اختتمت أول أمس بقاعة الاطلس بباب الوادي، فعاليات الملتقى المهرجان الوطني “راهن الشعر الجزائري” في طبعته الثانية، وذلك بمشاركة مميزة لشعراء وأساتذة ونقاد من مختلف ولايات الوطن، ناقش المشاركون من خلال أوراقهم البحثية راهن الشعر الجزائري، بهدف الانتصار للوعي الجديد بالظاهرة الشعرية الجزائرية في حركيتها التاريخية لاسيما ما تحمله رؤيتها الحالية من هواجس وإشكالات إلى جانب التطلعات بصورتها المستقبلية.
تزامنت مجريات الدورة الثانية من هذا الملتقى المنظم من طرف بيت الشعر الجزائري بالتنسيق مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام، والذي حضر افتتاحه ممثل وزير الثقافة والفنون رئيس الديوان، محمد سيدي موسى، إلى جانب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، وأشخاص فاعلون في الساحة الثقافية الوطنية والعربية والاحتفال بالذكرى السبعين للثورة التحريرية المجيدة، وعرف الملتقى على مدار ثلاثة أيام 24، 25، 26 من ديسمبر الجاري ندوات دراسية وإلقاءات شعرية، ناقشت راهن الشعر الجزائري، منجزاته وتطوراته مع بحث الرهانات الجديدة، كما تناول أشكال التعبير الشعري باللغات العربية والأمازيغية والملحون وباللغات الأجنبية.
وركزت الطبعة الثانية على الوقوف على راهن التجربة الشعرية الجزائرية، في أشكالها ولغاتها المتنوعة مع بحث أنساق الخطابات المهيمنة الظاهرة والمضمرة، وتناولت عدة محاور مثل “الوطن موضوعا شعريا جزائريا”، “الخطاب الشعري والأنساق المهيمنة المقاومة في القصيدة الشعرية الجزائرية”، “تلقي النص الشعري الجزائري نقديا وإعلاميا”، “ الأشكال والأساليب الجديدة في الكتابة الشعرية الجزائرية”، و إلى جانب ذلك “عرض تجارب جزائرية”.
العمل على إعادة مـكانة الـشعر
في ذات السياق، ذكرت الأمينة العامة لبيت الشعر الجزائري، عفاف فنوح في كلمتها الافتتاحية ان الدورة الثانية تنعقد في ظرف تحولات عميقة مسّت بنية الثقافة الوطنية والعالمية ولامست كل الجوانب الإبداعية الشعرية والفنية في سياقات اجتماعية وسياسية متحوّلة، هزّت المركزيات التقليدية وفتحت الأفق على رهانات كبرى جديدة، مشيرة بأن “بيت الشعر الجزائري” وضع من بين أولوياته العمل على استكشاف واقع التجربة الشعرية الجزائرية وإبراز خصائصها وإعادة بناء العلاقات بين الأنواع والأشكال التعبيرية والمحيط الثقافي والأكاديمي والمؤسساتي والإعلامي ليندرج الشعر بشكل طبيعي في شرايين الحياة الثقافية والجمالية”.
وأكدت أن الطبعة الثانية تختلف عن الطبعة الأولى، وقالت “مهمتنا من خلال هذه الطبعة تتمثل في تسليط الضوء على الشعر والكتابات الأدبية بكل مختلف التعبيرات بالفصحى بالشعبي بالأمازيغية حتى نعيد تصفيفه ترتيبه ونردّ له مكانته المرموقة”.
ومن جانبه ذكر رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد في كلمته بصفته ضيف شرف كُلف بالإعلان عن الافتتاح الرسمي للمهرجان “وأنا في مملكة الإبداع وفي ملتقى الفكر والفنون، نلت الشرف ان أكون بين قامات كبيرة برتبة خدّام الحرف الهادف، وأن أضم صوتي إليهم في الرهان على مكتسبات الشعر الجزائري وأن أشيد بمجهودات الجيل السابق الذي أعطى المشعل إلى جيل يدرك تمام الإدراك ماهية الشعر وضرورته والرهان على إثبات وجوده بين مختلف الأجناس الأدبية “، ليختم بقوله “ فإن أحْسَنَ اللاحق فالفضْلُ يعود إلى السابق”.
أسئلة الراهن الـشعري الجزائري
شهد اليوم الأول مداخلة للدكتورة آمنة بلعلى بعنوان: “أسئلة الراهن الشعري الجزائري” تطرقت فيها إلى تحولات الثقافة الجزائرية والشعر الجزائري الذي ارتبط بتاريخ الحركة الوطنية، وعن وعي براهن الشعر آنذاك، كما تحدثت عن راهن الشعر الجزائري اليوم، وذلك من خلال أسئلة يفرضها الحديث عن الراهن الشعري الذي لم يعد بحسبها هو الحاضر والواقع، نظرا للحمولة الفلسفية التي أصبحت تصاحب هذا المفهوم، وأصبحنا كما جاء في قولها: “أمام راهن يثير كثيرا من التساؤلات لعل أهمه: سؤال البدايات والتاريخ وسؤال التحوّلات وسؤال الهوّية والخصوصية وسؤال القيمة وسؤال المستقبل أيضا”، مشيرة الى أن هذه الأسئلة تبدو مرتبطة بسرديات كبرى ثم أسئلة أخرى مرتبطة بانفتاح الهويات وتفاعل الثقافات وتداخل الأجناس، “وربما مرتبطة بزوال القيم الكبرى وظهور قيم جديدة تفرض نفسها علينا وتدخلنا إلى تاريخ آخر هو ليس تاريخنا طوعا أو كرها وخاصة في ظل الهيمنة الامبريالية والصهيونية العالمية التي نشهد اليوم أثارها في فلسطين والعالم العربي عامة”. تقول بلعلى
تـكريم خــُدّام الإبـداع
كما عرف الملتقى في يومه الأول على غرار أمسية شعرية، وعرض موسيقي “تخت عربي” قدمته فرقة أوبرا الجزائر بوعلام بسايح، تكريم الداعمين للملتقى تحت إشراف رئيس بيت الشعر الجزائري عبد القادر مكاريا رفقة كل من رئيس الديوان لدى وزارة الثقافة والفنون محمد سيدي موسى وعفاف فنوح الأمينة العامة بيت الشعر الجزائري، وطالت كل من شيخ الشعراء الجزائريين سليمان جوادي، والمدير العام للديوان الوطني للثقافة والإعلام نورالدين بوقندورة، ونيابة عن أوبرا الجزائر بوعلام بسايح تسلم التكريم الأستاذ محمد بوعزارة، ونيابة أيضا عن المسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي تسلمت الفنانة القديرة فتيحة سلطان التكريم، وإلى جانب ذلك تم تكريم كل من الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وشركة مدار.
في رحاب الـشعرية الجزائرية والخطاب الـشعري
ومواصلة للفعالية، عرف اليوم الثاني جلستين علميتين تخللتهما قراءات شعرية، حيث جاءت الأولى تحت عنوان: “الشعرية الجزائرية وحضور الوطن” ترأستها الدكتورة سليمة مسعودي، ونشطها كل من الدكتور عبد القادر رابحي من جامعة سعيدة الذي قدم مداخلة بعنوان: “الشكل وسيلة لتغييب الموضوع.”، الدكتور احمد سعود من جامعة تبسة الذي رافع في مداخلته على “التجريب في الشعر الجزائري المعاصر”، الدكتور محمد صالح خرفي من جامعة جيجل الذي تطرق في مداخلته إلى “شعرية الوطن في الشعر الجزائري المعاصر”، والدكتورة فاطمة سيدر من جامعة الجزائر 2 التي تناولت في مداخلتها “حضور الوطن في الشعر الجزائري المعاصر” .
أما الجلسة العلمية الثانية التي وسمت بـ “الخطاب الشعري والأنساق المهيمنة” فقد ترأسها الدكتور فاتح علاق، رئيس مخبر الخطاب الصوفي في الأدب واللغة بجامعة الجزائر 02، وقدم فيها كل من الدكتورة سليمة مسعودي من جامعة باتنة1 “سيرة الوجود الشعري المعاصر من اليوتوبيا إلى - الدستوبيا “، وتناول الدكتور عبد الرحمان شاهد، مديرية التربية ولاية البيض “جدل الحقيقة بين الشعر والتراث” أما الدكتور لرقط الطاهر من جامعة النعامة فقد تحدث عن “تجليات سيد الشيخ في الشعر الثوري لمحمد بلخير”.
وبعد وصلة من قراءات شعرية تطرق المحاضرون في الجلسة العلمية الثالثة إلى “ تلقي النص الشعري الجزائري والأشكال الجديدة في الكتابة الشعرية الجزائرية”، وذلك من خلال مداخلات كل من الدكتور عامر محمد أمين من جامعة سعيدة “النقد الجزائري المعضلة والتأسيس”، الدكتورة آمال ماي من جامعة سعيدة التي ناقشت “الشعر الجزائري في التسعينيات شعرية الحبر والدم”، الدكتورة هالة فغرور من جامعة سطيف 2 التي تطرقت في مداخلتها لـ “سؤال المبنى والمعنى في الكتابة الشعرية الجزائرية”.
شعراء في رحاب المسرح
وبالموازاة، شهد اليوم الثاني عقب انتهاء الجلسات العلمية المبرمجة، تنظيم أمسية شعرية مشتركة مع المهرجان الثقافي الوطني للمسرح المحترف، وذلك على مستوى ساحة المسرح الوطني محيي الدين بشطارزي، أثثها نخبة من الشعراء الجزائريين، حيث استرسل الشاعر بشير غريب على غرار فاطمة سيدر وعاشور فني وغيرهم في قراءة قصائد عن الوطن والحب والجمال إلى غاية الساعة السابعة مساء وسط حضور لافت عجت بهم ساحة “محمد التوري” توصيات في الصميم.
فيما عرف اختتام الملتقى وبحضور النائب محمد مشقق، تكريم المشاركين والداعمين، وقبل ذلك قرأ الأستاذ سْلِيِّم دراجي على مسامع الحضور توصيات المهرجان، والتي شملت نقاط مهمة أبرزها: دعم الملتقيات الجادة المرتبطة بالشعر الجزائري، ومن بينها ملتقى راهن الشعر الجزائري الذي يساهم في الحفاظ على الهوية الجزائرية بكل عناصرها ومكوناتها، إلى جانب ترسيم مهرجان راهن الشعر الجزائري من طرف وزارة الثقافة والفنون كملتقى سنوي قار، وإذ تشمل اللجنة الدعم المقدم لإنجاح المهرجان فإنها تلتمس استمرار المرافقة والمزيد من الدعم والإمكانات المادية للوصول به إلى الأفضل، مع تخصيص وسام للشعر الجزائري، يمنح في كل طبعة لشاعر متميز، لاسيما جمع المداخلات العلمية وطبعها في كتاب يوزع في الطبعة القادمة من جهة، ومن جهة أخرى جمع النصوص الشعرية التي ألقيت في ديوان لكي يطبع ويُوزّع في الطبعة القادمة.