للإنسان تاريخ قديم وطويل مع تلك الحطبة الخشبية الصلبة، التي تعرف “بالعصا” وما بها من فوائد ومزايا، مادية ومعنوية ونفسية وروحية، أبرزها عظامة وشأنا “عصا مآرب أخرى” التي صاحبت النبي سيدنا موسى عليه السلام، (عصا موسى) وما حام حولها من أسرار وألغاز مازال التاريخ يخبر عنها، تلك الخشبة التي مازال الإنسان يحملها للحاجة وللوجاهة والمواجهة، ولدرء الكلاب والذئاب والأفاعي والعقارب، وسند للعاجز والسقيم والكبير، ودليل للأعمى والراعي والأعرج، والشرطي والخطيب.
تلك العصا التي طوّعها الإنسان وسخرها لخدمته وإبراز قوته وسطوته، دون أن يدرك ما بها من أسرار وأخطار وأن السيف ينقص قدره، إذا قيل أن السيف أمضي من العصا، إنها “المحضرة” التي عرفتها الحضارات القديمة والعصور المتوالية، وما خلدته تلك الرسومات والكتابات الصخرية، والموسوعات الخطية والخزفية، حول المنساة، التي ورد ذكرها كثيرا في الكتب المقدسة للأديان الإبراهيمية (الإسلام،المسيحية، اليهودية) والأديان والمعتقدات الوضعية والشعبية، وغيرهم من الذين يدركون أهمية العصا، ومكانتها الدينية والروحية، طيلة الحياة البشرية، والتي لم يطرأ على اسمها أي تغيير أو تبديل، وإن تغيرت أشكالها واختلفت استعمالاتها بين الصغار والكبار والرجال والنساء، لحكمة مازال التاريخ البشري لم يفصل في سرها المكتوم بعد.
«المقدعة” التي مازالت تحظى بالرمزية الأبدية، للهيبة والسلطة والمكانة الروحية، الدينية والدنيوية، الدالة على قوة الإيمان وصدق السريرة لحاملها والمتوكأ عليها، تلك العصا التي لم يخبر التاريخ عن أسرارها،إلا مع ظهور عهد النبي سيدنا موسى بن عمران عليه السلام (120ق.م) والمعروفة بـ (عصا الله) التي كانت ملازمة له، في حله وترحاله إلى أن ظهرت له أسرارها العظيمة في شق الحجر والبحر، والتحول إلى حية تسعى، ومنارة تشق الظلام نورا وغيرها من المآرب الأخرى، المتوارثة بين الأنبياء والرسل والكرامات بين الأولياء والصلحاء، ومن اهتدوا من عباده إلى اليوم والساعة.
دلالات ومعاني عند رسل وأنبياء
عصا موسى التي أمره ربه باستخدامها لإقحام فرعون وسحرته، الذين عجزوا عن مقاومتها، بل تدافعوا للإيمان به وبرسالته، والكفر بفرعون وملائه وجيوشه. وكثيرا ما استعملها أخوه هارون عوضه في العديد من الحالات والمواقف. خاصة في برية أرض مدين القاحلة، التي هاجروا إليها. والمنطوية على المخاوف والمخاطر (وهي الأرض التي بعث إليها نبي الله شعيب الذي عاش (122 عاما) كما تسمى ارض أصحاب الأيكة (شجرة يكثر نباتها قرب السواحل البحرية والأراضي المالحة AVECINE)) (قوم شعيب بارعون في التجارة والخديعة والاحتيال).
يتبع ذلك آية عصا نبي الله سيدنا سليمان ابن سيدنا داوود، الذي ورث الملك عن أبيه وعمره (12 سنة)، دام ملكه (أربعين سنة) وعاش (100 سنة)، حيث توفي عام (935ق.م) والذي بقي متكئا على عصاه مصليا في شرفة قصره، متأملا في ما أتاه الله من ملك عظيم، ومن تسخير الريح، والإنس، والجن، والوحوش، والطيور، ومعرفة لغاتهم دون أن يدرك الإنس والجن والمهتمين منهم بعلم الغيب، بأنه ميت، إلى أن دلتهم دابة الأرضة (دابة صغيرة تأكل الخشب) التي دبت وأكلت جوف “المنسأة”، فانكسرت وخر سليمان ساقطا من قصره على وجهه الكريم.
وحدّد المهتمون بالمنساة أي العصا السليمانية أن اتكاءه على العصا تجاوز الحول ليبين للإنس والجن أنهم لا يعلمون الغيب كما كانوا يتوهمون ويوهمون أتباعهم.
أما عن عصا سيدنا محمد رسول الله، فقد ثبت عنه أنه كان إذا قام يخطب أخذ بعصا فتوكأ عليها، وهو على المنبر أو على الأرض أوعلى الناقة أو البعير. كما ثبت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أنه كانت له أكثر من عصا وقد أهدى واحدة للصحابي عبد الله بن انس بعد عودته من سريته الناجحة بمفرده، لقتل خالد بن سفيان الهندي،حيث قال له: “أنه بيني وبينك يوم القيامة، فلم تزل معه حتى إذا مات أمر بها، فوضعت معه في كفنه، ثم دفنا جميعا”.
وقد حدث مثل ذلك لصحبيين عياد بن بشر وأسيد بن حضير، اللذين أضاءت عصا كل واحد منهما عند الانتقال إلى منزلهما ليلا، وغيرهم من الصحابة الذين أهداهم رسول الإسلام عصا متوسطة أو محج (معوجة) أو عنزة (عصا صغيرة لها حربة) وعلى العصا ساروا والتزموا.
ولباقي عصا الأنبياء والرسل آيات ومعجزات عظام، وفي عصا الصلحاء والأولياء والزعماء والقادة، كرامات وخوارق مبهرة. تلك العصا أو”المحصر” التي يحملها الأباطرة والملوك والأمراء والرؤساء والعلماء والقساوسة والرهبان والأئمة والمشايخ والقادة، ويظهرون بها في الأعياد والأفراح للتعبير بما يتمتعون به من قوة وسلطة، وصدق ووجاهة، وشرف وطيب سريرة وحمل أمانة.
وأسرارها عند سادة العرب
للعصا العديد من الرموز والدلالات، في مجالات الاستخدام والاستعمال والوظيفة، وفق شخصية حاملها والمتكئ عليها، فهي في يد السادة والقادة، والعلماء، وسيلة لوقف الحوار والجدال العقيم الخارج عن الجادة. ترفع العصا كلما اشتد التنافس بين المتخاصمين، في مجلس العلماء والوزراء والسادة والقادة، من أهل الحل والربط والمعرفة.
تستعمل العصا في المجالس الراقية الخاصة بالاستشارة والعلم، والافتتاح والترقية والتزكية، بحيث تكون العصا زينه للعالم الخطيب، والزعيم المتحدث، حيث تزيد في المجلس روح السمع والطاعة، لفصحاء اللسان والبلغاء من العرب العرباء، وحكم وأمثال وأشعار الشعراء. تلك العصا التي مازالت تزداد كل يوم مهابة وقداسة، لدى أهل الفكر والذكر والتأديب، والتربية الروحية والأخلاقية السليمة، للصبية والناشئة،وللترويض والرعب للسوائم الضالة، وطرد الشياطين والمنافقين ودرء الخطر.
وقد حصر أحد الفطنة من العرب أسرار ومنافع العصا، وهو أبو الحسن بن يسار البصري (642م - 728م) الفقيه السني، الفصيح الذي ولد في المدينة المنورة، وتربى في بيت النبوة. وهو ليس أبو الحسن البصري المعتزلى، الذي هو محمد بن علي بن الطيب، المتكلم شيخ المعتزلة (المتوفى 436هـ /1044م). قائلا عن خصال العصا بأنها: (سنة للأنبياء،زينة للصلحاء، سلاح على الأعداء،عون للضعفاء ـ غم للمنافقين، زيادة في الطاعات).
وقال عنها التابعي الجليل ميمون بن مهران الرقي، (تـ117هـ) (إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامة للمؤمن)، ومن أهم فوائد العصا تنبيه المؤمن الصادق على السفر، والانتقال من هذه الدار. كما قيل للشافعي:(مالك تمشي على العصا ولست بكبير ولا مريض فقال: (إني أعلم أني مسافر وأنها ذا قلعة، وأن العصا من آلة السفر). ويقال إذا كان مع المؤمن العصا (يهرب منه الشيطان، ويخشع منه المنافق والفاجر، وتكون قبلته إذا صلى وقوة إذا أعيا).
وقد اهتم العرب أكثر من غيرهم، بمنافع وفوائد ومزايا العصا، حيث سادت معتقداتهم الدينية والدنيوية، ومجالات حياتهم، الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية والثقافية. حيث شرع لها الفقهاء، وتغني بها الشعراء، وأمهر في صنعها المبدعين الحكماء، أوجزت في ذلك الحوار الخالد، الذي دار بين القائد العسكري والي العراق، أبوالحجاج بن يوسف الثقفي (660م - 714م). وذلك الحكيم البدوي، حيث سأله الحجاج: من أين أقبلت يا أعرابي؟ فقال من البادية فقال وما بيدك ؟ قال عصاي: (أركزها لصلاتي،وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، واعتمد بها في مشيي لتتسع خطواتي، واثب بها النهر، وتؤمني من العثر، القي عليها كسائي فيقيني الحر، ويدفئني من القر، وتدنى إلى ما بعد مني، وهي محل سفرتي، وعلاقة أدواتي، أعصى بها عند الضراب، وأقرع به الأبواب، واتقي بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، وعن السيف عند منازلة الأقران، ورثتها عن أبي و أورثها بعدي ابني، وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى كثيرة، لا تعد ولا تحصى.
ودلالاتها عند
المهراجا وأباطرة الغرب
لقد أكسبت العصا مكانة وقدسية كبيرة، لدى ملوك الفينيقيين،وأباطرة اليونان، وقياصرة الرومان، ومهراجات الهند، وسادات أوروبا، في العصور الوسطى. حيث حملت العصا كرمز للقوة، والسلطة والعدل والملك، كما حملها الكهنة والرهبان والقساوسة، للدلالة على قداسة السلطة الدينية والروحية، وتسمى لديهم (عصا الرعاية) (العكازة).
ويعتبر عام 1690م تاريخ ازدهار صناعة العصا لدى المهرة الأوروبيين، حيث كانت تصنع خصيصا للقادة السياسيين، والزعماء العسكريين، وللأدباء والمفكريين، كما كانت لا تفارق معصم الرئيس الأول للولايات المتحدة الأمريكية جورج واشنطن (1732م - 1799م) الذي دامت مدة حكمه من(1789م - 1797م): وونستون تشرشل (1874م - 1965م) والزعيم الروحي والسياسي الهندي موهانداس كرمشاند غاندي (1869م - 1948م)، والقائد العسكري إمبراطور الفرنسيين وملك إيطاليا، نابوليون كارلو بونابرت (1769م - 1821م)، حيث كانت مقابضها تصنع من الذهب والفضة، والعقيق والمرمر، والبورسلان والكريستال والعاج، وعلى أشكال رؤوس الزواحف والطيور، والحيوان، كالأفاعي والأسود والنمور والصقور والفهود. رمزا للوجاهة والأناقة والمهابة والوقار، على غرار عصا أباطرة الصين، ومهراجات الهند، والسلاطين العثمانيين، المرصعة والمطعمة بالمعادن الثمينة،التي مازالت تزين زوايا واجهات أروقة المتاحف العالمية، وبعض البيوتات العربية المعاصرة، التي بدأ أصحابها يرافقون الحركية التراثية في حفظ وحماية العصا التاريخية، للملوك والأمراء والرؤساء والزعماء، خاصة أولئك الذين حفرت أسماءهم الذاكرة الشعبية، للشعوب والدول والأمم المستقلة حديثا. العصا المتحفية المتواجدة بمتاحف (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، الهند، سويسرا، تركيا...) وما تحتفظ به من العصا العادية والعجيبة والثمينة، وتلك التي لا تقدر بثمن.
والمرأة والأفعى
يعود تلازم العصا بالأفعى، لما يجمع بينهما من رعب و أذى، كالضربة القاضية، واللدغة القاتلة، ذلك الترابط الذي صار شعارا، أو رمزا عالميا، يزين واجهات الصيدليات في جميع مدن وقرى العالم، دون أمريكا، التي تحاط العصا بحيتين وجناحين، والهند (قيشلو) اله الأزمنة، التي يمسك فيها العصا بإحدى يديه الأربع. تلك العصا والأفعى الخاصة بالصيادلة، فإنها ترمز في نفسها الوقت إلى إله الإغريق اسكليبيوس، المختص في التطبيب والتداوي بالأعشاب وعلم النجوم.الأفعى التي ارتبط اسمها بالعديد من الأساطير، وأخذ الرموز والدلالات التي رافقت مختلف الحضارات، فهي عند علماء الطبيعة، تدل على الشفاء، وعند الكتاب والأدباء وأهل العلم الأسود والمعرفة، بالحياة والموت (الحبر والسم) لتواءاتهما في القدرة على القتل، وبعث الحياة.
فالقلم قد يقتل بنفث حبره كما قد يحي برفع الشأن، بتسطير حروفه، كما هو حال الأفعى، قد تقتل بلدغة واحدة، كما قد تشفي بقطرة سم نافثة. وهي عند الرجال علامة الخروج من الجنة، والهبوط من العالم العلوي إلى العالم السفلي، (قصة آدم وحواء ودور إبليس والأفعى بينهما) حيث أصبحت الأفعى ملازمة للمرأة ومرتبطة بها، وما يدور بينها وبين الرجل، من تصرفات سلبية، تغضب الطرفين، كما ترمز الأفعى إلى المرأة الودود الولود، والإنجاب من جديد، مثل الحية، التي من عادتها التخلي عن جلدها القديم (الثوب) آخر كل موسم، فيما تبقى العصا ترمز للشفاء والتطبيب.
إلا أن هناك من يرجع فكرة ذلك الشعار والأسطورة الإغريقية، إلى الإله أبولو وزوجته هيجيا، اللذان علمان شيرون علم التطبيب، وأن هذه الأخيرة هي التي علمت اسكليبيوس أسرار التطبيب والتداوي بالأعشاب، حيث تعاطى المهنة حتى برع فيها. إلا أنه خالف تعليماتهما وتمرد عليهما، بالاجتهاد في إحياء الموتى عن طريق الأعشاب. وقيل أنه وفق في بعضها حيث وضعت صورته شعارا للصيدليات، وهو يحمل عصا يلتف حولها ثعبان، وبذلك فإن الرجل هواسكليبيوس، والعصا رمز للسفر، والأفعى دليل على العلم والمعرفة، وخلاصتها أن اسكليبيوس كان مسافرا، وحاملا عصا في يده، ورأى ثعبانا ميتا فوقف ينظر إليه فإذا بثعبان آخر يحمل في فمه نبتة، فوضعها في فم الثعبان الميت، وما هي إلا لحظات حتى عادت الحياة إلى الثعبان الميت.
فعلم اسكليبيوس وعرف سرّ تلك النبتة، وبذلك أصبح يستعملها في إحياء الموتى. ومهما قيل ويقال في العصا، فإنها تبقى تكتسي أهمية في المجتمعات الراقية، خاصة العربية، وبالتحديد عند سكان البادية العربية والريف، التي مازالت عندهم ترمز للرجولة والفتوة وبروز الشخصية، وبعث الطيبة والزيادة في الوقار، للعارف بكيفية حملها، المرتبطة باليد اليمنى والدالة على اليمن والخير والبركة، كما لا يأتي ذكر العصا في لغة العرب، إلا مفردا، للدلالة على الأعمال النافعات الصالحات وجمعا للدلالة على الضرر والقساوة والردع، أو بألفاظ مختلفة حسب الزمان والمكان والحال. فهي العصا، عند الأنبياء والرسل، والمنساة، عند سيدنا سليمان، والخاصة بزجر الشياطين والحيوان والجان. وهي المحضرة، في يد الملوك والأمراء والرؤساء، وهي الميلوط، عند الزبانية،والزنبوط، والبالة والمربعة، عند الصيادين، لحمل اللوازم والمتاع، وغيرها من الأسماء المتداولة والمستعملة في أشعار لغة العرب.
سرّ العصا يزيح سحر الكرسي
هناك العديد من الرموز والإشارات التي تثير الانتباه وتوحي بالنجاح، للعديد من الشخصيات المؤثرة في المجالات السياسية والفكرية والعلمية، والتي ما زال التاريخ يشيد ويذكر قيمتها الثابتة التي تمكنوا من خلالها ترسيخ أسمائهم في حركته، بالدعوة إلى الاحتفاء بهم والاقتداء بما اتسموا به من بسالة وكفاءة ومقدرة وجرأة، في تحريك الإيديولوجيات وتوحيد الشعوب وشحذ الهمم، وتجنيد الطاقات الإبداعية وشرح التدرج الزمني للتاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي للأمة، والعبقرية الفائقة في تسيير الأزمات الطارئة والمفتعلة والطبيعية.
تلك الشخصيات المؤثرة التي تكون أحيانا مثيرة للجدل والتي ما زال التاريخ يذكر أو يخبر عنها، أو يسجل لها ما تحدثه من تغيير مؤثر، في كل قرن وبداية كل ألفية، منذ زمن التاريخ المعاصر، وما تحمله معاصم أيديهم من عصا، وما يتربعون عليه من كراسي (الكرسي، الملكي الرئاسي، الأميري أخبرنا التاريخ بأنه في شهر سبتمبر 2014 ظهرت عصا
الرئيس الأمريكي (32) فرانكلان ديلانور روزفلت (1882م - 1945م) لتعرض في المزاد العلني ببوسطن، ضمن مقتنيات أعظم رؤساء
الولايات المتحدة الأمريكية (420 قطعة)، إلى جانب الساعة السويسرية للرئيس الأمريكي (34) دوايت ديفيد ازنهاور(1890م - 1969م) المعروف بـ(أيك) التي أهدتها له شركةROLEX عرفانا بدوره في إنقاذ وخلاص القارة الأوروبية من الغبن النازي والمد السوفياتي روزفلت ذلك القائد صاحب العهدات الأربعة، الذي قضى على جميع ظواهر التخلف الفكري والاقتصادي، والسياسي، والمحلي، والإقليمي والدولي،وأدخل الولايات المتحدة الأمريكية، إلى عالم المعرفة والتطور الصناعي، والدعوة إلى السلم، والمصالحة،وإسعاد العالم، وهو جالس على كرسي رئاسي متحرك، أو متكئ على تلك العصا اللغز. التي شاركه في أسرارها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود (1873م-1953م). موحد الأقاليم ومؤسس المملكة الحديثة (الدولة السعودية الثالثة) والذي يعتبر من أكثر الملوك اعتيادا على حمل العصا الطويلة، حيث كانت تربطه علاقة نفسية بها، إذ كان يستعين بها عند الإفصاح عن آرائه، وتركيب جمله،والإسراع في كلامه، حتى قيل عنه أنه إذا ضرب الأرض مرة واحدة بعصاه، اهتزت فرائس مقابليه وحاضريه.
تلك العصا التي ما زالت تفجر الذاكرة البشرية بالاعتناء لدراستها ومعرفة أسرارها، والقول عنها شعرا أو نثرا وحكمة وأمثالا، عند أضعف الأحوال، وبذلك قيل، (من أراد أن تطوي له الأرض فليأخذ النقد (عصا من اللوز المر)، حمل العصا ينفي الفقر ولا يجاور هشيطان، حمل العصا من سنن العادة، لا العبادة، علق سوطك، حيث يراه أهلك).
ذلك الموروث الحضاري المتوارث والمورث بين الأصول والمرجعيات، الدينية والدنيوية، الذي بخلت قوائمه، وسقطت عصا سادة الجزائر، وقادة الانتفاضات الشعبية، ورواد الحركات الوطنية والإصلاحية، وزعماء ثورة التحرير المباركة (عصا الأمير عبد القادر، مصالي الحاج، احمد بن بلة). العصا التي مازالت إرثا متوارث بين رؤساء قبائل ودول افريقية، والتي لا تفارقهم في المحافل الشعبية، والمجالس الرسمية، والجلسات العائلية، بل حتى في مخادعهم السرية والخاصة (الرئيس السوداني عمر البشير ـ الرئيس الغاني الشيخ الباحث الحاج يحي عبد العزيز جامي) وغيرهم من مشاهد الملوك والأمراء، والرؤساء والزعماء، الذين لم تفارق العصا معاصم أياديهم الكريمة أو المبطشه.