قدّم الفنان المسرحي العمري كعوان مداخلة مصوّرة حول «التسويق المسرحي بالجزائر بين الواقع المعيش والفرص الممكنة». كان ذلك في العدد الخامس والأربعين لمنتدى «فضاء الركح» لمسرح بسكرة الجهوي.
وتطرق كعوان في مداخلته إلى التوزيع المسرحي الذي اعتبره غائبا، غياب السياسة الثقافية في هذا الصدد، وهو ما لا يخدم المسرح فنانين وجمهورا، ويُبقي مختلف القاعات مجرّد هياكل بلا روح.
تحدّث كعوان عن مسألة التسويق المسرحي وتوزيع الأعمال والعروض المسرحية، وقسّم الموضوع إلى بابين اثنين: الباب الرسمي كما أسماه وهو المتعلق بوزارة الثقافة، وباب الجمعيات والتعاونيات والفرق الحرة.
فأما وزارة الثقافة، فنجد بها مديرية مركزية تهتم بتوزيع الإنتاج الفني، ولتوزيع مسرحية ما يتم تقديم طلبات بملخصها و»أفيشها»، والأماكن التي يراد عرض المسرحية بها، وتدرُس لجنة هذا الطلب الذي قد يُقبل أو يُرفض، وقد يتمّ قبوله بعد سنوات، أما المبلغ الذي سيتم الحصول عليه فاعتبره كعوان زهيدا جدا، ولن يتجاوز عدد العروض المسرحية خمس عروض حسبه. وتمنى كعوان أن تغيّر الوزارة طريقتها هذه التي «تضرّ بالفنان والقطاع المسرحي» كما قال.
وفيما تعلّق بالجهات التي تستقبل التوزيع، نجد مديريات الثقافة ودور الثقافة والمسارح الجهوية والبلدية، وبعض المراكز الثقافية التابعة لقطاع الشباب والرياضة. فأما دار الثقافة، فتستقبل العرض المسرحي في شهر رمضان، يقول كعوان الذي، وبطريقته الساخرة المعهودة، شبه المسرحي بحلوى الزلابية، التي ينتهي الاهتمام بها بانتهاء الشهر الفضيل.
ولن يتجاوز عدد العروض عرضا واحدا في دار الثقافة بولاية ما، وهذا لا يعني أنه سيكون العرض في ولاية أخرى مؤكدا، فالأمر متعلق «لا بجودة العروض وإنما بالعلاقات»، يقول كعوان، الذي اعتبر بأنه لو تعلق الأمر بجودة العرض فقط لما استحق أيّ من الأعمال أن يُعرض: «نحن نرى العروض التي تُوزّع، فلا مستوى لها ولا نص جيد ولا إخراج جيد ولا أداء جيد، ويتم توزيعها رغم ذلك، بينما هنالك بعض العروض الجيدة غير موزّعة».
وإذا كانت هذه حال دور الثقافة في الولايات، فإن القاعات البلدية يكاد ينعدم فيها التوزيع تماما، لأن آخر اهتمامات المجالس البلدية الثقافة والمسرح، وتعتبر أن لها أولويات أخرى. وكمثال عن المسارح التابعة للبلديات، ذكر كعوان مسرح سطيف الذي اعتبره من أحسن المسارح ولكنه يبقى «بدون روح».
وهنا رأى كعوان بضرورة أن تكون هنالك اتفاقية بين وزارتي الداخلية والثقافة، يتمّ بموجبها تسليم الهياكل الثقافية لوزارة الثقافة التي ستتحمّل مسؤولية تسيير هذه المرافق.
أما المراكز الثقافية التابعة لقطاع الشباب والرياضة فهي لا تهتم بالمسرح، يقول كعوان، و»لم نرَ فرقة مسرحية تابعة لمركز ثقافي ما»، رغم أن هذه من مهام المراكز الثقافية.
في المقابل، رافع كعوان من أجل الفرق الحرة، التي قال إنها تشتغل بلا دعم، فالمسرحيون العاملون في المسارح الجهوية يتقاضون أجرة شهرية، على عكس مسرحيي الفرق الحرة، كما انتقد كعوان فارق الإمكانيات المادية بين فرق المسارح العمومية والفرق الحرة، الذي لا يعبّر بالضرورة عن المستوى الفني، وفيما تستفيد الأولى من توزيع أعمالها، فإن العروض قد لا تتجاوز 25 عرضا فقط، والسنة التي بعدها يتم إنتاج مسرحية أخرىذ، يقول كعوان، فالمسرحية التي يُصرف عليها ملايين الدنانير يُفترض أن يشاهدها الجمهور العريض. وأشار كعوان إلى المسرحيات التي لاقت إقبالا كبيرا، وبإمكانها أن تُعرض على أقلّ تقدير في 48 ولاية، بل ويمكن أن تقدّم أكثر من عرض في الولاية الواحدة. وهنا تساءل كعوان حول عدم الاستفادة من هذه المسرحيات الناجحة بأكبر قدر ممكن، وعرضها لسنوات عديدة، رغم أن الجمهور يطلبها، بل ويمكن تصويرها فيما بعد ليشاهدها جمهور أكبر. في الجهة الأخرى، «وصل عدد العروض لمونولوغ لي 1385 عرض، وهو ما لم تقم به المسارح المدعّمة»، يقول.
واعتبر كعوان أننا لا نستفيد كما ينبغي من المواهب والقامات المسرحية التي تزخر بها البلاد، ومن الأسماء الكبيرة التي يغيّبها المرض والموت، والتي أعياها غياب التوزيع الذي طال أعمالها الفنية. «لا يوجد توزيع مسرحي، بل إن الإقامات الجامعية توزّع العروض المسرحية أحسن من المسارح ودور الثقافة والقاعات البلدية»، يقول كعوان.