سيتم عرض لوحة «نساء الجزائر في غرفتهن»، واحدة من أهمّ لوحات الفنان الرومانسي الفرنسي أوجين ديلاكروا، بعد غد الخميس بمتحف الفنون الجميلة في هيوستن الأمريكية. المثير أكثر في الأمر هو أن هذه التحفة الفنية، عادت مرة أخرى إلى الظهور بعدما كان يُعتقد أنها ضائعة لمدّة تقارب 170 عامًا. وتعتبر هذه اللوحة النادرة، التي جمعت بين اللمسة الرومانسية والاستشراقية، النسخة الأولى للوحة الأشهر التي يعرضها متحف اللوفر تحت نفس العنوان.
استطاع متحف الفنون الجميلة في هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، أن يضيف إلى مجموعته الفنية لوحة نادرة وشهيرة للرسام الفرنسي من القرن التاسع عشر أوجين ديلاكروا Eugène Delacroix (1798 ـــ 1863). اللوحة التي تحمل عنوان «نساء الجزائر في شقتهن» (1833 ــــ 1834)، والتي تم شراؤها من رواق «باريس فيليب مينديس» مقابل مبلغ لم يكشف عنه، كانت في عداد المفقودات، وظلّ يُعتقد أنها ضائعة لقرابة 170 عاما، بحسب ما نشره الموقع المتخصص «آرت نت نيوز Artnet news».
أضاف الموقع أن اللوحة المفقودة اتضح فيما بعد بأنها كانت مخبّأة في مكان عادي في شقة بالعاصمة الفرنسية باريس، لجامع فني كان يشتبه في أن اللوحة هي من إنجاز ديلاكروا، واتصل الجامع بمينديس السنة الماضية 2018 للتحقق منها وتأكيد أصالتها. وصادقت عليها الخبيرة في أعمال ديلاكروا فيرجيني كوشي فاتيغا، بأنها عمل من توقيع ديلاكروا، وذلك بعد بحث مكثف ودراسة باستعمال التصوير الإشعاعي.
ودائما بحسب ذات الموقع، فإن هذه اللوحة هي النسخة الأولى من اللوحة المعروضة بمتحف اللوفر، والتي تحمل نفس الاسم. وفي هذا الصدد، قال غاري تينتيرو، مدير متحف هيوستن للفنون الجميلة، إنه «بعد شهور من التكهنات بخصوص وجهة هذه اللوحة الاستثنائية بحقّ، يسعدني جدا أن أقول إن أول «نساء الجزائر» لديلاكروا، التي ظلت ضائعة لوقت طويل، سيكون لها جمهور وسكن دائم هنا في هيوستن».
«نساء الجزائر في غرفتهن» هي واحدة من مجموعة لوحات أنجزها الفنان ديلاكروا، خلال سفره ضمن بعثة دبلوماسية قادته إلى المغرب والجزائر، في السنوات الأولى من الغزو الفرنسي الاستعماري، كان الهدف منها على وجه الخصوص طمأنة سلطان المغرب فيما يتعلق بالحملة الفرنسية. وعلى الرغم من أن ديلاكروا عبّر عن عدم موافقته على غزو الجزائر، الذي وصفه بـ»الفكرة السيئة»، إلا أنه انبهر بما شاهده في سفره هذا، وهو ما جسّده في مجموعة لوحات، كان من أشهرها «نساء الجزائر»، التي قال عنها النقاد إنها جمعت بين اللمستين الرومانسية والاستشراقية. وقيل إن قائد البعثة، الكونت شارل إدغار دي مورني، قام حينها بشراء النسخة الأولى من العمل، وبيعها في مزاد علني بعد 20 عاما. وبعد أن بيعت سنة 1850، توارت اللوحة عن الأنظار. وقد ألهمت النسخة الثانية، أي لوحة «نساء الجزائر في غرفتهن»، العديد من الفنانين، ولعلّ أشهرهم بابلو بيكاسو الذي أعاد رسمها في 1955، ولكن بتقنيته ورؤيته الفنية الخاصة.
نشير هنا إلى خطأ غريب وقعت فيه كاتبة المقال على موقع «آرت نت نيوز»، التي ذكرت بأن الجزائر (العاصمة) موجودة بالمغرب. ويبدو أن الأمر اختلط عليها، تماما كما اختلط على كثير ممّن كتبوا عن هذه اللوحة، حيث ساد القول بأنها قد رُسمت بالجزائر العاصمة، حينما توقفت بها البعثة لمدة أربعة أيام، «حيث دعاه مسؤول في هيئة الميناء إلى منزله، وقدم لمحة نادرة عن الحياة الخاصة للنساء وخادماتهن». بالمقابل، ذهب دارسون آخرون إلى دحض هذه الرواية، أولا لأسباب سوسيوثقافية، تتعلق بصعوبة، حتى لا نقول استحالة، إدخال أجنبي إلى هذا القسم الخصوصيّ جدّا في المجتمع الجزائري، وأيضا لأسباب موضوعية تتعلّق بقصر المدة التي قضتها بعثة ديلاكروا بالجزائر، وهو ما لم يترك الوقت الكافي للفنان. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى الاعتقاد بأن ديلاكروا اقتنى الملابس والحليّ خلال رحلته، واستعملها واشتغل على اللوحة حين عودته، إضافة إلى قيامه بتقطيع العديد من الرسومات والتقاط تفاصيل التصميمات المعمارية الداخلية.
مع ذلك كلّه، ورغم تأريخ هذه اللوحة لحقبة زمنية ارتبطت بذكرى سيئة هي الغزو الاستعماري، باعتبارها كانت وبالا على الجزائريين دام 132 سنة، إلا أنها تجسّد أيضا الجانب الجمالي للمعمار واللباس الجزائري الأصيل، وتمثّل محطة هامّة للفنّ التشكيلي في الجزائر، تبعتها أعمال كثيرة للفنانين الانطباعيين، قبل بروز الفن التشكيلي بالريشة الجزائرية.