دافع الشاعر والروائي، شوقي ريغي، بإسهاب على شمولية الإبداع وانتقال القلم من جنس أدبي إلى أخر، معتبرا هذا تعزيزا للموهبة والمشهد الثقافي وتجارب على الأديب الخوض فيها لترسو قريحته في المجال الذي يمكنه الإبداع والإنتاج والتألق فيه أكثر.
أكد شوقي ريغي، في تصريح لـ«الشعب»، «أن تاريخ المزاوجة بين الشعر والرواية والمسرحية، قديم قدم الأزمنة والأمكنة، غير أن التساؤل عن هذا التمازج هو الذي لم يكن مطروحا من قبل، مستدلا بعدد من الأسماء العالمية في هذا الشأن على غرار فيكتور هيجو، لويس أراغون، فولتير، شيكسبير، غوتييه، بوشكين، سيرفانتيس، بوكوفسكي، جبران خليل جبران، إبراهيم نصر الله، جبرا إبراهيم جبرا، المنفلوطي، محمد ديب، كاتب ياسين، وغيرهم كثير.
كشف ريغي أنه قد تنتهي مساحة هذا المقال أو تخصص له صفحات الجريدة كلها دون أن يسرد واحدا من المائة أو أقل من الأسماء التي زاوجت بين الفنين الأدبيين المعروفين، وهما الشعر والرواية.
يعتبر صاحب الروائع الشعرية والروائية الجديدة شوقي ريغي، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار انفتاح تدخله على العكس تماما، فالشاعر وهو يلج عوالم أدبية كالرواية أو المسرح مثلا، لن يستطيع أبدا بتر رباطه الوثيق باللّغة، ولن يتخلى عن شعريته، وعلاقته بالحروف وموسيقاها وإيحاءاتها، فالقصيدة –بحسبه- تكسب من عبورها إلى المتلقي من بوابات أخرى، وتكسب حرية أكبر بتخلصها من النمط دون التوّرط في الجدل الدائم حول أحقّية قصيدة النثر في الوجود.
يفصل الشاعر ريغي أكثر في الموضع من موقعه كمهني، مشيرا أن الأمور تحسب فيه بحجم المبيعات، ورغم أن دور النشر مثلا قد أصدرت لشعراء من طينة حسن الأمراني، أحمد بوزيان، ناصر لوحيشي، نور الدين درويش، الأختين: ليلى ورقية لعوير، عبد الملك بومنجل، السعيد لعزيري، الأمين حجاج، عادل مغناجي، محمد كنتاوي، عراس فيلالي وغيرهم ممن لهم في الشعر باع، إلا أن الإقبال على المنتوج الشعري يكاد يكون معدوما مقارنة ببقية المجالات الإبداعية، وهذا ليس جديدا ولا بدعا في الجزائر دون سائر بلدان العالم.
تراجع الشعر وتقدم الرواية انعكاس للواقع الثقافي للجزائر
يرجع الروائي إلى أسباب إقبال الشعراء على الرواية، مؤكدا أنها كثيرة ومختلفة، فبعضهم يريدون تحقيق الشهرة كروائيين بعدما أخطأوها كشعراء، وهناك من يبحثون عن مساحة أوسع للتعبير، حرية أكبر، قراء من لغات أخر فالرواية لا تفقد الكثير عند ترجمتها عكس الشعر، وهناك من فعلها من باب التجريب، كما أن هناك من بقي وفيا للشعر لا يبدله ولا يجلب له ضرة.
يواصل ريغي الكاتب المسرحي التفصيل في الموضوع بالتأكيد أنه كثر الحديث عن تراجع الشعر وتحوّل الشعراء إلى طرق أخرى للتعبيرـ والحقيقة أن الذي يحلم بعودة التجاوب الجماهيري مع الشعر إلى سابق عهده إنسان عليه أن يستفيق، ويغسل وجهه، كون الشعر كان يختص قديما بكل ما يختص به صناع المعلومة الآن، الشاعر، الصحفي والمؤرخ والطوبوغرافي والمحامي والناصح والندّابة والخطيب والمهرج أحيانا، الشاعر كان ضرورة كضرورة التلفاز اليوم والجريدة والراديو والحاسب والهاتف، كان الناطق باسم الحكومات، والمفاوض، والسفير ووزير الخارجية، وهي جميعا وظائف فقدها من غير رجعة في ظل التخصّص العلمي والتطور المعرفي والتكنولوجي، وهو - منذ احتلت مكانه تلك التخصّصات- في تقوقع دائم وانكماش مستمر حتى لم يعد يعني ولن يعني شيئا، إلا لقلة قليلة، متسائلا هل خسرت القصيدة؟ ويجيب ريغي على تساؤله بالنفي، مشيرا إلى أنه في المقابل استولت قضايا الشعر الحقيقية سواء النفسية أو الإنسانية على اهتمام الشعراء وطردت كل ما هو دخيل.
القصيدة تربح والخاسر أجيال كاملة
فالقصيدة –بحسبه- تربح والشعر يربح لكن في اتجاه آخر. إنه يكسب في شعريته، وأصالته، ويربح في الارتفاع، وسيفاجئنا دوما بأسماء ساطعة من أمثال خالد بوزير، ماحي بلعيد، رياض بوحجيلة، مصعب تقي الدين، محمد بوثران، سميرة بن عيسى، آمنة حزمون، إلياس بن زيتون، عصام بن شلال وغيرهم ممن لا يختلف متتبعان حول كونهم إضافات لامعة وظاهرة في المتن الشعري الجزائري.
فالقصيدة تربح دائما لكن الضحايا حولها كثر، فالشاعر يخسر، هو الذي يتعذب مع كل حرف وعبارة ليتعذب ضعفا وهو يراقب قطع روحه المسكوبة في كلمات تذهب أدراج الرياح، والناشر يخسر وهو ينفض الغبار عن استثماره بعد كل معرض أو وهو يحاول إقناع صاحب مكتبة أن يعرض ولو نسخة أو نسختين من جديد شاعر ما، أما الخاسر الأكبر فيبقى القارئ المحتمل الذي سينشأ بروح جائعة، ويترعرع محروما من ناقد حقيقي يقوّم سلوكاته ويهذب قراراته وخياراته، ليكبر عرضة للاستلاب، مستسلما لأيادي العولمة الطويلة والكثيرة.
ويصّر ريغي على التأكيد على «أن الذي يحلم بعودة التجاوب الجماهيري مع الشعر إلى سابق عهده إنسان عليه أن يستفيق، ويغسل وجهه، وهذا لا يعني أن إرادة سياسية مدعومة بإعلام نزيه وحقيقي لن تسهم بشكل ملموس في الرقي بالذوق العام، مشيرا إلى أنه مؤمن كل الإيمان أن مختلف المشاكل مرتبطة بطريق أو آخر بواقع الجزائر الثقافي، فهو –بحسبه- لا يريد الوصول إلى استنتاجات غير بريئة، لكن الراتب الشهري للاعب كرة متوسط في فريق متوسط هو أربعة أضعاف جائزة رئاسة الجمهورية للإبداع الأدبي أو أكثر، تلك التي ينالها الأديب الجزائري مرة في حياته أو قد لا ينالها، وبذلك فالأستاذ ريغي لا يريد أن يتهم أيا كان لكن هذا هو الواقع، وظروف حياة وموت شعراء من طينة عثمان لوصيف وعمر البرناوي ومحمد الشبوكي وغيرهم من الأسماء التي نفاخر بها الأمم تقول أشياء مخزية وبطريقة سافرة، إذا توفرت الإرادة السياسية فكل شيء يصبح ممكنا، وسيعود الشعراء لدورهم في شحذ الهمم من أجل معركة البناء.