تدعّمت المكتبة الجامعية بمؤلّف جديد يمثل لبنة مهمّة في حقل الدراسات اللّسانية المتخصّصة، وهو إضافة متميّزة للمكتبة العربية، للبروفيسور حبيب بوزوادة، من جامعة معسكر، بعنوان (أسئلة المعنى - مقاربات بلاغية تداولية).
قال البروفيسور حبيب بوزوادة، أنّ مؤلّفه الصادر عن “دار أجيال الرقمي بالعاصمة”، هو “ثمرة بحث علمي متعمّق، يطرح قضايا المعنى للبحث والنقاش من الوجهة النّظرية الرّؤيوية، ومن الوجهة التطبيقية الإجرائية، معتبرًا المعنى “نسغ اللّغة” وأساس وجودها، فلولا المعنى لما كانت اللّغة، ولولا المفاهيم لما كانت الكلمات، ولذلك يعتبر المعنى هو السؤال الأكثر إلحاحاً في الكون، وهو النّظام الأكثر تعقيدًا، نظرًا لطبيعته المجرّدة، وبنيته المتفرّدة، ولذلك كان المعنى/ الدّلالة من الموضوعات الشائكة التي طرقتها الفلسفة وعلوم اللاهوت عند اليونان والهنود، وتفاعل معها العقل المسلم لاحقًا ضمن قضايا المنطق ومباحث علم الكلام وعلم الأصول والتفسير وغيرها من حقول المعرفة”.
وأوضح صاحب كتاب “أسئلة المعنى”، أنّه يطرح من خلاله أسئلة المعنى بشكلٍ منهجي مؤطّرٍ، برؤية أكاديمية أساسها التحليل والشرح والاستدلال والاستنباط، أمام قارئ نوعيّ، يفترض أنّه طالب دراسات عليا، لذلك يراه صاحبه - لبنة مهمّة في حقل الدراسات اللسانية المتخصّصة، وهو إضافة متميّزة للمكتبة العربية، عالج فيه الكاتب مجموعة من القضايا ذات الصلة بالمعنى في (200) صفحة موزّعة على ثمانية فصول، أولها “المعنى والسياق”، الذي تحدّث فيه الكاتب عن استحالة وجود معنى لغويّ مستقلّ بنفسه، وإذا وُجِد فهو ناقص، بلا جدوى تداولية، لأنّ المعاني وليدة السياقات اللّغوية التي تنشأ فيها، ورهينة المواقف والحالات النفسية والاجتماعية والإدراكية، ولذلك يتطوّر المعنى ويتغيّر ويتجدّد تبعًا لهذه المحدّدات.
ويتحدّث الكاتب في الفصل الثاني من المؤلّف، عن “القرينة والمعنى في الخطاب الأصولي”، وتضمّن هذا الفصل جولة في مباحث أصول الفقه من خلال مدوّنة “مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول” للشريف التلمساني، الذي انطلق منه الباحث لتأكيد حيوية علم أصول الفقه، وأصالته في صياغة منهاجية متفرّدة في التعامل مع المعنى، لاستنباط الأحكام الشرعية والوصول إلى مراد الله سبحانه وتعالى، عبر التركيز على أهميّة القرينة في تحديد مقاصد الخطاب الشرعي، وما يتصل بها من الأحكام التي عليها مدار التكليف (الوجوب، الاستحباب، الإباحة، الكراهة، التحريم)، حيث لا يمكن الجزم بحكم من الأحكام بعيدا عن القرائن التي تقيّده وتضبطه، كما يتحدّث في الفصل الثالث من الكتاب، عن احتجاب المعنى في الخطاب الصوفي، نظرًا لخصوصيته وتميّزه عن الخطاب الشرعي ذي الطبيعة الاعتقادية أو الفقهية، فقد خصّص المؤلّف مساحة لهذا اللون الأدبي الفريد، انطلاقًا من شعر عفيف الدين التلمساني، بالتركيز على النظام الرّمزي الذي يتّكئ عليه هذا الخطاب، حيث ينتقل القارئ من المعنى إلى معنى المعنى، ومن التقرير إلى الإيحاء، من اللّغة الأدبية المعيارية إلى لغة ذات معجم خاصّ.
وينتقل الكاتب في الفصل الرابع من مؤلّف “ أسئلة المعنى”، إلى سيميائيات الثقافة لدى جماعة موسكو- تارتو، وفي هذا الفصل تحوّل المؤلّف من المدونة التراثية إلى المنجز النقدي المعاصر، حيث عرّف بإحدى أهم المدارس السيميائية، التي تميّزت في طرحها وفلسفتها ونظرتها إلى العالم والأشياء، حيث تعتبر الثقافة ركيزة أساسية لفهم الكون، وللتعامل مع الإنسان، عبر رؤية ثنائية (الثقافة/ اللاثقافة) التي تقابل (النصّ/ اللانص )، ثم يتحدّث عن سيميائية الفضاء المقدّس في الرّحلات الحجازية، في الفصل الخامس من المؤلّف، أين يركّز على الخطاب الرّحلي بوصفه خطابًا ثقافيًا عابرًا للتخصّصات (الجغرافيا، الأدب، الدين، التاريخ..)، من خلال مقاربة عنصر الفضاء بوصفه العمود الفقري للكتابة الرّحلية، وقد استعرض المؤلّف دلالات الفضاء المقدّس (مكة، المدينة، الكعبة، غار حراء، الأضرحة..) محاولًا الوصول إلى رمزيتها الدينية والنفسية والثقافية والاجتماعية..
وسلّط البروفيسور حبيب بوزوادة في الفصل السادس من كتابه، الضّوء على العلاقة التلازمية بين الخطابة بوصفها نصّا والحجاج باعتباره تقنية خطابية، منذ أرسطو إلى غاية التنظير اللساني المعاصر، من خلال خطبة الجمعة للبشير الإبراهيمي في مسجد كتشاوة، عقب إعلان استقلال الجزائر، حيث عرّف المؤلّف بالاستراتيجية العبقرية للإبراهيمي في إقناع المخاطبين واستمالة قلوبهم وعقولهم، من خلال منظومة حجاجية تتّكئ على العنصر الديني والأسلوبي والثقافي، ويعرّج في الفصل السابع على تداولية الخطاب النبوي من خلال ظاهرة الأفعال الكلامية في خطبة حجة الوداع، حيث قدّم الكاتب خطبة النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم- بوصفها نموذجًا متكاملا في التواصل الجماهيري، الذي يحمل رسائل ذات قيمة سامية دينيا واجتماعيا وإنسانيا، ولذلك امتزجت الكلمات بالأفعال، وامتلكت القدرة على التغيير والتأثير، عبر لغة تتعامل مع الإنسان وتتفاعل معه، وتؤثر فيه، وهو ما أكّده التحليل التداولي الذي يسلّط الضوء على الأفعال الكلامية في هذه الخطبة العظيمة، وانتهى المؤلّف في فصله الثامن، عند بلاغة الصورة في الخطاب الشعري، الذي يتضمّن مقاربة بلاغية سيميائية للصورة الأدبية في شعر الأمير عبد القادر، من حيث المكوّنات، وتقنيات التصوير، ودلالات الصورة، من خلال عدّة لوحات شعرية تعكس بنية النظام الجمالي للخطاب الشعري.
وأكّد الباحث في علوم اللّغة العربية، حبيب بوزوادة، أنّ مؤلّفه “أسئلة المعنى” سيكون حاضرا في صالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته القادمة، ليستعرض مضمون الكتاب العلمي أمام طلبة الدراسات العليا والباحثين في الدراسات اللّسانية، موضحا، أنّ كتاب (أسئلة المعنى) يقدّم محتوى معرفيا مختلفًا، حيث لا يركّز على الأنماط الشكلية للّغة، إلّا من حيث هي خادمة للمعنى، وأداة للتراسل بين مستعملي اللّغة، ولا يحتفي بالصيغة والشكل كما تفعل موجات النقد الجمالي والأسلوبي الذي يركّز في الغالب على سؤال الكيفية، بما يعيد للمعنى كرامته وهيبته، متتبعًا آليات تشكّله، ميلادًا وتطوّرًا واكتمالًا، ما يصنّف المؤلّف البحثي الجديد، في علوم اللّغة العربية، محاولة جادّة تنظر إلى المعنى بوصفه حوارًا خلّاقًا بين القارئ والنّص، عبر تفعيل كلّ الوسائل المؤدّية إلى رفع الستائر التي تلفّ المعنى وتحتويه.