يحتفل الجزائريون، الأسبوع المقبل، برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2975، المصادف لـ 12 جانفي بالتقويم الميلادي. وتحتضن ولاية تيميمون، هذا العام، فعاليات الاحتفال الوطني والرسمي بـ «ينّاير»، ببرنامج يتضمن عديد النشاطات والتظاهرات، لعل أهمها الحفل الرسمي للطبعة الخامسة من جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية، التي أسّس لها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بهدف تشجيع البحث والإنتاج في الأدب واللغة الأمازيغية وترقيتهما.
إلى جانب الاحتفال الشعبي والمجتمعي بالمناسبة، يحظى رأس السنة الأمازيغية «ينّاير» باحتفالات رسمية، تتضمّن نشاطات متنوعة من بينها مراسيم توزيع «جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية» التي أسّسها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
ترقية الأدب واللّغة الأمازيغية
تأسّست هذه الجائزة وفقا لأحكام المرسوم الرئاسي رقم 20-228 المؤرخ في 19 أغسطس 2020 (المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 24-57 المؤرخ في 23 يناير 2024)، وتنظمها المحافظة السامية للأمازيغية، التابعة بدورها لرئاسة الجمهورية. وتنص المادة الثانية من المرسوم على أن الهدف من الجائزة هو «مكافأة أحسن الأبحاث والأعمال التي ينجزها المشاركون إما فرديا أو جماعيا»، في المجالات المحددة للجائزة، وذلك في إطار «تشجيع البحث والإنتاج في الأدب واللغة الأمازيغية وترقيتهما، سواء كانت الأعمال مؤلفة باللغة الأمازيغية أم مترجمة إليها».
وتحدّد المادة الثالثة فئات الجائزة، حيث تتضمّن الفئة الأولى «اللسانيات» دراسات منجزة بالأمازيغية وعند اللزوم بلغات أخرى حول التهيئة اللسانية الأمازيغية والمصطلحات والقواعد النحوية، وكل ما يتعلق بالمنظومة الفونولوجية المشتركة أو خصوصيات كل تنوع لساني على حدة، وكذا الدراسات المفرداتية والدلالية والمعجميات لما هو مشترك بين التنوعات اللسانية الأمازيغية أو خاص بتنوع لغوي معين.
أما الفئة الثانية «الأدب المعبر عنه بالأمازيغية والمترجم إليها»، فتضم الأعمال الإبداعية المؤلفة باللغة الأمازيغية وكذا الأعمال المترجمة إليها من مختلف اللغات، سواء تعلق الأمر بالأدب الجزائري أو العالمي، وتشمل الرواية ومجموعات القصص القصيرة والأعمال المسرحية والدواوين الشعرية. ونجد في الفئة الثالثة «الأبحاث في التراث الثقافي الأمازيغي غير المادي» الأعمال الميدانية التي تتناول جمع التراث الثقافي غير المادي الأمازيغي بجميع تنوعاته. أما الفئة الرابعة «الأبحاث العلمية التكنولوجية والرقمنة» فتشمل الإنجازات والمشاريع الرامية إلى إدراج المضامين والمعطيات العلمية والأدبية الأمازيغية في الفضاءات التكنولوجية الحديثة والرقمنة.
كما تحدد المادة الرابعة مبلغ المكافأة المالية الممنوحة للفائزين، وقيمتها مليون دينار للفائز الأول، و500 ألف دينار للفائز الثاني، و250 ألف دينار للفائز الثالث.
صون مقوّمات الهويّة الوطنية
وسبق لعصاد التنويه بمجهودات رئيس الجمهورية واهتمامه البالغ بصون كل مقومات الهوية الوطنية، بما في ذلك اللغة الأمازيغية، من خلال وضعها على النهج الصحيح، أي في سكة الترقية، بفضل توجيهاته الحكيمة ودعمه المستمر، مذكّرا بأن رئيس الجمهورية «هو الذي أقر استحداث أول جائزة سنوية تحمل أعلى تقليد، تستند إلى مرسوم رئاسي يضمن ديمومتها ومصداقيتها، وسخر لها الإمكانيات والشروط الموضوعية لإبراز الإبداع والتميز باللغة الأمازيغية بكل المتغيرات اللسانية المتداولة عبر التراب الوطني وفق أحكام الدستور».
كما أكد أن الاحتفال الوطني والرسمي بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975، وكذا مراسم تسليم جائزة رئيس الجمهورية في طبعتها الخامسة، يلعب دورا في تعزيز الوعي الوطني بين المواطنين، وتشجيعهم للحفاظ على قيم وتقاليد المجتمع، فهي بالتالي الصمام الأمان للوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية.
واعتبر عصاد بأن جائزة رئيس الجمهورية قد سمحت، طوال الطبعات الأربعة الفارطة، «بتثمين العملية المعرفية والأدبية بكل تنوعاتها اللسانية» عبر محاورها الأربعة الرئيسية، وهو ما «مكّن الأمازيغية من الحضور بشكل بارز ونوعي في الفضاء العلمي، الثقافي والإعلامي الوطني»، مضيفا بأن «كل هذا المجهود يهدف أساسا إلى صون كنز اللغة كذاكرة حية عابرة للأزمنة ورافدا رئيسيا للمحمول التاريخي والحضاري والاجتماعي للأمة الجزائرية».
مشاركة قياسية
وتعود الجائزة هذه السنة في حلة جديدة، بعد عملية تعديل بعض أحكام المرسوم الرئاسي المؤسس لها، وهو ما تضمنه بالذات المرسوم الجديد رقم 24-57 مؤرخ 23 جانفي 2024.
وتتلخّص هذه التعديلات في ثلاثة نقاط رئيسية: أولا، إلغاء شرط السن في المشاركة، ليتم السماح لجل الفئات العمرية بالمشاركة وخاصة الفئة الشبانية التي يقل عمرها عن العشرين سنة، ممّا سيفتح المجال لمختلف النوابغ تقديم إضافة للجهد الوطني في ترقية اللغة والثقافة الأمازيغية. وثانيا، تعيين عضو في لجنة التحكيم ممثلا رسميا لوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية من أجل تقديم الخبرة والتدقيق في المحتويات الرقمية المشاركة في الجائزة. وثالثا، تخصيص منحة مالية لأعضاء لجنة التحكيم، تشجيعا للجهد الفكري المبذول في عملية تقييم العدد الكبير من الأعمال المشاركة في الفئات الأربعة للجائزة.
وتمتد عهدة لجنة التحكيم لسنتين، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وأشار عصاد إلى أربعة معايير أساسية في اختيار اللجنة: أولها الكفاءة البيداغوجية والعلمية، باختيار أعضاء يتمتعون بمستوى عالٍ من المعرفة والخبرة في مجالاتهم لضمان تقييم علمي ودقيق للأعمال المقدمة. وثانيها النزاهة والأخلاق لضمان أن تكون عملية التحكيم عادلة وموضوعية. وثالثها تماسك وتكامل أعضاء لجنة التحكيم بهدف فريق متجانس، حيث يمكن لأعضائه العمل سويًا بانسجام لتحقيق أهداف الجائزة. أما المعيار الرابع فهو التمثيل الجغرافي، بالحرص على تحقيق التوازن الجغرافي في اختيار الأعضاء لتمثيل مختلف المناطق، ما يعكس التنوع ويخلق نوعًا من التنافس بكل المتغيرات اللسانية الأمازيغية.
ولعل إحدى ثمار هذه التعديلات، والاستمرارية في تنظيم الجائزة، تسجيل الطبعة الخامسة لجائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية رقما قياسيا واستثنائيا في عدد المشاركات، على نحو «يعكس الإقبال غير المسبوق مقارنة بالسنوات الماضية، والاهتمام المتزايد بهذا الحدث الثقافي والعلمي الكبير». وخلال ندوة صحفية عقدها مؤخرا بمقر التلفزيون الجزائري، كشف عصاد أن الجائزة عرفت مشاركة 640 مترشحا موزعين على فئات الجائزة بنحو 131 مترشحا في اللسانيات، 147 مترشحا في التراث اللامادي، و311 في الأدب والأعمال الترجمية، بالإضافة إلى 51 مترشحا في الأبحاث التكنولوجية والرقمنة.
وأوضح عصاد أنّ الطبعة الخامسة للجائزة استقطبت رقماً استثنائياً من حيث عدد المشاركات، واعتبر هذه الزيادة دلالة على الاهتمام المتزايد بمختلف فئات هذه الجائزة التي استحدثها رئيس الجمهورية في 2020.
ولعل تنوع المشاركات وتوزيعها على الفئات الرئيسية يسلّط الضوء على مجموعة واسعة من المقاربات الإبداعية، ويعكس حيوية المشهد الثقافي والعلمي المخصص للغة الأمازيغية بكل متغيراتها اللسانية، وفقا لعصاد، الذي اعتبر أن «جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية تلعب دوراً أساسياً في التعريف بهذا الإرث اللغوي والثقافي وترقيته، وتداوله بمختلف الوسائط»، وأن «هذا النجاح يشهد أيضاً على حماس المشاركين»، حيث تعكس نتائج هذه الطبعة اهتماماً استثنائياً وانخراطاً قوياً من قبل المشاركين، وتعزّز مصداقية هذه الآلية المؤسساتية، التي تنظمها سنويا المحافظة السامية للأمازيغية، حيث أصبحت هذه الجائزة محوراً أساسياً في الاحتفالات الرسمية والوطنية التي تميّز يناير رأس السنة الأمازيغية.