قصـبة تنـس العتيـقة..

رحـلــة في رحاب تـاريــخ مجــيــد..

الشلف: و.ي. اعرايبي

شكّل الرصيد الثقافي والتاريخي لقصبة تنس العتيقة، وما يحيط بها من مواقع أثرية إحدى المزارات الهامة في الذاكرة الشعبية لسكان الناحية والولاية وعدّة مناطق من الوطن، بالنظر إلى الامتداد الحضاري الذي تبوّأته خلال العصور المختلفة من تاريخ الشلف.

  مواقع القصبة العتيقة ظلّت إحدى مراكز الذاكرة الأثرية في يوميات التنسيين وأبناء الولاية والزوار الذين يتردّدون عليها طوال السنة، خاصة في فصل الصيف، أين يغتنم هؤلاء موسم الاصطياف لجعل المواقع محجّا لمئات الوافدين على هذه الفضاءات التاريخية التي يعود تأسيسها إلى سنة 785 ميلادية من العهد الأندلسي الذي ترك بصماته في معالم المنطقة، وما تزال شاهدة على ذلك كما يقول المؤرخون والمثقفون والزوار الذين مرّوا بجوهرة البحر الأبيض المتوسط.

أبـواب المـديـنـة ومعـــالمهــا

من هذه المآثر، باب البحر بوسط المدينة، فهو من أهم  أجزاء سور المنطقة التي تضمّ  4 أبواب أخرى لا تقلّ أهمية عن هذه المواقع المشهورة، كـ«باب ابن ناصح” وبابي “القبلة” اللذان صمّما على شكل برج مراقبة لحراسة المدينة، وباب “خوجة” الذي تمّ تشييده من الحجارة والقرميد، بالإضافة إلى مادة التبن والتراب بهدف ضمان تماسكه ومتانته ووقوفه في وجه المؤثرات المناخية.
ولم تتوقّف ثراء الآثار بمدينة تنس الساحلية، بل تعاظم شأنها بوجود سلسلة من المساجد التي ما زالت شاهدة على عظمة عروس البحر الأبيض المتوسط، منها مسجد “لالة عزيزة” بجانب السوق بوسط القصبة. وقد حملت هذه التسمية نسبة لـ«لالة عزيزة بنت السلطان”، حيث مكّنت عمليات البحث من العثور على جرّة كبيرة سنة 1987 وبداخلها نقود كانت تمنح كهدية من السلطان لابنته بحسب المعلومات التي توصّلت إليها فرق الأبحاث.
أما المسجد الثاني، فهو مسجد سيدي بلعباس نسبة لأحد مدرّسي القرآن به، وقد بُني هذا المعلم الديني ذي الطابع العمراني الإسلامي بأعمدته الخشبية و3 قباب هرمية، في أواخر القرن 11 ميلادية، ولازال لحدّ الساعة قائما لحفظة القرآن الكريم.
ولعلّ الآثار التي تجلب السواح والزائرين مسجد سيدي بومعيزة الذي تأسّس في عهد الدولة الصنهاجية، ضمن حكم المعزّ لدين الله الفاطمي في القرن التاسع الهجري، بطابع معماري يزاوج بين الحضارية المشرقية والأندلسية والمغاربية، ويحمل النمط العمراني لمسجد دمشق والمسجد النبوي، يشدّه 39 عمودا جلبوا له من إحدى المدن الرومانية، لكن تبقى زخارفه مستوحاة من  الفن الإسلامي الأصيل، وقد عمدت الجهات المعنية بالقطاع إلى تصنيفه من المعالم الأثرية ذات الموروث الوطني سنة 1905.

القصبـة الـتنـسية.. رمـز الـتراث الأصـيـل

بخصوص المعالم الأثرية التي أخذت حيزا كبيرا في الذاكرة الشعبية لأبناء الولاية وسكان باقي الولايات، منارة سيدي مروان التي مازالت صامدة، حيث تم بناؤها سنة 1845 بهدف توجيه السفن وحماية الساحل التنسي.
هذا الموروث العمراني حظي بزيارات من طرف عدّة زعماء ورؤساء حسب السجل الذهبي المخلّد للزيارات، ومنهم جوزيف ستالين الذي حلّ بالمنارة، ووقف على جمال عمرانها وموقعها الاستراتيجي الذي يغطي المياه الإقليمية للبحر الأبيض المتوسط ليكون أحد المعالم الهامة بالمنطقة.
وبشأن هذه الأهمية خصّصت وزارة الثقافة عدّة عمليات ضمن البرنامج الذي رفعت عنه التجميد خلال زيارة الوزيرة مولوجي الميدانية، ويتعلّق بدراسة تكميلية ومناقصة إنجاز الأشغال الاستعجالية، وإعادة تأهيل مدينة تنس، بتخصيص مبلغ مالي قدّر بـ100 مليون د.ج. هذه العناية من الوزارة جاءت استجابة لمركز المنطقة وأهميتها التي حظيت بتصنيف خلال سنة 2007 ضمن المعالم التراثية والأثرية التاريخية..

الحــفــاظ علـى العمران.. واجـــب

لم يتردّد الزوار الذي التقيناهم بعين المكان، في إبراز دور سكان قصبة تنس والجمعيات والنوادي المحلية في الحفاظ على معالم المدينة الخالدة، وصون حصونها وركائزها وشوارعها الضيّقة وهندستها المتميّزة التي ظلّت خلال الفترات المتعاقبة تصارع جملة المؤثرات الطبيعية والبشرية.
وتبقى هذه المواقع الأثرية التي تمدّ زائرها بصفحات من التاريخ الزاهر للقصبة العتيقة بتنس، في حاجة إلى أبحاث وعمليات ترميم أخرى رغم ما حظيت به من اهتمام طوال السنوات المنصرمة الأخيرة، حسب ما استقيناه من سكان المنطقة وبعض الزوار الذين ثمّنوا هذه الإطلالة الإعلامية لجريدة “الشعب” على أحد معالم المنطقة التاريخية.

الـتـسـويـق الـثقافي..

إذا كان الشحن التجاري والاقتصادي ضمن عملية التسويق لبعض المنتوجات والعتاد عبر مينائها المعروف يحظى بالأهمية، فإنّ مكانة التسويق الثقافي لهذه الأثار من شأنه أن يجلب فضول الزوار ومحبي السياحة الداخلية بالوقوف الميداني على هذه المواقع من جهة، والعناية من الباحثين والمهتمين بالشأن التراثي والمعالم الأثرية التي من شأنها أن تدرّ بمداخل ومناصب شغل للمهتمين والمختصين بهذا القطاع المفتوح على الفضاء الطبيعي والعمراني بقيمه الثقافية والتراثية والأثرية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19546

العدد 19546

السبت 17 أوث 2024
العدد 19545

العدد 19545

الخميس 15 أوث 2024
العدد 19544

العدد 19544

الأربعاء 14 أوث 2024
العدد 19543

العدد 19543

الثلاثاء 13 أوث 2024