تمرّ الأيام والشهور والسنون وتبقى إلا الذكريات منقوشة في قلوب محبي الطرب الجميل وبه نتذكر ويتذكر معنا كل محبي عمالقة كبار الملحنين والمطربين من بينهم أحد القامات الخالدة في سماء التلحين والطرب والتمثيل انه وديع الصافي صاحب الصوت المتميز و الإبداعات في أداء الأغاني الخالدة على غرار أغنية « الليل يا ليلى يعاتبني ويقول لي سلم على ليلى) والتي نالت شهرة كبيرة. وديع ابن جبل لبنان ومطربها الأول الى جانب المطربة الكبيرة فيروز كسب الرهان هنا وهناك خاصة في قلب أم الدنيا مصر بفضل ألحانه الرائعة وأدائه المتميز الذي كان شرحا خالدا حيث برز في قلب لبنان وسطع نجمه الى أن سافر الى مصر، أين صقل موهبته الفنية باحتكاكه مع كبار الفنانين يتقدمهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي قال ذات يوم إن صوت وديع عبارة عن جرعة أكسيجين تنعش الذاكرة ليبقى وديع متميزا بصوته النادر في عالم الطرب العربي.
ولد بلبل لبنان الأول ومطرب العرب المتميّز وديع الصافي سنة 1930 وهو الابن الثاني ووالده بشارة يوسف جبريل وكان رقيبا في الدرك اللبناني، عاش وديع طفولته متواضعا يغلب عليها طابع الفقر في قريته ضواحي لبنان بعدها انتقلت عائلته الى بيروت (عاصمة لبنان) ودخل الى مدرسة ( دير المحلص) الكاثوليكية فكان الماروني الوحيد في جوقها، غيرأن حبه للفن وعشقه اللامنتهي للطرب خرج من المدرسة واتجه لتعلم قواعد الفن والطرب.
ان وديع يقال عنه انه كان ذكيا وجريئا في حياته وهوشاب ماجعله يقتحم مجال الفن عام 1938 وعمره (8) سنوات، حيث بدأ في التلحين البسيط والغناء عن طريق مسابقة ونجح من بين أربعين متسابقا، مما سمحت له هذه الفرصة ليدخل الاذاعة اللبنانية بأغنية « يا مرسل» للشاعر اللبناني ( المجهول ) وكانت هذه الأغنية بداية الانطلاقة لوديع، حيث مرّ أمام لجنة ثقيلة الوزن في ذلك الزمان، حيث كانت مكونة من كبار الملحنين اللبنانيين يتقدمهم ( خياط سالم الحلو).
شق طريقه بتأن
ثم تغذى وديع بنصائح كبار الملحنين والكتاب وبدأ يعتمد على نفسه وقام ببعض المحاولات الخجولة في التلحين يريد من خلالها ابراز هويته والتركيز على مواضيع لبنانية وحياتية ومعيشية كما لعب الشاعر :» السبعلي» دورا مهما في تطوير قدرات هذا المطرب القادم بخطى ثابتة في سماء الأغنية « الصافية» فكانت البداية مع أغنيتي «طل العصفور»، و»تكتك العصفور» في 1940 من هنا بدأت شمس لبنان تطل بحرارتها على وديع ليخرج من قوقعته الشاببية إلى مجال الغناء أمام الكبار.
كان هذا عام ١٩٤٤ حيث سافر وديع إلى مصر ليتعرف هناك على عمالقة التلحين والطرب على غرار محمد عبد الوهاب الذي تلقاه صدفة وكان هذا اللقاء بالنسبة لوديع في ذلك الزمان عبارة عن جرعة أكسجين أولية في حياته وهو يلتقي بعميد الأجيال الفنية فكان سعيدا بهذا اللقاء الحميمي وليس العملي.
1947 سافر إلى البرازيل
في هذا التاريخ فضّل وديع الصافي أن يقوم بتجربة حطّت به الرحال إلى البرازيل مع فرقة فنية، حيث أمضى هناك ما يقارب ثلاث سنوات، أحيا فيها العديد من الحفلات الفنية اللبنانية كتجربة خارجية في حياة فنان شاب له طموحات كبيرة للتذوق من كل كأس «رشفة».
بعد رحلة البرازيل عاد نجم الأغنية اللبنانية وديع إلى بلده لبنان وأطلق أغنيته الشهيرة «علوما اللوما..» التي نالت إعجاب المستمعين ومتتبعي هذا الصوت الذهبي الذي ذاع صوته عبر إذاعة لبنان وأصبحت هذه الأغنية عبارة عن جواز سفر فني لوديع في قلب لبنان وخارجه، كما كان أوّل مطرب عربي، يعنى بالكلمة البسيطة، وباللّهجة اللبنانية بعدما طعمها بموّال «عتابا» الذي أظهر فيه قدراته الفنية الكبيرة للعالم فإن وديع في أغلب أغانيه إذاعيا، أو تلفزيونيا، يقدم فيها دائما الممواويل الجذابة وهذا معروف عنه كمطرب متميز في ألحانه الخالدة.
مبدع الأغنية الصوفية
بحسب معلوماتنا وما سمعناه من محبيه وعشاقه والعارفين لخبايا هذا العملاق، فإنه عندما عاد إلى لبنان ابتكر (المدرسة الصوفية) نسبة إلى وديع الصافي والأغنية الشرقية التي تسير كالدم في عروقه، وتوظيفها بلهجة لبنانية معروفة.
بعد ترحال هنا وهناك وحبه للفن، لابد أن ننتبه إلى نقطة مهمة وهو دخولة القفص الذهبي فكان زواجه سنة ١٩٥٢ من السيدة ملقيناطانيوس فرنسيس وكان زواجه فاتحة نجاح في حياته الفنية من هذه الزوجة القريبة منه فأنجب منها ستة أبناء، منهم بدينا، ومرلين، وفادي، أنطوان، وجورج، وميلاد وكلهم يعشقون الفن اللبناني الأصيل والشرقي، نسبة إلى الأب الروحي لهم وديع الصافي.
ماذا قال عبد الوهاب عن وديع
في إحدى المناسبات الفنية الكبيرة بحضور نخبة متميزة من عمالقة الفن الأصيل ومنهم موسيقار الأجيال فكانت أجود الأغنيات تذاع من أغاني عبد الوهاب السينمائية أغنية (ولو) بصوت وديع الصافي وهو في ريعان الشباب، فتكلم عبد الوهاب مع من كانوا بقربه من غير المعقول أن يملك شاب هذا الصوت المتميز والجذاب فشكلت هذه الأغنية بصمة فنية إضافية وعلامة متميزة في مشوار وديع الذي تربع على عرش الغناء الذي يتميز به، لأن الشهادة كانت من الأب الروحي للأغنية العربية محمد عبد الوهاب الذي لقبه بصاحب الحنجرة الذهبية.
وديع رفع من المستوى الفني للأغنية اللّبنانية
في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين اللبنانيين من أجل النهوض بالأغنية اللبنانية، انطلاقا من أصولها الفلكلورية من خلال مهرجانات بعلبك الشهيرة وكان من بين هؤلاء العمالقة في تطوير وبعث الأغنية البنانية إلى الأمام المطرب والملحن وديع الصافي ونخبة كبيرة من فنانين زمان جيله على غرار الأبوين رحباني، وفيلمون وهبة وزكي ناصف، ووليد غليمة، وآخرين من ألمع الملحنين والغناء في سماء بيروت البلد العربي الملقب (بسويسرا والعرب).
بداية الحرب اللبنانية
ففضل وديع الصافي أن يغادر بلده في اتجاه أم الدنيا (مصر) ومن مصر إلى بريطانيا، ثم فضل الاستقرار في باريس ١٩٧٨ و كان سفره اعتراضا على الحرب الدائرة في لبنان مدافعا بصوته الشجي عن بلده لبنان والثقافة والحضارة فكان تجدد المغتربين اللبنانيين بوطنهم لبنان من خلال صوت وديع وأغانيه الحاملة للبنان وضعيته وهمومه.
أعمال الانسان في نظر وديع
خلال الثمانينات فكر في التنويع من الألحان والتأليف الموسيقي حيث بدأ بقوة وبألحانه الروحية نتيجة معاناة من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه واقتناعا منه بأن كل أعمال الانسان لا يتوّجها سوى علاقته مع الله لأن ما عاشه لبنان في تلك الحرب أثّرت على وديع الصافي نظرا لحبه الكبير للبنان هذا البلد الذي فتح له أبواب المجد والشهرة والنجاح.
يقولون أن أحس بتعب في قلبه لسنوات خلت لكنه بقي صامدا مستمرا في عطائه غير أن قلبه بدأ يتعب فأجبر للخضوع لعملية جراحية دقيقة وكان هذا ١٩٩٠ غير أن المطرب وديع لم يتوقف عن العطاء بعد العملية بل استمر في الغناء والتلحين، رغم تقدمه في السن وهو بعد سن التسعين من العمر، لأن الفن كان يسري في عروقه دون توقف.
رغم العملية الجراحية على القلب المفتوح إلا أن وديع فضّل أن يستمر في الغناء والطرب عبر مسارح بيروت، فعرض عليه عمل فني كبير لإحياء عدة حفلات غنائية وكان هذا الاقتراح من طرف المنتج اللبناني ميشال ألفتر باديس وقد قبل نجم الأغنية اللبنانية هذا العرض وحصد به نجاحا منقطع النظير أعاد بوديع أيام زمان شبابه في الغناء، كما أعاد وهج في مشواره الطويل من جديد.
شعراء وملحنون خالدون
غنى وديع للعديد من الشعراء الذين كان يعتز بقصائدهم الجذابة على غرار الشاعر اللبناني أسعد السبعاي، ومارون كريم، كما تعاون أيضا مع عمالقة التلحين العربي واللبناني أشهرهم، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش الاخوان رحباني، زكي ناصف، فيلمون وهبي، عفيف رضوان وآخرين.
بعدما تشبع بألحان هؤلاء العمالقة فضّل أن يدخل عالم التلحين من بابه العريض، لأنه كما يقولون هو أدرى بصوته المتميز لأن وديع معروف عنه في أغانيه ادخال المواويل (البيروتية والعربية) حتى أصبح مدرسة لجلب من بعده، حيث أصبح مدرسة قائمة بذاتها في التلحين والغناء يقتدى بها حيث غنى الآلاف من الأغاني والقصائد ولحّن منها العدد الكبير، وهذا بشهادة كل الذين عايشوا وديع الصافي هنا، وهناك، كما زار الجزائر في أكثر من مناسبة وغنى أحلى الأغاني أمام عشاق فنه في الجزائر وأبدى إعجابا كبيرا بالجزائر وشعبها العظيم، حيث غنى في قاعة إبن خلدون والمسرح الوطني.
وديع والمهرجانات الغنائية
كان وديع مطلوب بكثرة في المهرجانات الغنائية داخل لبنان وخارجه، حيث غنى في العديد من المهرجانات وهي عديدة ومتنوعة منها مهرجان بعلبك ١٩٥٩ والمسمى آنذاك مهرجان العرس والقرية كما غنى أيضا في مهرجان جبيل ١٩٦٠ ، ومهرجان فرقة الأنوار ١٩٦٠ / ١٩٦٣، ومهرجان الأرز المشهور في لبنان ١٩٦٣ ثم عودة الى مهرجان بعلبك ١٩٦٤ ومهرجان الوفاء ١٩٦٥ مهرجان الدين ١٩٧٠ / ١٩٧٢، وبعلبك ١٩٧٣ / ١٩٧٤.
بعدما نجح في أداء الأغاني الخالدة تهاطلت عليه بعض الأعمال السينمائية حيث مثل في أكثر من فيلم، من بينها ( الخمسة جنيه، غزال البنات، ليالي الشرق ١٩٦٥، موال، نار الشوق، مع المطربة، صباح ١٩٧٣ وأفلام أخرى مايعني أن وديع فنانا مكتملا غنائيا ودراميا.
كرّم وديع الصافي في أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق منها (٥) أوسمة لبنانية أيام كميل شمعون، فؤاد شهاب، سليمان فرنجية، إلياس لهراوي، كما نال دكتورة فخرية من جامعة روح القدس في الموسيقى، كما أقيم له حفل تكريم خاص بالمعهد العربي في باريس على شرفه بمناسبة (اليوبيل) الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية وكان هذا ١٩٨٩ وغيرها من التكريمات الراقية عبر الوطن العربي، والأوروبي تقديرا لمقامه الفني الراقي ونجاحاته الفنية الرائعة.
يحمل هذا العملاق أربع جنسيات مختلفة منها المصرية، والفرنسية والبرازيلية الى جانب جنسيته اللبنانية، الا أن وديع معروف أنه يفتخر دائما ( بلبنانيته) ويريد الصافي بقوله (إن الأيام علمتني ماأعز من الولد إلا البلد ( لبنان).
مات وديع.. لكن فنه بقي خالدا
خسرت الساحة الفنية العربية واللبنانية عملاق الغناء الجبلي يوم ١١ / ١٠ / ٢٠١٣ بلبنان المطرب صاحب الحنجرة الذهبية عن عمر ٩٢ سنة قضى أكثر من نصفها في الغناء والطرب فتوفي في أحد مستشفيات لبنان بعد صراع مع المرض، إنها قصة الفنان والمطرب المتميز وديع الذي غنى أعذب وأحلى الألحان على غرار ( الليل يا ليلى يعاتبني ويقول لي سلّم على ليلى) تبقى أغاني وديع الصافي منقوشة في قلوب وعشاق فنه الأصيل الى الأبد، إنه صاحب الصوت الذهي الذي عشقته الملايين وعلى رأسهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي قال ذات يوم من غير المعقول ان يملك شاب هذا الصوت، لأنه شكّل علامة متميزة في مشوار نجم لبنان وديع الصافي.
بطاقة فنية للفنان وديع الصافي
الميلاد 1 / 11 / 1921 بقرية
( نيجا الشوق)
الوفاة 11 / 10 / 2013 عن عمر (92 سنة) لبنان
سبب الوفاة: قصور في القلب
الجنسية: لبناني
الحياة الفنية
اللقب: صوت الجبل، الصوت الصافي، مطرب الأرز، عملاق لبنان
نوع الصوت: تينور
الآلات: عود وصوت
المهنة: مطرب وملحن
اللغة : العربية