للكاتب الجزائريّ محمّد الكامل بن زيد
«تجاعيد آسرة» هي مجموعة قصصيّة ضمّت تسعة عشر أقصوصة يمكن لنا تصنيفها بالقصص الواقعيّة حيث أنّها تجتمع كلّها حول عناصر توحّدها وتجعل منها قاسما مشتركا وهي المعاناة الإنسانيّة الوجوديّة،
إنّ مجموعة «تجاعيد آسرة» تتجاوز الزّمان وتكسر حواجز المكان فترسم لنا بلغة سلسة رغم بساطتها، آلام الإنسان أينما كان وفي كلّ زمان تقريبا بالنّظر لواقعنا العامّ إجمالا، فهي مكتنزة معان عميقة غاية في العمق...
إنّنا آلينا على أنفسنا تقديم هذه الملاحظات بعد القراءات المتعدّدة والمختلفة في الزّمان( من سنة 2016، بعدها سنة 2017 ثمّ سنة 2019 كآخر فترة ) وتأكّد لنا رسمها لكلّ الآلام في كلّ الأزمنة... وسنغوص في بعض اللّوحات الّتي قدّمها لنا الكاتب «محمّد الكامل بن زيد». مفردة: تجاعيد جمع «جَعْدَةٌ» كما في معجم «المعاني الجامع» يقال برزت تجاعيد في وجه الشّيخ ظهرت فيه غضون، ما ظهر على الوجه من خطوط وغضون سطّر العمر تجاعيد وجهه.
مفردة: آسرة، هذه التّجاعيد لم ترد في المطلق بل هي آسرة، أَسِرَ: قبض على شخص وأخذه أسيرا، بهذا المعنى نلمس أنّ الكاتب أراد القبض على خطوط العمر وتقديمها إلينا كمن نبش الغبار عن مشاعر مركونة أعطاها قيمة حين كتبها ولعمري هي كذلك.
«إنّها أثر أدبيّ نقف عنده لنزداد معرفة بالحياة» والكلمة للنّاقد «حبيب مونسي» فالمجموعة القصصيّة «تجاعيد آسرة» هي تجاعيد مفزعة وغريبة، هي رسوم قد يكون الكاتب عاشها لكنّها متّصلة شديدة الاتّصال بالإنسان أينما كان، بغضّ النّظر عن مكان إقامته، فكانت لنا رحلات من الجزائر إلى تونس ومصر وكذلك فلسطين وغيرها من الأماكن العربيّة الطّافحة أوجاعا...
وكان للطّفولة مكان مهمّ بين القصص فالكاتب لم يهمل تواجده المحوريّ بين سطوره، حيث بدا لنا في صور مختلفة، إنّه الطّفل الصّغير الّذي جرفته المياه إلى الشاطئ غريقا (ص 14) ودعوة للاهتمام بأطفال فلسطين حين قال: « سيّدي أيّها الصّحفي... يا من تملك القدرة على إيصالها إلى العالم... أرجوك أن تكتب بكلّ لغات العالم قصّتهم.» (ص 19)
ونجد حضور الابن، الأبناء، ابنتي، طفلتك الصّغيرة في قصّة «وجه كرتوني» ( (ص43 -44) وهو ما يبرز لنا قيمة العائلة عند الكاتب ومدى تعلّقه بهذا الراّبط المتين... وذلك ما يفسّر لنا في المقابل الخوف من الفقد، حيث يمثّل الرّهبة العظمى عنده فهو الّذي فقد عقله في قصّة «حلم، إغفاءة... للبيع، والخوف من فقدان الأمّ في قصّة السّتار (ص 34- 35) أمام هذه المرارة والخوف والحيرة الّتي تلبّسها الكاتب نجده قد كشف عن بعض الآمال والأمان لهذه الحياة المعتمة إن صحّ القول، فهو القائل: «ما زال فيّ ما يَفرحُ... ما زلت قائما.» (ص 46) وذلك لوجود السّند في الحياة: هو الابن، فهو الضّوء بما يرمز إليه من أمل ورغبة في العطاء والتّضحية في سبيله، فالكاتب يواصل تأكيد قيمة السّند خاصّة الأبويّ إذ يقول: « لم يجد حرجا في أن يبتسم ابتسامة تشبه ابتسامة والده من قبل.»(ص 11) رغم وقوف الآخر بلا حراك، فالآخر هو مصدر الوجوم والخوف لأنّه بلا قرار.
كما تبرز لنا قيمة أخرى بين هذه القصص: إنّها الضّحك والسّخرية من القدر مؤكّدة في قصّة «شفاه صغيرة « فبالرّغم من أنّه «الموت الحرّ» إلّا أنّه يبقى بصيص أمل... يشتاق إلى حكاية جميلة من الزّمن المرّ ( ص26).
على هذا الأساس، نستنتج أنّ الكاتب في «تجاعيد آسرة» يضع لنا أرجوحة لنعتليها، هي الأمل واليأس، الأسى والمعاناة، الظّلمة والضّياء، فبذلك يصرّ لنا «عيناي تحلم بأفق بعيد». أفق متماوج بين الماضي والحاضر، بين الجذور وما يرمز إليه من أصالة وتراث... وبين حاضر متّصل به لأنّه الواقع الّذي لا مفرّ منه، هو الصّراع بين قيم مندثرة تربّينا عليها وأخرى عمّت الأمكنة اليوم: كالفساد والحاجة والخصاصة...
«تجاعيد آسرة» مجموعة قصصيّة عبارة على مجموعة من اللّوحات الفنيّة لمشاهد طبيعيّة أعادت رسم الواقع وأجاد كاتبها الرّسم مستعملا لغة سلسة بسيطة يسهل على المتلقّي فهمها واستيعابها بما تحمله من دلالات ورموز وهو الشّاعر الّذي برع في الرّسم...
هل تراه يبحث عن واقع أجمل؟؟ هل تراه يسلّط الضّوء لإيجاد حلول؟؟ فهل من حلول فعلا؟ وتبقى «تجاعيد آسرة» بوّابة أخرى لنوافذ مترعة حكيا..