نظّمت قرية “حوالحاج” ببلدية آيت يحي موسى في تيزي وزو، على مدار ثلاثة أيام “مهرجان العصا” في طبعته الثانية، بمشاركة عدّة عارضين يتفنّنون في حرفة صناعة العصا للديكور ولمختلف الاستعمالات اليومية.. حرفة توارثوها أبا عن جد، حيث يعود تاريخ بداية هذه الصنعة في قريتهم إلى سنوات أربعينيات القرن الماضي..
فعّاليات الطبعة الثانية لمهرجان العصا، هي تظاهرة ثقافية بأبعاد اقتصادية بنت جسورا بين الولايات، ما جدّد أواصر التبادل وأنعش تجارة العصا التي يعتبرها الحرفيون مصدر عيشهم الوحيد في هذه القرية التي كانت تفتقر لأبسط ضروريات الحياة في زمن مضى، ما أعطى المجال لظهور هذه الحرفة التي تفنّن فيها سكان القرية ورافقتهم سنوات طويلة كانت كافية لتربية أبنائهم وتعليمهم وإخراجهم من قوقعة العزلة التي فرضتها عليهم الظروف المزرية.
فقد كانت صناعة العصا مزدهرة إبان ثورة التحرير، وذلك بعد أن وجدت طريقها إلى هذه القرية، حيث اكتشفها أحد قاطنيها صدفة عندما قصد قرية “ثافوغالت” من أجل استكمال إحدى الصفقات التجارية التي كانت مبينة في وقت مضى على المقايضة والتبادل، وفي أحيان أخرى كانت تتم باستعمال النقود.
اكتشاف هذه الحرفة من طرف أحد السكان، استوقفته من أجل الاستفسار عنها ليخبروه أنّ القالب صنع خصيصا من أجل صناعة العصا التي تستعمل في عدّة مجالات، منها هشّ الغنم والاتكاء عليها خاصة بالنسبة للمرضى أو كبار السنّ، كما تستعمل كدلالة على الأخوة والقوة والاتحاد، لتكون انطلاقة تاريخ صناعتها في هذه القرية بعدما صنع أول قالب في هذه القرية والذي أثار اهتمام قاطنيها، وتنتعش تجارتها فيها، وتخرج خارج أسوار القرية إلى مختلف ولايات الوطن، خاصة المناطق الريفية التي تعرف برعي الغنم..
تحدّ وكفاح..
حرفة صناعة العصا في قرية “حوالحاج” بآيت يحي موسى، في ذراع الميزان، قصة تحدّ وكفاح خاضها حرفيو هذه المنطقة التي تتميز بغطائها النباتي الكثيف، وتتنوّع فيها الأشجار، ومنها شجرة “الزبوج” التي تعتبر المادة الأولية لهذه الصناعة التي احترفها سكان القرية لسنوات طويلة، وما تزال هذه الحرفة صامدة رغم مظاهر التمدّن وتغير معالم الحياة في هذه القرية، إلا أنّ السكان ما يزالون يحافظون عليها من الاندثار، لتبقى الحرفة الأولى بالمنطقة، فقد تحوّلت منازل السكان إلى ورشات لصناعة العصيّ بأسط الأدوات، لكن الصنعة تحتاج إلى عزيمة وقوة وصبر كبير، كونها تعتمد على الجهد العضلي طيلة مراحلها، ولقد أحبّ السكان هذه الحرفة التي ألبستهم أثواب الإصرار لمواصلة صناعتها والتمسّك بها، إلى جانب توريثها لشباب الجيل الحالي الذين يتفنّنون في صناعتها مع إدخال بعض التعديلات عليها، ليحوّلوها إلى تحف فنية يتسابق الزبائن في شرائها والتفاخر بها خلال النزهات، وحتى في الأعراس، حيث تظهر هذه العصا جليا في مختلف الرقصات على أنغام الأغاني الشعبية، كما تحمل دلالة العزّة والحكمة لكبار القرية، ويتوارثها أبناؤهم عنهم ويحرصون على الحفاظ عليها بتعليقها على الجدران، كي تبقى ذكرى خالدة من أوليائهم.
تاريخ وثقافة..
بين الثقافة والاقتصاد وميدان التسويق حكاية سنوات طويلة.. جسّدت خلالها تاريخ صناعة العصا، التي تحوّلت من حرفة يسترزق منها سكان قرية “حوالحاج”، إلى تاريخ وثقافة راسخة في الحياة اليومية للسكان الذين يتنافسون على أجود العصيّ، ما أعطى شهادة ميلاد لـ«مهرجان العصا” الذي انطلق من فكرة ضرورة حماية هذا الموروث الاقتصادي الثقافي وتوريثه للأجيال المقبلة، خاصة أمام رياح العصرنة التي عصفت بمختلف الحرف وغيرت الكثير من المفاهيم، لتختفي وتندثر العديد من الحرف التي تعتبر من بين الركائز والدعائم للثقافة الأمازيغية، لتكون هذه التظاهرة بمثابة ميلاد جديد لهذه الحرفة التي تصارع الزمن من أجل البقاء..
مهرجان العصا في طبعته الثانية، تحوّل من مجرد تظاهرة ثقافية إلى فضاء للعرض والتسويق، خاصة وأنّ هذه الحرفة تعتمد على طلبيات من مختلف الولايات، على غرار قسنطينة، أم البواقي، خنشلة، وهو الأمر الذي يعتمد عليه الحرفيون في تسويق منتجاتهم، ليكون هذا الفضاء فرصة للزّبائن والزوّار الذين قدموا لاكتشاف هذه الحرفة من أجل اقتناء وشراء العصا التي يرغبون فيها حسب الحاجة، كما وجد الزوار أنفسهم وسط كارفور للثقافة وأجمل التحف التقليدية، حيث تنوّعت معروضات هذا المهرجان الذي زيّنه الحرفيون بمختلف الصناعات التقليدية التي تنوّعت أيضا بين الحليّ التقليدية، الجبّة القبائلية، الفخار، ومختلف الحليّ والاكسسوارات، إلى جانب صناعة الصابون بالطرق التقليدية، العسل، والحلويات والأطباق التقليدية بأنواعها.