عرف المشهد الثقافي الجزائري، خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة كثرة الكتب الجامعية بشكل ملفت للانتباه من دون الاهتمام بمستوى النص عزّزه تسارع الكتّاب إلى إصدار كتبهم لأجل تسجيل مشاركتهم في المعرض الدولي للكتاب أوللحضور الرمزي والاستعراضي أولغرض البحث عن الشهرة في ظل كثرة دور النشر وغياب دور النقد .
أكد الكاتب والصحفي بن يوسف لخضر أن هذه الظاهرة لها مسببات تعود، بحسبه، إلى سهولة أن «يصبح لدى أي شخص كتاب مطبوع بسبب انتشار دور النشر، وغياب النقد وكذلك لجان القراءة الجادة للكاتب التي قد تربط بين القيمة الأدبية والجماهيرية للنص».
واعتبر المتحدث أن مسؤولية كبيرة تقع، اليوم، في هذا الشأن على عاتق «النقاد وأصحاب دور النشر، مشيرا أن هذه «الظاهرة « لن تصمد طويلاً، كما أن قراء بعض الكتب التي أصبحت اليوم الأكثر مبيعا وتتجاوز طبعاتها الرقم 10، هم من الفئة العمرية التي تجاوزت العشرين بقليل وبالتالي هذه الكتابات هي النموذج الأمثل للقراءة. وبعد زمن سيكتشفون ضحالتها، ومع ذلك لا بد من مناقشة «لماذا هذا الإقبال الزائد على الكتابة؟».
وأرجع لخضر سبب التهافت الكبير على النشر، إلى سيل الكتب والإصدارات التي شهدتها الساحة الثقافية في السنوات القليلة الماضية، وبالأخص في الرواية والشعر، الغث فيها أكثر من السمين». لكن في المقابل، يقول: تعالت «موجة كبيرة من الأصوات الرافضة لاستشراء هذه الظاهرة ؛ فقد نسمع صوت النقد من حين لآخر، في مختلف المنابر الثقافية، منذرا بخطورة استسهال الكتابة من قبل كل من هب ودب، وكذلك منوّها بجسامة التطاول على الأدب والإبداع من قبل أناس هم بعيدون عن هذا المجال بشكل كبير.»
ويعتبر المتحدث «الكتابة كمهنة للمتاعب»، قائلا : « عندما نصفها بهذا الشكل فإننا نضع الكاتب أمام مسؤولية كبيرة لا تجاه المجتمع فحسب، وإنما تجاه ذاته أيضا». وفيما يخص علاقة النقد بما ينجز، يضيف يوسف انه لا يمكن للعملية النقدية أن تساير هذا الكم الهائل من المنجزات الكتابية عبر جميع المستويات، على الرغم من الجهد المبذول من قبل النقاد في متابعة كل ما يمكنهم متابعته، وهذا ليس حديثا. وأشار الكاتب الى انه في العصور القديمة أيضا كان هناك الآلاف من الشعراء يقابله عدد متواضع من النقاد»، إذن فالعملية ليست سهلة ولا سيما بعد أن أصبح النقد في مساره الحداثي وما بعد الحداثي نصا آخر، بحسب أصحاب نظرية التلقي واستراتيجيات القراءة.»
وأوضح بن يوسف لخضر أن «المشكلة في الكاتب بقدر ما تكمن في القارئ الذي يبحث عن متنفس لعزلته وانهياراته أويبحث عن علاقات إنسانية قد أعدها فاشلة من الأساس نحو
الأعمال التي تتميز بالفقر الإبداعي والمعرفي واللغوي، وضعف الخيال، وانعدام الموهبة، وعدم التحكم في الأدوات الفنية للكتابة»، مشيرا إلى أن «من يفتح أي عمل من تلك الأعمال، يلحظ كم الأخطاء اللغوية والنحوية والمطبعية المرتفع، والزلات الفنية غير المقبولة، وغيرها مما تتسم به من سطحية في الطرح، واستغفال القارئ».
وحمّل المتحدث المسؤولية الكبيرة عن تفشي الظاهرة إلى النقد خصوصا وأن صوت النقد أضحى خافتا، بالكاد يسمع، باعتبار أن الكثير من النقاد الذين لا يقرؤون، ولا يكلفون أنفسهم عناء تتبع الإصدارات الجديدة. دون أن ننفي يقول: «وجود الكثير من الأعمال الجادة والمتميزة ولا يوجد من يكتب عنها! خاصة وأنه في السابق، بحسبه، كان النقاد يكتشفون المواهب والأعمال الجادة، وبالتالي يتحول الكُتّاب المغمورون إلى كتاب مرموقين بفضل النقاد، لكن المفارقة اليوم أن النقاد لا يقرأون ولا يكتبون، ولما يشتهر كاتب ما وترتفع مبيعات كتبه، يكتبون عنه مدحا أو ذما كي يخطفوا منه بعض أضواء الشهرة.
في سياق متصل يرى الكتاب «وجه آخر للمشكلة مرتبط بالناشر، خاصة وان نسبة مهمة، بحسبه، من دور النشر أضحت أشبه بالمطابع بمعنى تنحصر مهامها في طبع الكتاب واستلام مقابل مالي من المؤلف، ولا يهم إطلاقا مدى جودة العمل المقدم للنشر. في ظل تقاعس الجهات والهيئات المعنية عن القيام بمهامها وأدوارها في كبح هكذا ظواهر مرضية تضر بالكتاب والثقافة.
من جهة أخرى، يمكن بحسبه «الحديث عن شبكة العلاقات التي ينسجها أولئك المنتحلون لصفة الكُتَّاب، فالمعارف والمكانة الاجتماعية والفئة والطبقة التي ينتمي إليها هؤلاء، لها دور مهم في استشراء الظاهرة وشيوعها كل هذه الأسباب وغيرها، جعلت هذه الظاهرة تعرف انتشارا كبيرا وامتدادا تجاوز الحدود والأعراف» .