صدم المشاهد والمتتبع

فيلم «الوهراني» يفجر أزمة

سعيد بن عياد

 يثير فيلم «الوهراني» ضجة امتدت إلى خارج إطار السينما، بعد أن فوجئ المشاهد وصدم المتتبع لمشاهد وكلمات لا تليق بصورة جيل أسقط رجاله أسطورة الاستعمار الفرنسي وزلزلوا الأرض من تحت أقدام أقوى الجيوش في العالم.

خارج الجدل حول الجانب الفني والتقني القابل للنقاش، فإن المسألة التي تستوقف الضمير، تشمل ما يتعلق بمضمون الرسالة التي يحملها فيلم، لم يكشف صاحبه عن الأهداف الحقيقية التي يرمي إليها. وبالتأكيد أنه لا يبحث عن كتابة التاريخ أو المساهمة في نفض الغبار عن فصول رائعة منه، بقدر ما يبدو أن العمل قد وقع في المحظور، ويجب أن يعالج بالإجراءات المطلوبة.
وبالتوقف عند اختيار العنوان: «الوهراني»، نسبة لمدينة وهران، فإنه لا يمثل بالضرورة إنسانا، كما يصوره فيلم العار، إنما يرمز في الحقيقة - وهذا ما كان على صاحب الفيلم الالتزام به - لأولئك الأبطال من أبناء الباهية وعلى رأسهم ابن الجزائر والثائر البار، شهيد المقصلة أحمد زبانة، الذي قدم أروع موقف في التضحية والفداء، فشرّف وهران والجزائر قاطبة. بلا شك، الثوار بشر ومنهم من كان يمارس حياته في مجتمع هيمنت عليه السلوكات الأوروبية، وقد حرصت قيادة الثورة حينها على تصحيح تلك الصورة باتخاذ مختلف الإجراءات التي كان يتطلبها الموقف، فاستطاعت أن تجهض سياسة الإدارة الاستعمارية التي كرّست كل ما بحوزتها من وسائل وخبث لإشاعة الفساد وتعويم المجتمع من أجل كسر إرادة الإنسان الجزائري وإحباطه، بمحاولة نزع تلك الروح الثورية الرافضة للأمر الواقع من النفوس. مع ذلك، كان من الطبيعي أن تشتغل الثورة على استغلال كل الإمكانات واستثمار كافة الفرص للتغلغل، تمويها وتضليلا، داخل صوف العدو بما في ذلك اقتحام أماكن لأوروبيين تبدو مواتية من أجل الحصول على معلومات أو اكتشاف دسائس يدبّرها قادة الإدارة الاستعمارية وخاصة البوليس الفرنسي في المدن والقرى. وهي تفاصيل ما كان لصاحب الفيلم اللعب عليها مقابل ما كان ينجزه الرجال والنساء على درب التحرير، من خلال بطولات مشهود لها لم تستوفها السينما حقها، وهو ما كان على صاحب الفيلم الفاقد للسمعة والمسيئ للذاكرة أن يشتغل عليه، بعيدا عن الذاتية أو الفئوية الاجتماعية، أو على الأقل حسن تناول بعض الجوانب بالظاهر دون التأثير على الصورة في العمق والمضمون.
إن تناول التاريخ بما فيه عبر السينما، ليس لعب هواة أو مغرورين يسعون للنيل من سمعة جيل ذهبي بكل ما في أبنائه من نقائص أو عيوب هي قابلة للنقاش، ويكفيهم أنهم أردوا الاستعمار أرضا بمواجهته في وضح النهار، وهم أكبر بكثير مما يحاول بعض المصابين بعقدة التاريخ تقديمهم للأجيال المتعاقبة، التي تعرف قيمة الهدية الأبدية والمقدسة التي قدمها صنّاع الثورة التحريرية، التي تم إحياء ذكراها الستين هذه السنة بتجديد العهد على الوفاء، ومن ثمة مقاومة الردة التاريخية التي تستفيد من مناخ الحرية، بمزيد من التمسك بالذاكرة التاريخية التي كتبها المليون ونصف المليون شهيد وآلاف المعطوبين وملايين المصابين من أبشع استعمار عانت منه الشعوب.
ويمكن للعاملين في السينما، أن يجدوا المادة الموضوعية لإنجاز أعمال تصمد في وجه الزمن، على غرار أفلام «أطفال نوفمبر، الأفيون والعصا، دورية نحو الشرق ومعركة الجزائر» وغيرها من الأفلام المحترمة والجديرة بالمشاهدة، أما غيرها فهي عبث لا تستحق التفاتة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024