي  فقتل الحارس وغنمت بندقيته وفرّ الحارس الثاني بعد إصابته بجروح خطيرة.

ضراوة قتال وحمى وطيس لمعركة
أطلق المجاهدون الذين كانوا خارج المطعم الرصاص ملازمين المواقع دون حركة، وأسفر ذلك على مقتل حوالي  15 فرنسيا وإصابة العديد بجروح متفاوتة الخطورة، وغنموا مسدسات ورشاشات.
أما في صفوف المجاهدين فقد استشهد الجيلالي بوفاريك وبالحيرش محمد، وانسحب المجاهدون في اتجاه دوار بالجيلالي، اصطدموا بقافلة من السيارات العسكرية آتية من مزرعة المعمر رينو. وفي هذه الأثناء كانت المدينة خالية على عروشها بسبب الرعب الذي ساد المكان.
بدأ العدو يقتحم المكان دون أن يدري ماذا يحدث، لقد عمّ الرّعب في نفوس المعمّرين واكتفى العدو بالتوجه إلى غابة جبل شنوة، وقنبل المداشر

والدواوير المجاورة على رقعة واسعة من المنطقة حتى أسدل ظلام الليل رداءه. إنّها لحظة أحس فيها سكان تيبازة بانتصار الضعفاء على الأقوياء.
مدينة تيبازة تملك مؤهّلات اقتصادية هامة، منها توسيع الميناء لتعزيز آليات النشاط، والتفكير في امكانيات تصدير المنتوج المحلي.
ويشهد القطاع السياحي بتيبازة ركودا بمقارنة الاستراتيجية الوطنية التي تنوي الوزارة دعمها، والتي أقرّتها الدولة في سياستها لكن  القطاع لايزال لم يرتق إلى المستوى المطلوب.
فالقطاع السياحي هو القطاع الذي تعتمد عليه الدولة مستقبلا إذا توفّرت الشروط كثقافة السياحة للمواطن، وتستجيب للمقاييس العالمية، فتيبازة تتميز بمعالمها التاريخية القديمة ويغمرها جو السكينة والهدوء، تحيط بها قمم عالية رائعة الجمال.
وأتذكّر ذلك الكاتب الكبير الذي كان يتوافد إلى شواطئ تيبازة عند الكتابة، وهو الأستاذ الطاهر وطار ــ رحمه الله ــ وفي الأسابيع القليلة الماضية من شهر أكتوبر أمرت وزيرة الثقافة من تيبازة ببناء المعهد العربي للآثار، ليكون هذا المعهد إضافة الى المتحف الذي يعدّ من أهم المتاحف في العالم لما فيه من آثار نادرة وتحف فريدة من نوعها المتمثّلة في فنون العصور القديمة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024