نظّمت جمعية “النبراس الثقافي والجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية”، تحت إشراف مديرية الثقافة والفنون لولاية سطيف، ندوة فكرية بمناسبة إحياء اليوم العالمي للفلسفة، قدم فيها الدكتور عبد الرزاق بلعقروز قراءة في كتابه “حقول الإصلاح في الفكر الإسلامي المعاصر”.
أشار الدكتور عبد الرزاق بلعقروز، إلى أنّ كتابه “حقول الإصلاح في الفكر الإسلامي المعاصر” يتناول بالشرح والتحليل جهود مجموعة من المفكرين والذين ـ حسبه ـ لديهم القدرة على إحداث نوع من الإصلاح النوعي بعيدا عن المفاهيم الفقهية والتاريخية.
وأوضح بلعقروز أنّ الكتاب يراهن على نوع من التوضيح لجهود المصلحين، لافتا إلى أن الإصلاح هنا ليس بالمعنى الفقهي أو التاريخي وانما اصلاح بالمعنى الفلسفي.
وذكر ذات المتحدث، أنّه حاول من خلال كتابه طرح آراء هؤلاء المفكرين، مشيرا إلى أنه لا يهتم بمحتويات أقوالهم بقدر اهتمامه بالبنية المعرفية والمنهجية التي جعلتهم بهذه الأوصاف، بمعنى أن اهتمام الكتاب ليس ما قاله مالك بن نبي والمسيري والفاروقي وغيرهم...وإنما بالعوامل التي ساهمت في تكوينهم، وأيضا الميزات المنهجية التي يتميزون بها.
وأكّد عبد الرزاق بلعقروز، أنّ الهدف البعيد من هذا الكتاب هو خلق نوع من الدليل التدريبي لكيفية إعداد مفكر يفكر انطلاقا من المناهج التي طورها هؤلاء المفكّرون، “بمعنى أن هدف الكتاب فضلا عن أنه معرفي، فهو أيضا منهجي تدريبي إلى تكوين جيل من مفكرين لديهم سمات ثلاثة هي: الاشتباك النقدي مع الفكر الغربي”، ليضيف “فهؤلاء المفكرون لم يكونوا ينظرون إلى الفكر الغربي كما لو أنه سقف المعرفة الإنسانية، وإنما كانوا يقرؤونه ليستكشفوا نسبياته، ويأخذون من مفاهيمه الأدوات والإجراءات التي تعينهم على حل مشكلات الواقع”، يقول بلعقروز.
ويضيف: “من السمات أيضا التي تميز هذا الصنف من المفكرين هو القراءة الذكية والمطلقة للموروث العربي الإسلامي، فلم يهتموا بالجدالات التاريخية والصراعات السياسية والمذاهب الكلامية، وإنما كانوا يرجعون إليها لإيجاد أدوات تساعدهم في علاج المشكلات الماثلة أمامهم”.
ومن ميزات هؤلاء المفكرين - بحسب ذات المتحدث - هي أنهم يدعون إلى حاجة العقل إلى إنشاء علوم جديدة، لذلك دعا مالك بن نبي إلى إنشاء علم جديد، وهو علم خارج نسق علم الكلام بمعناه التقليدي وخارج نسق مذاهب أو مدارس الزهد والتصوف.
وشدّد بلعقروز في معرض حديثه، على أنّنا أمام سمات منهجية نحتاج أن نحوّلها إلى دليل تدريب لشباب يريد أن ينشئ فكرا متوازنا وأن يتحقق بالإصلاح في دائرته الفلسفية. وبالتالي فإنّ الكتاب يطمح إلى توجيه جيل جديد من المفكرين نحو أساليب اجتهادية فاعلة، تمكنهم من التعامل النقدي مع الواقع المعاصر، محدثًا توازنًا بين الهوية الأصيلة والانفتاح الواعي على الفكر العالمي.
وعن اهتمامه بفلسفة القيم، قال بلعقروز بأنّه لا ينظر إلى الفلسفة بطريقة نظرية وإنما يحاول أخذ أفكاره من مشكلات الواقع، مشيرا إلى أن أعتى المشكلات التي تواجهنا هي مشكلة القيم.
وأوضح ذات الدكتور في السياق ذاته، أنّ المجتمعات التي لا تعطي أهمية للآداب والأخلاق مجتمعات لن تتحقّق بالنهضة، قائلا “هذه قاعدة علينا أن نعيها، وأن تكون بالنسبة لنا شيء صميمي في تفكيرنا، إذا لم نعمل بالقيم لن نحقق لا تغييرا جديدا ولا نهضة جديدة، ولن نحقق أي نجاح في أسرنا ولا في جامعاتنا ولا مدارسنا، كل أنساق المجتمع التي لا تولي أهمية للقيم لن تنجح في مشاريعها، لذلك اهتممت بالقيم من حيث المفهوم الفلسفي، ومن حيث الآليات التي بواسطتها تصبح القيمة سلوكي وواقعي”.
وأضاف: “أعتقد أنّ اهتمامي بالقيم يندرج ضمن حاجة المجتمع إلى تفعيل القيم، نحن ليست مشكلتنا مثل الغرب فَقَد القيم، نحن مشكلتنا أنّ القيم معطلة، نحن نعاني عطالة القيم بينما يعاني الغرب من فقدانها والفرق بينهما كبير، مشكلتنا هي تاريخية بينما مشكلة الغرب جوهرية، نحن يمكننا استعادة القيم من خلال التفكير في آليات تربوية وجمالية، وبذلك نستطيع إعادة بذر القيمة من جديد”.
وفي ختام الندوة التي عرفت حضور العديد من المثقفين والمهتمين بالحقل الفلسفي، تمّ تكريم الدكتور عبد الرزاق بلعقروز احتفاءً بجهوده البارزة في مجال الفلسفة، إذ يُعتبر شخصية مرموقة في الساحة الفكرية الجزائرية، حيث يشتهر بمعالجته لقضايا القيم في السياق العربي الحديث، من خلال كتاباته ومداخلاته الأكاديمية. وهذا الحدث يؤكّد دور الجمعية في دعم الشخصيات الثقافية وتعزيز الفكر النقدي.