صدر مؤخرا كتاب جديد للناقد التشكيلي والكاتب العراقي عبد الرحمان جعفر الكناني موسوم بــ «الفن في حوار الأديان الأزلي» عن المركز الديمقراطي العربي بألمانيا، يتضمن بحثا دقيقا ورؤية مستحدثة وعميقة جاءت في شكل دراسة تكتسي أهمية بالنسبة للباحثين الأكاديميين والطلبة والقراء بصفة عامة، كونه يثير سلسلة من الإشكاليات المثيرة، ويقدم على ضوء البحث الجاد إجابات مقنعة بالدليل الساطع والحجة العميقة، حول العلاقة المشتركة تاريخيا بين الأديان في قاسم الصورة المشتركة ..وكيف تقاطعت في اعتماد الرموز البصرية. ويعتقد أن الدعوة لأداء العبادة في جميع الأديان تلتق في شكل واحد. وانتقى أعمال الفنان التشكيلي الجزائري محمد راسم والايطالي ميكائيل أنجلو نموذجا في بحثه ودراسته.
رأت النور دراسة جديدة مستحدثة تقدم إضافات جمالية ومعرفية، صدرت منذ أيام قليلة، تكشف عن العلاقة التاريخية بين الأديان مع الصورة عبر مراحل التاريخ، حيث قام الباحث بذكاء وجرأة في إثارة إشكالية ..لماذا اعتمدت الأديان الرموز البصرية للتعبير عن الدين؟ .. ولماذا لم تعتمد النص؟.. وهل فعلا الرمز الديني يعبر عن النص الموجود في الكتب المقدسة؟.. وفي عملية العودة في المسار التاريخي يقف على بداية استخدام الهلال كرمز، كون في الظاهر أن العثمانيين أول من استعمله، لكن ثبت أن أول من استعمله البيزنطيين، وأكد أن الصليب المسيحي في البداية لم يكن رمزا بل كان رمز سمكة أي عبارة عن قوسين. ويقوم الكاتب بتناول موضوع جديد يتمثل في القاسم مشترك بين الأديان في طرح قصة الخلق، من خلال مقارنة مدهشة بين أعمال الفنان التشكيلي محمد راسم الذي أبدع وخلد اسمه في فن المنمنمات والايطالي ميكائيل أنجلو. ويرى أن الخلاف أحيانا يكون في الديباجة فقط.
يذكر أن الكتاب يحمل قيمة جمالية وإضافة معرفية وفكرية، حيث توصل فيه إلى أن الدعوة لأداء العبادة في جميع الأديان تلتق في شكل واحد. مع حرصه على إبراز نقاط التقاط والاختلاف بين الأديان بشكل جد مشوق ومثير. ورسم ببراعة مقارنة لافتة في اختلاف التوجه في أعمال محمد راسم، ويتعلق الأمر في لوحته التشكيلية الشهيرة التي سحرت الغرب، والتي تحمل اسم «تاريخ الإسلام» ومكائيل أنجلو الذي رسم لوحة «قصة الخلق» بناء على قراءته لقصة الخلق ولسر التكوين، لكن راسم حوّلها إلى ميثولوجيا أي حكاية القصة. ولأن راسم في إبداعه اختصر بمهارة تاريخ الإسلام منذ نزول الرسالة السماوية. وعلى خلفية أن المنمنمة الإسلامية كانت لديها وظائف دنيوية توضيحية، حيث تقرأ النص الفكري والأدبي، وتجسده في صورة ليقترب من المدارك العقلية، بينما الأيقونة المسيحية أخذت وظائف دينية، أي تلك التي ارتقت إلى مستوى المقدس. الجدير بالإشارة فإن محمد راسم من خلال منمنماته، حمل روح الشرق في الفن التشكيلي العالمي أي طرح المشهد المحلي الجزائري ببعد عالمي سحر بها الأذواق، ويؤكد الكاتب أن محمد راسم جسد باحترافية عالية مبدأ الحوار والتسامح في فنه أي طرح لغة فنية إنسانية متكاملة أبهر بها العالم.
خلص الكاتب في بحثه إلى أن الإدراك العقلي يحتاج إلى مشهد بصري، ورسالات السماء نصوص مكتوبة تقرأ أو ترتل في طقس إيماني.. وكيف تحولت الدلالة النصية إلى دلالة بصرية؟.. أي تحوّل النص اللّفظي إلى مشهد بصري بفضل العقائديون الذين حوّلوه إلى مشهد بصري. ويقف بدقة على مسألة الرسالات السماوية التي جاءت نصوص مكتوبة.. فكيف جاءت الرموز البصرية التي تجسد الأديان على غرار الهلال؟ ويتساءل هل أدرك العقائديون أن الفن البصري قادر على إطفاء البعد الروحي الذي يتجلى في النصوص السماوية المقدّسة؟ وهل الرسالة التي تحملها النصوص المكتوبة لا يكتمل إدراكها عقليا، إلا إذا تجلّت في مشهد بصري مادي؟