مثّلت دور «جميلة بوحيرد» بامتياز
يقال إن الكبار لا يرحلون أبدا لأن أعمالهم تبقى خالدة في الوجدان، وفي هذا السياق تناولت قلمي وفتحت دفاتر الفن فكانت الصدفة مع أحد القامات الفنية العربية والتي زارت الجزائر في ديسمبر 2006 بمناسبة الذكرى 46 لمظاهرات 11 ديسمبر 1961 التاريخية، وهذا بدعوة من وزارة الثقافة ومنظمة أبناء الشهداء، إنها عملاقة التمثيل العربي ماجدة الصباحي التي غادرت الحياة في صمت مهيب في ١٦ جانفي الماضي عن عمر ناهز (89سنة) سنوات كانت حافلة بهذه القامة الفنية بالانجازات الدرامية المتميزة التي جسدتها ماجدة صاحبة الإبتسامة الجذابة، والآداء الدرامي الراقي حيث أبدعت أينما حلّت وارتحلت سواء فوق الركح المسرحي، أو أمام الكاميرا، وهذا بفضل قدرتها وتوظيفها للعمل الدرامي أمام كبار الممثلين وممثلات جيلها على غرار فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، محمود الميليجي رشدي أباضة، ومن الممثلات فاتن حمامة، مريم فخر الدين وآخريات، إنها نجمة التمثيل العربي والتي سميت ذات يوم بكوكب الشاشة العربية حيث دخلت التمثيل في سن مبكر وعمرها 15 سنة وانطلاقتها الحقيقية كانت عام 1949 مع أول مشاركة لها في فيلم «الناصح» من هنا بدأت النجمة ماجدة تشق طريقها نحو الابداع الدرامي والنجومية إلى أن سميت في ذلك الزمان «بأيقونة» الدراما الأصيلة أو عذراء الشاشة.
لقد تفاجأ عشاق هذه الممثلة المتميزة التي وافتها المنية، منتصف الشهر الحالي، بالقاهرة واسمها الحقيقي عفاف علي كامل الصباحي وتعتبر ماجدة من ألمع نجمات مصر في العصر الحديث في السينما المصرية والعربية، حيث بصمت في أدائها للأدوار المتنوعة، منها الرومانسية والاجتماعية والثورية على قلوب الملايين عبر المعمورة.
ولدت ماجدة في 4 ماي 1931 بطنطا -مصر وتحصلت في شبابها الدراسي على بكالوريا بالفرنسية، وأول عمل فني درامي قامت به في سن مبكر (فيلم الناصح) من إخراج سيف الدين شوكت مع اسماعيل ياسين وكان هذا عام 1949 من هنا ذاع صيتها وأضيئت شمعتها بعدها إعتلت النجومية بامتياز.
فيلم جميلة (58)
بعد نجاحها في التمثيل أمام عمالقة الدراما المصرية، انتهجت طريقا آخر وهو الدخول في مجال الانتاج التلفزي والسينمائي، حيث أنتجت العديد من الأفلام والمسلسلات، من هنا فضّلت ماجدة أن تبحث في دفاتيرها وتحّط الرحال في الجزائر حيث قامت بانتاج فيلم جميلة (58) الذي أخرجه المخرج الكبير يوسف شاهين وقامت ماجدة بالدور الرئيسي للمجاهدة جميلة بوحيرد، عن قصة يوسف السباعي وكتب الحوار المبدع نجيب محفوظ، وقد تمكنت ماجدة من تجسيد هذا الدور التاريخي بامتياز في السجن إبان الثورة التحريرية وشارك فيها الفيلم نخبة كبيرة من أعمدة الدراما المصرية، يتقدمهم الأسطورة محمود المليجي، أحمد مظهر، رشدي إباظة وآخرين.
لقد بصمت في انتاجاتها عدة أفلام على غرار «هجرة الرسول» صلى الله عليه وسلم ، «العمر لحظة»، «الميعاد»، وقد مثلت أيضا في عدة أفلام منها: «الأيام»، «ليلى»، وهي كثيرة تتعدى المئات.
كما لماجدة أيضا العديد من المسلسلات الإذاعية الهامة والتي كانت تقوم بأدوار مهمة فيها، في الإذاعة ما جعلها تلقب «عذراء الميكروفون والشاشة»، أو «كوكب الشاشة العربية»، نظرا لصوتها وآدائها المتميز في الإلقاء إذاعيا وتلفزيونيا في أداء الأدوار الراقية ذات البعد الاجتماعي والتاريخي.
تنوّعها في الدراما والتمثيل
مثلت أمام كبار الممثلين وأبدعت في الآداء الدرامي خصوصا في الخمسينات أين تنوعت أعمالها الفنية منها: الاجتماعية، والرومانسية والتاريخية، الدينية، ومن أشهرها «هجرة الرسول» صلى الله عليه وسلم 1953 و»أنسيت أني سيدة»، وكان آخر عمل فني للممثلة والمنتجة ماجدة الصباحي 1964، بعدها اعتزلت الفن نهائيا وبقيت تقوم بأجمل خدمة للمجتمع مع الكتابات المتواصلة ولهذه القامة ذات الفن الدرامي الراقي.
كانت ماجدة الصباحي أكثر الممثلات اللواتي لهن وزنا ثقيلا في الحفل الثقافي المصري والعربي، نظرا لقيمة هذه القامة وشخصيتها القوّية، فاختيرت في أكثر من مناسبة تكريمية عالية المستوى لتمثيل بلدها في عدة مهرجانات عالمية، وأسابيع الأفلام الدولية، اختيرت كعضو بالمجالس القومية المختصة، وتحصلت على العديد من الجوائز التقدريرية منها: جائزة مهرجان دمشق الدولي، برلين (ألمانيا) ، فنيسيا الدولي، جائزة وزارة الثقافة والإرشاد.