روى قصص الجدّات واحتفى بالكلمات الشّاعرة

مهرجان الأدب الـشـّفوي يستعيد ألق الموروث الشّعبي بتيزي وزو

تيزي وزو: نيليا - م

جاءت الطبعة الأولى من مهرجان الأدب الشفوي بتيزي وزو، في خضم عصرنة زاحفة على كل مناحي الحياة، كي يستعيد جلسات السمر التقليدية التي تتزين بالشعر والقصص في حلقة حول الكانون (الموقد التقليدي) خلال ليالي الشتاء العاصفة، أو في الهواء الطلق خلال فصل الصيف ولياليه، كي يستمتع أفراد العائلة  بحكايات وقصص الجدات.

 مهرجان الأدب الشفوي في طبعته الأولى بقرية “مزقان” ببلدية “ايلولا اومالو” ببوزقان، الذي نظمته الجمعية الثقافية “اناروز ثيسدنا” على مدار ثلاثة أيام، أسدل الستار عليه بعد سلسلة من النشاطات والمعارض حولت أزقة القرية إلى متحف في الهواء الطلق، اختلطت فيه الكتب والإصدارات الجديدة لمختلف الكتاب والشعراء بمختلف التحف والمصنوعات التقليدية، وكل ما جادت به أنامل الحرفيين الذين يجيدون الصناعات الحرفية المختلفة، وهذا ما زاد من جمال ورونق هذه التظاهرة التي تعتبر الأولى من نوعها في هذه القرية، التي ارتأت نساؤها إحياء والمحافظة على الموروث الثقافي اللامادي، وتكريم أحد اعمدة الفن القبائلي دحمان بلعيد، الذي قدم الكثير للأغنية القبائلية والأدب الشفوي.
هذه التظاهرة الثقافية أعادت الاعتبار للأدب الشفوي، وهو الهدف من هذا المهرجان حسب ما صرحت رئيسة الجمعية النسوية “اناروز ثيسدنان”، كريمة جاودي، التي عادت بذاكرتها إلى طفولتها وهي تجالس جدتها من أجل الاستمتاع إلى أجمل القصص التي بجعبتها، إلى جانب الأشعار والأمثال التي تلقى في مختلف المناسبات، والتي لحنت الكثير منها لتردد على شكل “ايشويقن” في التجمعات النسوية “اورار نلخلاث”، إلا أنه مع مرور السنوات ورحيل كبار العائلات وبداية غياب التجمعات في القرى - تقول محدثنا -  بدأ هذا الموروث الثقافي في الاختفاء والاندثار، وهو الأمر الذي تأسف له، فقد تربت في بيئة شعبية مشبعة بالآداب الشفوية التي تتناقلها الجدات والأمهات، وتحفظ سير الأسلاف عبر قصص مشوقة تجسد الحياة اليومية ونمط المعيشة عبر الأمثال والحكم والأشعار التي تناقلتها الأجيال عبر السنين، إلا أنه في الآونة الأخيرة لم يعد التراث الشفوي محل اهتمام، خاصة بين الأطفال والشباب الذين دخلوا عالم الاجهزة الإلكترونية مخلفين هذا الموروث ليواجه الاندثار.
وقالت جاودي: “فكرة تنظيم المهرجان جاءت من أجل إحياء الأدب الشفوي والمحافظة عليه من الاندثار، فيندثر معه تاريخ الأجداد الذين تركوا آثارهم على الجداران أو من خلال الأدب الشفوي الذي روى سيرهم التي خلدها التاريخ”.
الطبعة الأولى لمهرجان الأدب الشفوي كانت فرصة للقاء الأدباء والكتاب والشعراء، الذين تنافسوا على مدار ثلاثة أيام على جوائز مسابقة الأدب الشفوي، وعادت إلى مبارك اعمر المتحصل على الجائزة الأولى، ليندة جعفري التي حازت على الجائزة الثانية، وبلعباس نادية المتحصلة على الجائزة الثالثة، إلى جانب الجائزة التشجيعية التي فازت بها جبالي سارة في مسابقة الشعر الامازيغي.
وفي السياق، صرّح المشاركون في هذه المسابقة أنها “تعتبر بمثابة ميلاد ثان بالنسبة لهم، كونها منحتهم الفرصة من أجل إبراز مواهبهم وتقديم ما جادت بهم أفكارهم ومخيلتهم، وهم يخطون تلك الأبيات الشعرية التي تعبر عن مكنوناتهم، كما أنها تعتبر فضاء للتعريف بأعمالهم التي بقيت حبيسة الأدراج لسنوات طويلة، لغياب فضاءات ثقافية تعني بهذه الأعمال”.
وبذلك تأتي هذه التظاهرة الثقافية في طبعتها الأولى لتنفض الغبار على هذه الأعمال الأدبية، وتمنح الفرصة للأدباء والكتاب الواعدين لإبراز مواهبهم والمضي قدما في رحلة البحث في التراث الثقافي اللامادي وحمايته من الاندثار، وهو المغزى والهدف من هذه التظاهرات التي لقت صدى كبير لدى المختصين والادباء، وحتى الزوار الذين تجولوا طويلا في أزقة هذه القرية التي تحولت إلى مزار للزوار، ووجهة سياحية اجتمعت فيها كل العوامل من جمال الطبيعة الساحرة، والجبل الذي نطل من خلاله على القرى الأخرى، ناهيك عن المعارض التي خلقت ديناميكية اقتصادية، اجتماعية وثقافية اختزلت فيها كل الأشعار والأمثال، واورار نلخلاث، كما كانت القرية متحفا تلون بأجمل الأمثال التي علقت على مداخل كل حي من أحياء القرية، أعطى الفرصة للزوار لقراءة واستذكار العديد من الأمثال والأشعار، وبالتالي احياء هذا الموروث المهدد بالزوال.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19558

العدد 19558

السبت 31 أوث 2024
العدد 19557

العدد 19557

الخميس 29 أوث 2024
العدد 19556

العدد 19556

الأربعاء 28 أوث 2024
العدد 19555

العدد 19555

الثلاثاء 27 أوث 2024