يرى الدكتور والأديب باديس فوغالي، أستاذ الأدب العربي، بجامعة الشهيد «العربي بن مهيدي» بأم البواقي، بأن توظيف آلية السرد يتطلب الاختمار الحياتي والوعي العميق بالقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع حتى ينجح المبدع في كتابة الرواية بمفهومها الصحيح، مشيرا من خلال الحوار الذي خصّ به «الشعب» إلى أن حاليا « نلاحظ انتشار نصوص سردية خالية من العمق والرؤية الفكرية والجمالية المطلوبة في هذا المقام.»
- «الشعب»: أضحى أدب الرواية مقصدا للكتّاب من مختلف الأعمار، لما تعود أسباب ذلك، وما هي نظرتك لهذا الواقع، بحسب تجربتك كإطار يحتضن الكثير من المواهب الشابة؟
الدكتور باديس فوغالي: الفن الروائي كان مقصورا على التراكمات والتجارب الخبراتية في الحياة، إضافة إلى الميل الطبيعي للسرد والحكي مع الوعي العميق بمختلف التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يعرفها المجتمع، فالروائي وهو يرصد هذه التحوّلات تتشكل لديه ملامح تجربة رواية أو روايات ومثل هؤلاء في الجزائر، عبد الحميد بن هدوقة، الطاهر وطار، رشيد بوجدرة، واسيني الأعرج، الحبيب السايح وغيرهم.
أما راهنا فقد صارت الرواية مقصدا لكل من يشعر انه يمتلك التحكم في السرد بعيدا عن الاختمار الحياتي والوعي الفكري والجمالي والثقافي والسياسي للمجتمع، لذا نلاحظ موجة من الشباب يحاولون الكتابة في هذا الفن على قلة التجربة والتراكمات الحياتية من هنا ظهرت نصوص سردية خالية من العمق والرؤية الفكرية والجمالية المطلوبة في هذا المقام، باختصار ليس كل من يوظف آلية السرد يمكن تصنيفه روائي في تصوري.
- كيف تقيّمون مكانة الرواية حاضرا ومستقبلا وبين الورقي والإلكتروني؟
في تصوّري يوجد تباين عميق بين الرواية الورقية والرواية الإلكترونية، حقيقة فيه اجتهاد من قبل رابطة كتاب الأنترنت العرب برئاسة الصديق محمد سناجلة الأردني ترافقه ثلة من المهتمين بهذا الحقل، غير أن مساعيهم في هذا الشأن وان كان لها حضورا فعليا مقبولا فإنه لا يرقى إلى الكتابة الورقية وبالأخص الرواية.
فالرواية الورقية تنتقل معك أينما ترحل وتحل وتعود إليها وقت ما تشاء وتقرأها مباشرة دون واسطة «خاصة كتاب الجيب» بخلاف الرواية الإلكترونية التي تتطلب شروط معينة لقراءتها.
- كان صوت المثقف ورسالته غائبين أو مغيبين خلال العشريات الأخيرة بالجزائر، هل من رجوع قوّي للنخبة حاليا في الحياة السياسية والثقافية؟
المثقف في الواقع لم يكن غائبا في أي وقت من الأوقات، السياسة المنتهجة خلال عقود من الزمن لم تقصد تغييب المثقف صراحة، إنما كانت ترمي إلى التقليل من إرادته في التغيير، بل وأحيانا تستغل المثقف لصالح أهدافها ومشاريعها بوعي منه أو بدون وعي وبهذه الآلية صار المثقف في يد السياسي يستخدمه، إن احتاجه يبعده عن القرار المصيري للبلد حين لا يحتاج إليه.
هذا الأمر في الواقع لا ينطبق على المثقف العضوي، غير أن هذا النوع من المثقف عندنا في الجزائر عددهم ضئيل جدا وركنوا إلى الاستئناس بالسلم والابتعاد عن أي مشكلة من المشكلات.
أما مع التحولات الجديدة التي يعيشها البلد صار للمثقف بعض الحضور والتأثير وأرى أنه سوف يتعمق هذا التأثير مع مرور الزمن فالسياسة لا تخدم المثقف دائما، مع التطلعات الجديدة قد تتحول السياسة إلى مكسب للمثقفين وحينها يصير للمثقف دور منوط به.