الأفكار مشاع من حق المبدع أن يستلهمها..واقتباس مقطع أو مقولة يوجب ذكر صاحبها احتراما لأصل العمل
الإعداد إضافة جمالية للعمل..ولكن تبديل الأفكار تخريب وإهانة للكاتب وفكره
أنصح الشباب بأن يقتبسوا ولا يسرقوا فقد يتحوّل إبداعهم إلى تراث أدبي باسم بلدهم
يحدّثنا الكاتب والمخرج المسرحي السوري حسين كناني، في هذا الحوار، عن اللبس الواقع بين الاقتباس والترجمة والإعداد في المسرح. ويعتبر خرّيج جامعة دمشق أن بالإمكان استلهام الأفكار ومناقشتها والكتابة عنها، وهنا يكمن الجمال الفني والأدبي والتمازج بين الإبداعات بين كل العصور، ولكن اقتباس النص أو جزء منه دون نسبته إلى صاحبه الأصلي سرقة، كما أن تغيير أفكار النص خلال الإعداد المسرحي إهانة للكاتب. ويخلُص كناني إلى أن الأخلاق قبل القوانين هي الحائل الحقيقي دون السرقة الأدبية.
- الشعب: الاقتباس والتّرجمة والإعداد تعابير ومصطلحات بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة، وخاصة في المسرح..فما الذي تعنيه هذه المصطلحات؟ وإلى أي مدى يمكن أن تزيد أو تنقِص من جمالية النص الأصلي؟
حسين كناني: إنّ الاقتباس والترجمة والإعداد بمعناها الحقيقي تعتبر وسيلة حضارية لمتابعة التواصل الفكري والفني بين المجتمعات قاطبة، وبين الأجيال أيضا، ولكن بكل الأحوال فإنه يجب علينا ألاّ نغفل عن حقيقة مهمة، وهي أن من سيقوم بهذه الأشياء يجب أن يمتلك ميزات خاصة ومهمة، فيجب أن يكون ذا ثقافة عالية ومتمكّنا من مهنته ولغته، وذا خبرة كبيرة وواسعة في العمل الفني والأدبي، وأنا هنا أتحدّث عن الأعمال الفنية والاقتباس بمعناه الحقيقي، وهو أخذ مقالة أو مقطع لمبدع سابق ووضعه ضمن قوسين بهدف تأكيد فكرة ما، يناقشها المقتبس أو بهدف إضفاء جمالية جديدة على العمل الجديد، وهنا على المقتبِس أن يذكر المقتبَس منه احتراما لأصل العمل، فشكسبير مثلا وهومن أعظم كتاب المسرح في الدنيا أغلب أعماله مقتبسة من حالات أسطورية وقديمة وحكايا عبر الزمن الغابر، أخذها شكسبير ووضع لمسته وإبداعه في معالجة هذه الأفكار...لأن الأفكار أصلا هي مشاع، موجودة في كل زمان ومكان ومن حق أي كاتب أومبدع أن يستلهمها ويكتب عنها حسب ما يبدعه هوبمناقشة هذه الأفكار، وهنا يكمن الجمال الفني والأدبي والتمازج بين الإبداعات بين كل العصور، حين تتم مناقشة فكرة ما من العديد من الكتاب كل من زاويته وكل حسب إبداعه، فهاملت وقصته موجودة في كثير من البشر، إذن قصة هاملت ليست حصرا على شكسبير ولكن مبدع هاملت هو شكسبير..أنا أستطيع أن أرى هاملت من زاوية أخرى لم يتطرق إليها شكسبير وهذا إبداع آخر، وربما أستعير جملة هاملت «أكون أولا أكون» في عمل أدبي خاص بي، وذلك لتأكيد فكرة ما لي ولكن لا يمكنني القول إنني أبدعت هذه المقولة، إنما يجب علي أن أذكر أنني استقيتها من شكسبير بشكل مباشر أو غير مباشر.
- متى يكون الاقتباس حالة شرعية أو غير شرعية؟ وما تأثيره على النص الأصلي؟
سأطرح سؤالا هنا، وهو ماذا يعني اقتباس عمل مسرحي ثم تنسبه إلى نفسك؟ هذا شيء أعتبره سرقة مغلفة بكلمة اقتباس، فالعمل المسرحي لا يمكن أن تقتبسه وتغير به بعض الأشياء والجُمل ثم تقول هذا نصي اقتبسته عن فلان، لا لا. الحقيقة أن هذا نص فلان وسرقته أنت تحت مسمى الاقتباس..نحن يمكننا استلهام نص جديد من فكرة نص قديم ونبدع في إبداعنا الجديد، ويكون ملهمنا هنا ما اقتبسناه إلهاما من عمل سابق..وقد أنجزت أعمال كثيرة لكتاب عرب كبار، فسعد الله ونوس مثلا استلهم مسرحية «الفيل يا ملك الزمان» من قصص ألف ليلة وليلة، وأيضا استلهم «رحلة حنظلة من الحلم إلى اليقظة» من بيتر فايس في مسرحيته كيف «تخلص السيد موكينبوث من آلامه»، وهنا لا يمكننا نكران إبداع ونوس في هذين العملين، ولكن الأهم في موضوعنا أن السيد ونوس ذكر مصدري إبداعه..إذن اقتباس فكرة عامة لا يعتبر سرقة، ولكن أن تسرق إبداع شخص ما عالج قبلك هذه الفكرة تحت مسمى اقتباس، فهذا هو السرقة الحقيقية.
أما عن تأثير الاقتباس على النص الأصلي فهنا سأصحّح التسمية، إذ أن هذا الأمر يندرج هنا تحت مسمى الإعداد، وطالما أننا نتكلم عن المسرح فسنسمّيه الإعداد المسرحي، وهذا كسابقه يتطلب إنسانا مثقّفا متمكّنا لغويا وفنيا..والإعداد ضرورة أدبية وفنية وحالة جمالية، وهي عملية تحضير النص المسرحي إلى عرض مسرحي، وهنا نادرا ما يتفق المؤلف مع المعدّ، لأن المعدّ يضيء نقاطا في النص قد لا تكون مهمة بالنسبة للكاتب، أو بمعانٍ هامشية مكملة لفكرة، أو مفهوم أراد إيصاله، بينما يرى المعدّ أوالمخرج الذي يقوم بالإعداد أن هذه النقاط مهمة، كما يمكن للمعدّ حذف بعض الشخصيات التي يراها غير مهمة في العرض المسرحي، أو حذف بعض الصفحات بما لا يؤدي إلى تشويه فكر المؤلف الأساسي، ولكن يتم الحذف لضرورة العرض المسرحي، وبما يفيد النقاط والجماليات التي يرى المخرج أو المعدّ ضرورة إبرازها، وبكل الحالات إن لم يمسّ الإعداد بجوهر العمل وفكر المؤلف فهوإضافة جمالية للعمل، ولكن تبديل الأفكار أو المعطيات هوإهانة للكاتب ولفكره وإساءة لنتاج مبدع..وهنا لا يعتبر الأمر إعدادا وإنما تخريبا.
- في هذا السياق..كيف يمكن أن تكون الحماية الفكرية للإنتاجات الأدبية وسط هذا الزخم من التعابير والمفاهيم والمصطلحات؟ وهل تعرّضت أنت شخصيا في مشوارك إلى سرقة نتاج فني لك؟
في الحقيقة لا يمكن أن تكون هناك حماية فكرة كاملة، لأننا في عالمنا العربي حتى الآن لم نتفق أصلا على معنى الاقتباس، وما هي حدوده، فلكل منا وجهة نظره ومبرراته، لذلك غالبا ما يعتبر الكثير من النقاد والأدباء أن الاقتباس هو سرقة، وهذه حقيقة لأن من يقتبس لا يحترم خصوصية المنتوج الذي يقتبسه، وأصلا لا يعترف به، والإبداع في الاقتباس أصبح عملية نادرة، ففي آخر عمل لي اقتبست فكرته من كاتب جزائري تواصلت معه بعد كتابة عملي وأرسلت النص إليه، فردّ عليّ شاكرا لي وقائلا بأن الفكرة أصلا ليست له وإنما لكاتب عراقي قديم، والفكرة أصلا مشاع تعتبر حالة إنسانية، وهي العنف ضد المرأة. المهم أنني تابعت كتابة العرض المسرحي لممثلة وكنت أتناقش معها كونها امرأة حول أي قضية يمكن إثارتها لأستلهم منها إحساس المرأة..لكن للأسف حين قدمت الممثلة ملف الدعم قامت في غيابي بتبديل الورقة الأولى لتضع اسمها بأنها صاحبة الفكرة، وحسب ما فهمت تم شطب اسمي من النص، وأنا بطبعي حين أكتب عرضا مسرحيا لا أصيغ النص المسرحي أدبيا إلا بعد تقديم العرض، كي يكون المنتوج تشبّع بكل ما يمكن أن يزيده عمقا وجمالية، بمعنى أنني لم أسجّل النصّ في حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ولكن لدي الأدلة التي تثبت كتابتي للنص وكيف كنت أرسله عبر المسنجر..ما أريد قوله هنا أن المانع الحقيقي للسرقة هوالأخلاق قبل أية قوانين يمكن أن توضع، فالتلاعب بالقوانين أمر سهل جدا، ولكن حين تمنعك أخلاقك فلن تقوم بهذا الفعل الشائن.
- ما يمكن ملاحظته هو اعتماد الفنانين الشباب كثيرا على الاقتباس..فماذا تقول لهم حتى لا يقعوا، عن غير قصد، في الغلط؟
أريد أن أقول للشباب الصاعد والواعد استلهموا ممّن سبقكم واقرؤوا وتعلّموا واستنبطوا من واقعكم، ولا بأس أن تعتمدوا على من سبقكم لتبدعوا إبداعا جديدا وجميلا وخالدا، ولا تستسهلوا الأمور لمكسب آني ومرحلي، والإبداع يكتمل وينمو وينضج في ظل الثقافة العالية والاطلاع الكثير والقراءة والتعرّف على إنتاجات الغير..اقتبسوا ولا تسرقوا، اقتبسوا وأبدعوا، فما تقتبسونه بإبداع وصِدق يمكن أن يتحوّل إلى تراث أدبي باسم بلدكم يوما ما، والله الموفق.