تحتفل الجزائر على غرار كل الدول العربية باليوم العالمي للغة العربية المصادف لتاريخ الـ18 ديسمبر من كل سنة، وسط جدل كبير حول ضرورة الدفع بهذه اللغة إلى الأمام لتصبح كما كانت قبل قرون لغة للعلم والتواصل والمعرفة، حسب ما أكدته البروفيسور بجامعة محمد خيضر ببسكرة نعيمة سعدية في تصريح لـ»الشعب ويكاند».
تواجه «اللغة العربية» في يومها العالمي، حسب أستاذة قسم اللغة العربية بجامعة بسكرة نعيمة سعدية تحديات كبرى، علميا، وتكنولوجيا، وتواصليا، واقتصاديا، على مستوى التوظيف المؤسساتي والاستعمال اليومي، الأمر الذي دفع بالبعض إلى التسارع في تهميش دورها، والتشكيك في قدرتها على مواكبة هذا التطوّر، مع الكثير من المغالاة في ذلك، إضافة إلى التباهي بالانتماء إلى لغة أخرى، بحجة التطوّر، متناسين أن التطوّر الحقيقي للمجتمع وقوته من قوة لغته وقوة اقتصاده وتخطيطه لفرض هذه القوة.
وترى رئيسة أكاديمية العلوم والدراسات الاستشرافية بالجزائر نعيمة سعدية أن الرقي باللغة العربية لن يتحقق ذلك إلا باستراتيجية تواصلية عالية في كل المجالات، أي باللغة، نتعلم، نعلم، متثقف، نفكر، نعبر، نمرر.
تحوّل «الضاد» إلى لغة علمية
ويدرك الجميع حسب محدثتنا، حقيقة أنّ اللغة ظاهرة اجتماعية ونسق وإطار معرفي، يُجسد هوية وقيّما وافتراضات إيديولوجية ثقافية، تُساعد القرّاء في التعّرف على المعنى والتواصل ونقل المعارف، لحقيق التحكم الاجتماعي. ولقد أدى استثمار نتائج الرياضيات الدَقيقة والإعلام الآلي ونظرية الذكاء الاصطناعي، في ظلّ التطور التكنولوجي، إلى إنشاء علوم لها علاقة باللغة العربيَّة في مسايرتها للتطوُّر العلمي، وبعض العلوم القائمة على الرِّياضيَّات والقياس الكمِّي؛ فوجب على اللغة العربية مواكبة مستحدثات العصر والتقنية، وألفاظ الحضارة والمدنية، وأمام هذه الحقيقة والواقع الذي فرض نفسه، لابد من تكثيف جهود الباحثين في اللغة العربية لملاحقة التغيرات، بل ووجب تكاتف الجهود بين الباحث اللغوي والباحث في الإعلام الآلي والرياضيات وعلم النفس، وعلم الأعصاب، من أجل تحقيق نقلة نوعية تمكّن العربية من مسايرة هذه المتغيرات، وإدخالها العولمة، وتحقيق ما يسمى «اللغة العربية العلمية» وهذا لن يتحقق إلا بعقد توأمة بين المخابر وفرق البحث المتخصّصة في اللغة العربية ومشكلاتها، ومخابر البحث وفرق البحث في كل هذه التخصصات، بل وحتى علم الاقتصاد، والترجمة، في بحوث جادة ورصينة وفاعلة، تخدم لغة الضاد، والمجتمع.
من مسايرة هذه المتغيرات، وإدخال اللغة العربية إلى حقل العولمة، وتحقيق ما يسمى «اللغة العربية العلمية». وهذا لن يتحقق إلا بعقد توأمة بين المخابر وفرق البحث المتخصّصة في اللغة العربية ومشكلاتها، ومخابر البحث وفرق البحث في كل هذه التخصّصات، بل وحتى علم الاقتصاد، والترجمة، في بحوث جادة ورصينة وفاعلة، تخدم مصالح اللغة العربية، والمجتمع، ويؤكد أبناء هذه اللغة في هذه التخصّصات العلمية والإنسانية حقيقة الانتماء، ببحث برمجيات وأنظمة علمية تدفع غير الناطق بها إلى تعلمها، وبلغة الاقتصاد لغة المصلحة المشتركة.
1- من أكبر رهانات اللغة العربية الترجمة، التي هي نشاط إنساني، به تنقل المعارف والكشوف والعلوم، ليتحقق التطور الحضاري، والرقي الاجتماعي، وقد أسهمت الترجمة في خلق ارتباك مصطلحي وعلمي، سبب تراجعا لها في مجتمعها، ولعلّ ذلك يرجع إلى قصور دور المجامع اللغوية العربية، وتقصـــير الجـامعـات في ميـدان البحث العـلـمي باللغة العربية في كل التخصّصات العلمية والاجتماعية والإنسانية، وهنا وجب تفادي الترجمة الحرفية لأي كلمة أجنبية والاشتغال على ترجمة المعنى فقط، لتصل الفكرة، وتحقيق فعل التفكير الإنساني، المسؤول عن إنتاج الأفكار وتوليدها، لبناء فكر ومعرفة تخدم المجتمع، يحركها إنسان منتج، وهذا ما يمكنها من خوض مغامرة البحث العلمي الدقيق، من أجل الاقتراب من مساحات التفكير العلمي، وتشغيل القدرات الفكرية في اللغة من أجل إنتاج المصطلح العلمي في اللغة العربية في مختلف مجالات المعرفة. وهو دور منوط به للجان مختصة في مجامع اللغة العربية، وجب تفعيل هذا الدور، لفرض قوة لغوية اقتصاديا وعلميا.
2 - إن أزمة تعلم اللغة العربية لا تتمثل في حشد الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة إلى عالمها الذي يبدو مختلفا، ليس ذلك فحسب، بل إن أزمتها الحقيقة في انهزام أبنائها نفسيا أمام الزحف اللغوي الداهم، والعصف الذهني، واستسلامهم في مجال العلوم التكنولوجيا وقضاء التلاميذ ساعات عديدة أمام الكمبيوتر والإنترنيت للتسلية لا للتعلم، وهذا فعل ممنهج لطمس شخصية المتعلم في كل المراحل، وهنا وجب بحث استيراتيجية فاعلة للقضاء على ذلك، بوساطة مختصين في المجال وتحت وصاية الإدارة والهيئة الوصية، ليكون العمل مهيكل وجاد وفاعل وناجع. ونشير في هذا المقام، أي تعليم اللغة العربية، أنّ من أهم تحدياتها في ظل كل ما قلنا أيضا: العمل على نشرها في البيئات غير الناطقة بها، كخطوة استباقية فاعلة تضمن لها الحفاظ على ما حققته من انتشار. كما يعد تعليم اللغة العربية في ظل عصر الرقمنة داخل المؤسسات التعليمية من أهم القضايا والتحديات، التي شغلت بال الكثير من الباحثين في العديد من المجالات على اعتبار أن جميع أطفال العالم يمرون بنفس المراحل، وتتحكم فيها كثير من العوامل والآليات المختلفة حيث يعاني مجتمعنا اليوم أزمة حقيقية ألا وهي تراجع اللغة في حياتنا اليومية وإتباع الأساليب الجافة في تعليم اللغة العربية تؤدي إلى نفور الناشئة، ولا ريب أن استخدام اللغة الأم يضاعف من قدرة الطفل على التواصل بها، وأخرى تلبي حاجاته إلى التعبير عن تطورات العصر. ومن أجل تحقيق مشروع التحدي بالرقمنة، وجب تعريب تعليم الإعلام الآلي في الجامعات، والتعامل السلس للغة العربية عندهم ليتم صناعة برامج ومنصات عالمية بهذه اللغة، فما عادت تنفع لهجة التعاظم لها، بقدر ما يتوجب العمل بصمت وجد وصرامة وروح المجموعة من أجلها، لندع نجاح هذا العمل هو الذي يحدث الضجيج، بمنتهى الوعي والإدراك والفهم، مع استغلال حقيقي لما أفرزته البرمجة العصبية، واللسانيات العرفانية، والحفريات المعرفية اللغوية، وغيرها من العلوم التي تفيد في هذا المجال. وكما قلنا بداية، تواجه اللغة العربية، من طرف البعض، دعوى تخلفها عن مسايرة العلم والتطوّر المتسارع بما يحمله من تراكم معرفي، وعجزها عن اللحاق بالركب الحضاري والتنموي، والتكنولوجي، واتهامها بالعجز عن مواكبة التقدم العلمي والمعرفي، والقصور في احتوائه؛ والملاحظ فكرة العولمة اللغوية نجحت إلى حدّ ما في تمريرها حيث نجد العربية وإن كانت هي اللغة الرسمية في البلدان العربية إلا أنها همشت في معظم المؤسسات، ولا سيما تلك المدارس التي أصبح التعليم فيها حديثا إلكترونيا فهذه مستحدثات التعليم الجديدة ومعظمها تتمّ بلغة العصر اللغة غير العربية، فحلت اللغة الفرنسية وكذا الانجليزية محلها، فأصبحت العامل المؤثر على الأطفال، وعلى تخاطبهم
وتضع الدكتورة نعيمة سعدية 4 تحديات راهنة للغة العربية يتعين على الباحثين في هذا المجال وجوب إدراكها بغية تطوير اللغة أولها الترجمة، كأكبر رهانات، التي هي نشاط إنساني، به تنقل المعارف والكشوف والعلوم، ليتحقّق التطوّر الحضاري، والرقي الاجتماعي، وقد أسهمت الترجمة حسب سعدية في خلق ارتباك مصطلحي وعلمي، سبب تراجعا لها في مجتمعها، ولعلّ ذلك يرجع إلى قصور دور المجامع اللغوية العربية، وتقصـير الجامعات في ميدان البحث العلمي باللغة العربية في كل التخصصات العلمية والاجتماعية والإنسانية.
وبحكم تجربتها في تأليف مجموعة من الكتب الخاصة بالعربية وآدابها ترى البروفيسور سعدية أنه يجب تفادي الترجمة الحرفية لأي كلمة أجنبية والاشتغال على ترجمة المعنى فقط، لتصل الفكرة، وتحقيق فعل التفكير الإنساني، المسؤول عن إنتاج الأفكار وتوليدها، لبناء فكر ومعرفة تخدم المجتمع، يحركها إنسان منتج، وهذا ما يمكنها من خوض مغامرة البحث العلمي الدقيق، من أجل الاقتراب من مساحات التفكير العلمي، وتشغيل القدرات الفكرية في اللغة من أجل إنتاج المصطلح العلمي في اللغة العربية في مختلف مجالات المعرفة.
الانهزام النفسي أمام لغة الآخر
ويقع على عاتق اللجان المختصة في مجامع اللغة العربية، هذا الدور الهام، حيث يجب تفعيل هذا الدور، لفرض قوة لغوية اقتصاديا وعلميا، كما ترى سعدية أن التحدي الثاني لا يكمن في أزمة تعلم اللغة العربية والتي لا تتمثل في حشد الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة إلى عالمها الذي يبدو مختلفا، بل إن أزمتها الحقيقة في انهزام نفسي أمام الزحف اللغوي الداهم، والعصف الذهني، واستسلام في مجال العلوم التكنولوجيا وقضاء التلاميذ ساعات عديدة أمام الكمبيوتر والإنترنيت للتسلية لا للتعلم، وهذا فعل مُمنهج لطمس شخصية المتعلم في كل المراحل.
وكحل لهذا ترى سعدية إنه يجب بحث استراتيجية فاعلة للقضاء على ذلك، بوساطة مختصين في المجال، ليكون العمل جادا وفاعلا مشيرة، إلى أن أي تعليم للغة العربية، يقوم على العمل على نشرها في البيئات غير الناطقة بها، كخطوة استباقية فاعلة تضمن لها الحفاظ على ما حققته من انتشار.
كما يُعد تعليم اللغة العربية في زمن الرقمنة داخل المؤسسات التعليمية من أهم القضايا والتحديات، التي شغلت بال كثير من الباحثين في العديد من المجالات على اعتبار أن جميع أطفال العالم يمرون بنفس المراحل، وتتحكمّ فيها كثير من العوامل والآليات المختلفة حيث يُعاني مجتمعنا اليوم أزمة حقيقية ألا وهي تراجع اللغة في حياتنا اليومية وإتباع الأساليب الجافة في تعليمها فتؤدي إلى نفور الناشئة، ولا ريب أن استخدام اللغة الأم يضاعف من قدرة الطفل على التواصل بها، وأخرى تلبي حاجاته إلى التعبير عن تطورات العصر.
مشروع تطوير العربية بالرقمنة
ومن أجل تحقيق مشروع التحدي بالرقمنة، وجب تعريب تعليم الإعلام الآلي في الجامعات، والتعامل السلس للغة العربية عندهم ليتم صناعة برمجيات ومنصات عالمية بهذه اللغة، فما عادت تنفع لهجة التعاظم لها، بقدر ما يتوجب العمل بجد وصرامة وروح المجموعة من أجلها، لندع نجاح هذا العمل هو الذي يحدث الضجيج، بمنتهى الوعي والإدراك والفهم، مع استغلال حقيقي لما أفرزته البرمجة العصبية، واللسانيات العرفانية، والحفريات المعرفية اللغوية، وغيرها من العلوم التي تفيد في هذا المجال.
وتُلح سعدية على أن اللغة العربية تواجه فعلا، رفضا من طرف البعض، بدعوى تخلفها عن مسايرة العلم والتطوّر المتسارع بما يحمله من تراكم معرفي، وعجزها عن اللحاق بالركب الحضاري والتنموي، والتكنولوجي، واتهامها بالعجز عن مواكبة التقدم العلمي والمعرفي، والقصور في احتوائه؛ والملاحظ فكرة العولمة اللغوية نجحت إلى حدّ ما في تمريرها حيث نجد العربية وإن كانت هي اللغة الرسمية في البلدان العربية إلا أنها همّشت في معظم المؤسسات، ولا سيما تلك المدارس التي أصبح التعليم فيها حديثا إلكترونيا فهذه مستحدثات التعليم الجديدة ومعظمها تتمّ بلغة العصر اللغة غير العربية، فحلت اللغة الفرنسية وكذا الانجليزية محلها، فأصبحت العامل المؤثر على الأطفال، وعلى تخاطبهم وتواصلهم، فتراجعت - بذلك - اللغة العربية بحسب مخطط مدروس.
كما ترى الدكتورة سعدية أنه يتعين على الباحثين وجوب إدراك أن تطوير اللغة العربية ضرورة من ضرورات تطوير الحياة العامة، بمرافقة الإعلام الذي يُعدّ كثالث تحد لها كونه ركيزة مهمة تعتمدها الشعوب في إظهار تراثها وإبرازه، ومن هنا كانت العربية في الإعلام ذات سلطان متميز باعتبارها من وسائل التطوير في حياة الإنسان العربي وتنمية لغته، لكن هذه التنمية انزاحت إلى الجانب السلبي بدلا من الإيجابي بتوليدها مفردات وتراكيب لغوية مليئة بالخروج عن قوانين اللغة وأنظمتها المعهودة؛ فالوضع اللغوي في وسائل الإعلام، نتيجة طبيعية للوضع المتردي للعرب جميعا ولقد وصف هذا الوضع الأدباء والمثقفون فمنهم من وصفها بالاضطراب، ومنهم من وصفها بأنها «لغة مهللة متخلّفة» لا تكاد تُحَّسُ بين أبنائها، بالرغم مما تملكه من إمكانات ضخمة ووسائل متنوعة.
فعل اجتماعي وقوة تشكّل المجتمع والثقافة
وعليه تحتاج اللغة العربية إلى اهتمام السينما والمسرح والإعلام من أجل استحداث تكامل خدماتي بينها، مع ضرورة تيسير سبل تعليمها، في هذه المجالات، وتعليم قواعدها النحوية الصحيحة والسليمة، فالتطبيق أسبق من التنظير، وعقد دورات تكوينية من أساتذة متخصصين، في اللغة العربية وفنون وبلاغة الكتابة والإلقاء، وفي التدقيق اللغوي، ومنهجية البحث، وفنون الكتابة.
أما الرهان والتحدي الرابع فتؤكد محدثتنا أنه أمام الاعتقاد أن اللغة فعل اجتماعي، أوهي قوة تشكل المجتمع والثقافة، فقد تمّ رسم مشروع التمكين الممنهج للغة المستعمر، فتنشأ أجيال مرتبطة ثقافية وعلميا بلغته، وهذا ما يجب معالجته، وتجاوزه، بمنتهى القدرة والاحترام لقوانين الدولة والسيادة الوطنية وفي هذا الحال كان التعدّد والتنوع اللهجي، الذي راح يغزو المدارس، والمؤسسات، مع إهمال فكرة رئيسة، وهي أن هناك لغة واحدة علميا وعمليا، ألا وهي العربية.
وبما أن العربية مدعوة لأن تكون لغة تواصل حضاري فلابد من دخولها المنافسة في عالم يسعى إلى تغليب ثقافة القطب الأوحد، خاصة مع محاولة تعميم اللغة الانجليزية، لهيمنتها العلمية والمؤسساتية، فهي لغة العلم في نظر الكثيرين، في العصر الحالي.
وتؤكد سعدية في الختام أن التحديات التي يواجهها العالم اليوم والتغيير السريع الذي طرأ على جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، جعل من الضروري على المؤسسات التعليمية أن تأخذ بوسائل التعليم الحديثة، لتحقيق أهدافها، وقد أضاف التطوّر العلمي والتكنولوجي كثيرا من الوسائل الجديدة التي يمكن الاستفادة منها في تعليمية اللغة العربية وإعداد جيل على مستوى عال من الكفاءة قادر على مواجهة تحديات العصر، وتحقيق انغماس كلي للغة العربية في كل المجالات وواجبنا كلنا تهيئة الأرضية للغة عربية علمية، كلنا من موقعه مطالب بأداء واجبه مهما كان بسيطا، كلنا مجاهد، وكلنا مسؤول، للحفاظ على هويتنا ووطننا، ولا ننسى قوتنا في قوة لغتنا علميا واقتصاديا، وهذا تجسيد حقيقي لقوة الوطن.
في اليوم العالمي للغة العربية البروفيسور نعيمة سعدية لـ»الشعب ويكاند»:
قصـــور دور المجـامع وتــقــصـير الجــامــعات سبـب تـراجع الــلغـــة الـعــربـية
حمزة لموشي
شوهد:680 مرة