بعد روايته الأولى «ابتسامات الموتى»، التي أصدرها العام الماضي، يعود إلينا حكيم شيخ بإصدار جديد، ولكن في مجال التنمية البشرية هذه المرة. «ماذا لو لم يكن لديك أصدقاء؟»، هو عنوان الكتاب وفي نفس الوقت السؤال الإشكالي الذي يحاول المؤلّف الإجابة عنه، بالاعتماد على ملاحظاته الخاصة، وكذا مهاراته المتعددة، وهو الحاصل على عدة شهادات منها تقني سامي في تسيير الموارد البشرية، وليسانس في العلوم القانونية والإدارية، وشهادة الكفاءة المهنية للمحاماة، كما أنه مخطط استراتيجي من الأكاديمية الأمريكية للتدريب والتطوير القيادي بدبي.
- «الشعب»: حدّثنا عن مؤلّفك الجديد.. إلى ماذا يتطرّق كتاب «ماذا لو لم يكن لديك أصدقاء»؟ وما هي أهمّ الأفكار التي راهنت عليها من خلاله؟
حكيم شيخ: «ماذا لو لم يكن لديك أصدقاء؟»، الصادر عن دار «أفق» للنشر والترجمة، هو رصد لخبايا المجتمع بطريقة تغوص في النفس البشرية، لتمنحها مزيدا من الثقة، وتخلصها من أدرانها ومشاكلها التي تتخبط فيها كنفس بشرية بحتة، بعيدة كل البعد عن العرق أو الدين أو اللغة، وما شابه ذلك من التصنيفات التي تفرق بيننا كبشر. لذلك يخاطب الكتاب الإنسان كإنسان أينما كان على الكوكب، ليمنحه قيمته الحقيقية، ويهديه مفاتيح الحياة الاجتماعية المتناغمة الخالية من الهزات والأزمات النفسية، وذلك من خلال رصد تجارب إنسانية عميقة جدا في المجتمع الجزائري.
كما أنه عبارة عن دراسة ميدانية دامت خمس سنوات، من خلال مقابلات مع أطياف عديدة من المجتمع كانت آنذاك تعاني من مشاكل أسرية وأخرى حياتية، رابطها الأساسي أنها كانت مشاكل في العلاقات بين البشر، فبدأت برصدها والخوض فيها ومتابعة نتائجها إلى استخلاص المغزى والفائدة منها، كتجارب إنسانية من حق الجميع الاطلاع عليها، فمن الجميل جدا أن نستفيد من أخطاء الآخرين، لأن الحياة لن تمنحنا الوقت الكافي للتجربة وأخذ العبر في كل مرة، فالتجارب كانت متنوعة بين التجارب القريبة لأناس عايشتهم وأعرفهم حق المعرفة، وآخرين كانوا في حاجة لفضفضة المشاعر والتخلص من المشاكل عبر الكلمات والحديث.
- كيف قسّمت كتابك لكي تقدّم هذه الأفكار إلى القارئ في أحسن صورة ممكنة؟
تحدثت في الفصل الأول عن استهلال العلاقات وتأسيسها، ثم انتقلت الى الحديث عن تعميق العلاقات والحفاظ عليها، إلى أن رسوت في المحطة الثالثة على العلاقة الأكثر عمقا وهي العلاقات الزوجية والحفاظ عليها، وكيفية حمايتها من الأعاصير التي تتربص بها على مسار الحياة، لذلك وجدتُ نفسي في النهاية أطرح السؤال بصفة عميقة جدا، حقا ماذا لو لم يكن لديك أصدقاء؟! وهذا من خلال ما لمسته من حقائق ومواقف للأصدقاء في حياة كل الذين أسسوا للكتاب لبنة لبنة، فقد كانت مواقف الأصدقاء في عقباتهم تلك الأثر الفارق والباب الذي كانوا يخرجون من خلاله من مشاكلهم.
- هناك من يرى في كتب التنمية البشرية فائدة كبيرة.. بالمقابل، هنالك من يرى عكس ذلك وبأن التنمية البشرية ليست بالدقة المطلوبة.. ما رأيك في هاتين الرؤيتين؟
إن القناعة جزء من تكوين شخصية الإنسان، فالأشياء التي يقتنع بها شخص ما لا يمكن أن نفرضها أو نعمّمها على أشخاص آخرين، فالناس الذين يؤمنون بأن للتنمية البشرية أهمية كبيرة، هم من هذا المنطلق لديهم إيمان عميق بذلك، وهو ما يساعدهم فعلا على الاستفادة منها وتبني الأفكار المندرجة ضمنها كأسلوب حياة على الأقل، وبذلك تكون قد فتحت بابا على مواضيع عميقة جدا تتعلق بالإنسان وتهتم به باعتباره العنصر الأساس في هذا الكون، هدفها تطويره وصقل تجاربه ورسم مستقبل أفضل له.
أما في ما يتعلق بالفئة الثانية التي ترى بأن التنمية البشرية ليست بالدقة المطلوبة فإنني أعلم وعن قناعة تامة بأن ذلك حقيقة لا غبار عليها، فنحن لسنا أمام منطق رياضي قح لا نقاش فيه ونتائجه مطلقة، بل نحن أمام نفس بشرية لها ما لها من المؤثرات الخارجية والداخلية، لذلك فإن الاستجابة تختلف من شخص لآخر، إلا أن الأشخاص الذي لا يؤمنون بشيء لا يمكنهم الإستفادة منه، فعنصر الإيمان والقناعة يدعمان الاستفادة، وأفضل دليل على ذلك تجربة الدواء المزيف، أو ما يعرف بحبوب البلاسيبو، وهي حبوب على شكل أقراص دواء، تم وصفها لمرضى على أنها دواء شافٍ، في حين أنها مادة غير مؤثرة تماما، لكن إيمان المرضى بأن الدواء شافٍ ساهم بشكل كبير في تعافيهم من المرض. لكن هذا لا يعني أن ما نجده في كتب التنمية البشرية من استراتيجيات ومبادئ هي مجرد أقاويل، وإنما هي تجارب حققت الكثير من النجاحات الميدانية.
- العام الماضي، أصدرت رواية وهذه السنة كتاب تنمية بشرية.. هل ستغير وجهتك السنة المقبلة أم أننا سنراك تختار مرة أخرى واحدا من هذين المجالين؟
الرواية التي أصدرتُ السنة الماضية بعنوان «ابتسامات الموتى»، كانت انتصارا للمجتمع الجزائري، وتأريخا حقيقيا بأسلوب أدبي، لواقع صوّرته كما هو دون تحريف أو تزييف.. صوّرت الفرح، والبراءة و»الحقرة»، وبساطة الجزائري ونخوته، ومعاناته وحمام الدم الذي سبح فيه، وما أنتجه في النهاية وما تركه في نفوس الذين عاشوا تلك الفترة.. تلك تجربة أعتبرها وفاء لوطن، وتأريخا لفترة خاصة من عمره.
أما هذا الكتاب الذي تحدثت فيه عن العلاقات، فأعتبره مفتاحا لقضايا ومشاكل عاناها ومازال يعانيها الإنسان أينما كان، وبذلك تكون الرواية خاصة بمجتمع بعينه، في فترة خاصة أيضا، أما الكتاب فهو يغوص في النفس البشرية من الداخل، ليخاطب الإنسان بكل أطيافه واختلافاته، لذلك تخامرني ثلاث مواضيع للكتاب المقبل إن شاء الله، فقد تكون رواية، أو الجزء الثاني للكتاب، وقد أخرج عنهما وأكتب عن سيكولوجية الطفل كون أنني أبحث في المجال حاليا، ولديّ أرض خصبة للاستثمار.