كاكي .. قامة فنية تركت بصمتها على الركح

أعطى معنى مغايرا للاقتباس بالتفتح علـى المناهـج الغربيـة

أسامة إفراح

منذ انطلاقته قبل شهر من الآن، فتح منتدى المسرح الوطني الجزائري، عن طريق منصته الافتراضية، الباب على مصراعيه لنقاد وأكاديميين وحتى فنانين مسرحيين، من أجل التطرق لشتّى المواضيع ذات العلاقة بالفن الرابع، وهو ما حاولت «الشعب» مواكبته ونقلت بعض تفاصيله في مناسبات عدّة.. وبوصوله العدد الثلاثين، ناقش المنتدى موضوع «ولد عبد الرحمن كاكي: نحو تأملية أكاديمية»، الذي قدّمه الأستاذ ميلود طواهري.

في العدد الثلاثين (30) من منتدى المسرح الوطني الجزائري، شارك ميلود طواهري بمداخلة عنوانها «عبد القادر ولد عبد الرحمن كاكي.. نحو تأملية أكاديمية»، تطرق فيها إلى هذه الشخصية التي «صنعت الجدل الفني والمعرفي على حد سواء»، وممّا رآه فيه الدكتور أحمد حمومي، هو أنه «كان يرفض أن يوصف بأنه مدرسة رغم أنه فعلا مدرسة في المسرح، وكان يكتب وفق رؤية إخراجية وأجاد إدارة الممثل، وقد أبدع في المسرح الملحمي وأعطى معنى مغايرا وخاصا للاقتباس حيث وظف المناهج الغربية، فتولدت لديه رؤية.
واعتبر طواهري أن «الكتابة عن الفن والفنان في زمن الجحود المبرمج، عملية صعبة لكنها لذيذة، وهي ألذ ما تكون عندما يكون الحديث عن فنان ملأ فترة غير قليلة من حياته في الممارسة التراثية والفنية، والتخطيط لفعل مسرحي تغذيه موهبة متوقدة، وإصرار إلى غاية نبيلة: تطوير المسرح الجزائري واستمراره».
ورأى طواهري أننا، بالعودة إلى البدايات الأولى للمسرح الجزائري، «نفهم أن الرجوع إلى التراث كان أمرا محتوما. فعلالو، بعد فشل عروض جورج أبيض وطاهر علي الشريف، يلجأ إلى التراث (جحا، وألف ليلة وليلة)، كما أن علولة يلجأ إلى الشكل التراثي، الحلقة ليتصل مباشرة مع الجمهور بغية توعيته وتنويره».
وكان ولد عبد الرحمن كاكي يرى في المسرح «متعة جماعية، وحفل جماعي ((يتهيأ)) له الناس، وتطور المسرح الحقيقي يتمثل في النقاء». كما أن المسرح حسبه لا يعني فقط «بحثا وتنقيبا وتمثيلا و»كواليس» ومهرجانات ارتجالية الإبداعية... إنما المسرح دراية ودراسة متجددة وكتب وملتقيات وتحصيل علمي بالحصول على الشهادات العليا وامتلاكها، فالمسرح علم والعلم مكانه المعاهد والجماعات، والغوص في حقيقة الفن الرابع عن قرب، وبتجارب واقعية حية من المسرح التطبيقي ومن المسرح التجريبي معا»، ويضيف في اقتباسه: «أصبحت الأكاديمية في بلادنا مرادفا، للأسف، لعلم التأريخ للمسرح، أو في أعلى درجة منحصرة في سيميائية النظريات والمقاربات الدلالية»، وهو دليل آخر على ما أسماه «الفراغ الأكاديمي»، الذي «شارك في الوضع القاتم للساحة الثقافية المسرحية».
ورأى طواهري أن كاكي كان من الذين أسسوا لأكاديمية المسرح، وقام بتدريس المسرح في مختلف التجمعات الطلابية، أو ما يعرف بالجامعات الصيفية، إلى جانب مصطفى كاتب، ودعا من خلال الأكاديمية في المسرح، الشعبي منه بالذات، إلى العناية الفائقة بشكل ومضمون المسرحية، وأن لا يكون التنظير على حساب «العملية» المسرحية، تفاديا السقوط في إعلاء شأن الشهادة الأكاديمية على الخبرة المسرحية. فالأكاديمية هي «جهد وثمار التغيير الإيجابي، وتبنى الثقافة المسرحية انطلاقا من الفلسفة الإنسانية العريقة التي تدعو إلى العيش في اللحظة من خلال اكتشاف أسرار القوى الذاتية وتطويرها، وتفعيلها».
ومن أهداف الأكاديمية التي دعا إليها كاكي؛ إيجاد بيئة إيجابية لجميع أنماط المسرح، وتنشيط التفاعل بين طلبة جامعة المسرح وشباب فرق المسرح، بغية إحداث تأثير إيجابي في مجتمعاتهم.
كما كان كاكي، يقول طواهري، كثير الحرص على تعلم كل جديد نافع في مجالات المسرح المختلفة، ومجالات التطوير الذاتي، بصفتها بوابة التأثير في الوعي العام للمجتمعات، وصنع، من اللحظة، أفضل احتمال ممكن لنا ولمن حولنا، بالارتقاء على سلم الوعي الفني المسرحي، وجعل الركح مكاناً أفضل للإنسان انطلاقاً من قاعدة «التغيير يبدأ من الداخل». وخلص إلى أن «رسالتنا المسرحية هي إيجاد بيئة ديداكتيكية تفاعلية تجمع مهتمين في القوى المسرحية وتطوير الذاتية الفنية».
للتذكير، فإن ميلود طواهري أستاذ التعليم العالي لعلم الاجتماع بجامعة تلمسان، درس بالمعهد العالي العربي للترجمة، وجامعة إيفري بفرنسا، وله العديد من المشاركات في المؤتمرات والملتقيات العلمية الدولية والوطنية، ذات الصلة بالأبحاث السوسيولوحية في تعدد جوانبها من الثقافية إلى العمران فالبراغماتية.
كما أنه عضو في فرق ومخابر بحثية، وله مؤلفات في الترجمة حول مواضيع عن علم الاجتماع وقضايا الفلسفة، وله اهتمامات معمقة بالمسرح الجزائري مركزا على الممارسة من وجهة نظر البحث العلمي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024