انطفأ نجم الفنان الإنساني محمد العماري بعد رحيله عن الحياة، لكن شعلة فنه ستبقى إرثا خالدا يسطع بالنور والعذوبة في الفن الجزائري الأصيل، انتقلت روح النجم والفنان الكبير محمد العماري إلى السماء، تاركا وراءه أثرا فنيا مهما وأثرا إنسانيا طيبا في قلوب محبيه، وكل من عرفه طيلة مساره الفني الطويل الذي امتد إلى عقود طويلة من الزمن. كان فنانا مخضرما و مكتملا، تجذب حفلاته ولقاءاته الاهتمام ويسجل فيها الإقبال الكبير والإعجاب المنقطع النظير.
صحيح أن الجزائريين ودعوا فنانا كبيرا و قامة تلامس موهبتها السماء، لكنهم لن ينسوا ابدا أغانيه القوية وستبقى ذاكرتهم تحتفظ باسم هذا الرجل الذي ينبع بالطيبة والكرم والحنان، ورغم أن بداية الراحل عماري كانت من العاصمة، على اعتبار أنه ابن حي القصبة العتيق، لكنه استطاع بفنه أن يأسر قلوب الجزائريين ليس في العاصمة وحدها بل شرقا وغربا وجنوبا وشمالا.
اسم العماري لا يمكن أن يغيب إذا تم التطرق إلى الفن الجزائري، ووزن العماري كفنان مكتمل ثقيل بوزن الذهب، لأنه من لا يتذكر صوته القوي الذي يصدح بنغمات شجية في أغانيه خاصة الشهيرة، حيث نذكر من بينها «رانا هنا « و»جزائرية، إذا إن مدرسة العماري لن تتكرر، لأنه الفنان المخضرم الذي عايش جميع مراحل الجزائر المستقلة، وتذوق ويلات مرارة الاستعمار، وصقل موهبته بعصامية، وشق مساره الفني بالغناء وسط العائلات والأحباب، حيث بدايته جاءت بسيطة من حيه ومختلف أحياء العاصمة، قاسم الجزائريين أفراحهم وأعراسهم، وبث الفرحة والحبور في كل مكان حط فيه، حتى صار ممثلا للفن الجزائري وسفيرا للأغنية الجزائرية في المهرجانات العربية والعالمية، فاتسعت شهرته في الوطن العربي وإفريقيا، خاصة بعد غنائه مع النجمة الإفريقية «مريم ماكيبا» في ثنائية لم تتكرر تقاطعت فيها قوة صوتيهما على ركح المسرح فألهبت الأذواق وسحرت القلوب في الجزائر والقارة السمراء بل كل المتذوقين للفن الأصيل الصادق في العالم.
إذا فقدت الجزائر ابنا لها وفقدت كذلك نجما وصوتا فنيا كبيرا جدا، صوتا لم تؤثر عليه السنوات ولا الشيخوخة، فبقي متألقا قويا معطاء ينافس أصوات النجوم الشباب، لكن المرض والتعب تمكن منه فسرقه منا للأبد، إذا غادرنا محمد العماري وداعا أخيرا على فراش الموت والمرض بمستشفى عين النعجة العسكري، لكنه سيبقى في التاريخ الفني الجزائري كأهم مطرب احترق في صمت وهدوء، وقدم كل ما عنده من إمكانيات فنية وخبرة المطرب الذي احتك بأكبر وأهم الفنانين و الملحنين الجزائريين، فكان مثل الذاكرة التي اختزلت مسار الفن الجزائري، بينما من الجانب الإنساني كان رجلا يسهل أن تحبه بسرعة ويشجعك على الاقتراب منه، فيصلك نصيبك من الكرم والطيبة، وليس غريب لأنه من رجل يفيض بالحنان.