الدراما المصرية تعود إلى مجدها

سرايا عابدين..وجه آخر لتاريخ الحكم العثماني في مصر

تقديم: سليمة مليزي

يقف التاريخ أمام حقبة كان فيها الحكم العثماني في أوج حضارته ورقيه، من خلال مسلسل ضخم يؤرخ لفترة حكم الخديوى إسماعيل بن ابرهيم أبن محمد على، الذي تولى الحكم بعد وفاة محمد سعيد باشا من 19 يناير 1863 إلى 26 يونيو 1879.        
مسلسل «سرايا عابدين» من تأليف الكاتبة الكويتية هبة مشاري حمادة وبطولة الفنانة القديرة يسرى والفنان السوري قصي خولي وإخراج عمر عرفه..ومجموعة  كبيرة من الفنانين العرب.
يصور الحقبة العثمانية الحاكمة في مصر، تحت رعاية الأمير الخديوي إسماعيل، والذي منح المشاهد أبعادا أخرى لها أثرا عميقا عن طبيعة الدراما والشخصيات التي يقدمها مسلسل ملحمي، والذي تدور أحداثه في قصور سرايا عابدين التي تظهر من خلال المسلسل الفخامة في الأثاث والديكور لدرجة الخيال، بها سرايا ليست مجرد مبنى جميل بل جزء من تاريخ مصر وعالم درامي يعيش بين جنباته السادة والخدم بقصصهم الإنسانية الخاصة.
ويروي بعض من الأحداث الواقعية التي وردت في بداية المسلسل للتأكيد على أنه لا يرصد سوى قصص تاريخية تم معالجة ما يصلح منها على المستوى الدرامي وإبرازه مع الاستعانة بشخصيات بعضها كان موجودا والآخر لم يكن موجودا، وهي رسالة أرادوا إيصالها للمشاهد منذ الحلقة الأولى.
140 مليون جنيه «سرايا عابدين»
تكلَّف مسلسل «سرايا عابدين» 140 مليون جنيه، حسب تصريحات شركة الإنتاج، وهذا المبلغ يقارب خمسة أضعاف تكلفة بناء قصر عابدين نفسه قبل 151 عامًا، تكلَّف قصر عابدين الحقيقي 700 ألف جنيه فقط، بالإضافة إلى مليوني جنيه تم إنفاقهما على الديكورات والأثاث.
في عام 1863 طلب الخديوي إسماعيل من المهندس الفرنسى روسو، بناء قصر ليكون مقرًّا للحكم على أنقاض قصر صغير امتلكه عابدين بك الأرناؤوط وهو قائد عسكرى وسياسى خدم مع محمد علِى باشا، ومات قبل بداية بناء القصر بنحو 36 عامًا. اشترى إسماعيل باشا منزل عابدين بك من أرملته وتم تسمية القصر باسم «عابدين»، تكريمًا للقائد الذي خدم بإخلاص محمد علِى، أنقذ عابدين بك محمد علِى من مخطط لاغتياله حينما كشف له عن مؤامرة تستهدف حياته، وقاد حملة مصرية أرسلها محمد علِى لمحاربة الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، لكنه هُزم، لاحقًا أصبح محافظًا للمنيا ثم حاكمًا لدنقلة بالسودان.
الاتجاه العالمي في تقديم الدراما التاريخية يميل بشكل كبير إلى الالتزام إلى حد الوسوسة، بتفاصيل الواقع حتى يتقبَّل المشاهد خيال الكاتب الذي يقدم حوارًا بين شخصيات تاريخية، لا أحد يمكن أن يؤكد على وجه الدقة انفعالات شخصيات جلست وتحاورت في غرف مغلقة، لكن هناك صورًا وربما فيديوهات أو حتى آثارًا مادية لأثاث هذه الغرف وطرازها المعماري وألوانها التي توحي بأرقى قصور الملوك في العالم.
أداء الفنانة «يسرا» لشخصية «خوشيار» والدة الخديوي إسماعيل، والتي كانت الملكة الأولى الناهية والقوية والتي يعمل لها ألف حساب في تسيير السرايا، استطاعت الفنانة يسرى تقمص الشخصية بحكمة ودقة كبيرين، مما أضاف لمشوارها الفني تألق ورصيدا من الانجازات التي قدمتها في الدراما العربية.
هناك نقطة تثير الجدل في المسلسل أنه صورة طبق الأصل من المسلسل التركي «حريم السلطان»، يسلط  الضوء أكثر عن حياة الخديوي إسماعيل الرفاهية وجانب الحريم وصراع الجواري على الفوز بالخلوة مما أثار غضب العديد من النقاد، ومن بينهم نجل الملك فاروق الذي يطالب بوقف عرض «سرايا عابدين» لأنّه لا يمت للواقع بصلة حسب تصريحه.
«مغالطات تاريخية وجغرافية»
استنكر أحمد فؤاد نجل الملك فاروق، الأحداث التي تدور في مسلسل «سرايا عابدين»، والتي قال منتجوها إنها دراما مستوحاة من قصة حقيقية، مؤكدا أن المسلسل لا يمت للواقع بصلة، بل أنه مهين لذكرى رجل وطني عظيم أحب بلده وبذل كل ما في وسعه وطاقته لرفعة شأنها على حد قوله.
وقال فؤاد في بيان نشره على صفحته الرسمية بـ «فيس بوك»: أنه تابع المسلسل ظنا منه أنه سيكون منصفا لتاريخ الخديوي إسماعيل باشا، وإبراز أعماله وإنجازاته التي قام بها من أجلب الوطن إلا أن المسلسل امتلأ بالمغالطات التاريخية والجغرافية والخلط بين الشخصيات، مشيرا إلى أن هذا الأمر ينم عن جهل شديد بتاريخ أفراد الأسرة المالكة وبتاريخ الوطن.
وجاء في البيان أنّ المسلسل فيه اتهامات للخديوي ولبعض زوجاته بالقتل والتآمر والفساد وسوء الخلق، ولم يدخر وسعا أو جهدا في تشويه صورة الجميع لا لشيء إلا لإنتاج عمل تجاري رخيص لا يهدف إلا للربح المادي على حساب سمعة من رحلوا فلا يستطيعوا الدفاع عن اسمهم وشرفهم وذكراهم.
وأشار فؤاد إلى أنّ وضع عبارة «دراما مستوحاة من قصة حقيقة» في مقدمة الحلقات لا يعفي أصحاب المسلسل من المسئولية عن الإهانة المقصودة والاتهامات الكاذبة لأشخاص حقيقيين رحلوا عن عالمنا، ولكن لهم أحفاد وذرية لن تقبل بهذه الإهانات والاتهامات المخلة بالشرف ولن تسكت عنها.
وأهاب فؤاد بالسلطات التدخل لوقف هذه المهزلة التي تمس سمعة مصر وتاريخها وتخل بصورتها أمام أبناءها والأجيال القادمة التي سيرسخ في ذهنها ما جاء في المسلسل من أكاذيب مختلقة على أنها حقائق دامغة وإحداث ثابتة وتاريخ موثق.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024