بعد أن أنجز الكثير من النصوص التي عانقت التاريخ الجزائري، يختار الكاتب والمبدع الأزهر عطية في رواية «سنوات المحبة»،منشورات المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بولاية سكيكدة، أواخر 2018، أن يعود لفضاءاته الذاتية، لكن لم يستطع التخلص من وهج الذاكرة وجماليات الجزائري، فما هي خصائص هذه الرواية الجديدة للكاتب؟
هذه القصّة..هذا النّص
تتحدث القصة في الرواية عن شيخ يعاني الضياع والقلق، في مجتمع متحول ومتغير، بعد أن توفيت الزوجة، وبعد أن بترت الساق، فيعيش متنقلا بين شوارع المدينة، متذكرا الكثير من محطات الحياة التي مرت به، مع معاناة ذاتية مستمرة، ورفض سوسيولوجي وفكري كبيرين لما أصاب المجتمع والدولة.
ترتبط دلالات «سنوات المحبّة» بالماضي، وقد أشار لها الراوي كثيرا، مثل قول الشيخ في حوار ذاتي: «تلك كانت أياما، لا تشبهها الأيام الأخرى، تعلّمت منها في حياتي دروسا كثيرة في لذة الألم،وفي ألم اللّذة، وهو ما يجعلها تبقى حاضرة بقوة وباستمرار...»(ص 38).
كما تحاصر الشخصية الروائية-الشيخ مشاعر القلق، الضياعن العبث، الحزن...في علاقة إشكالية معقدة مع راهن الوطن وخيانات ابنائه لمجد الثورة التحريرية.
ومن هوية النص نذكر حضور الثقافة الصحراوية من خلال شاب بائع للشاي الصحراوي، وهو القادم من الجنوب ومعه قصص الأم وموسيقى» الامزاد» (آلة موسيقية تعزف عليها المرأة الترقية في الصحراء الجزائرية) بسحرها الصوفي ودلالاتها الشعبية الثرية، ونقرأ في الرواية جماليات هذه الآلة وموسيقاها الروحية.
جماليات المكان والزّمان..
تحيلنا الرواية لكثير من جماليات المكان في الريف والمدينة، مع اختلاف الرموز والمعاني حول كل مكان بين مكان رحمي (من رحم الأم) وروحي، يعانقه الراوي سرديا وعاطفيا في زمن الماضي يحن له الشيخ ويتذكر إشاراته وأحزانه وأفراحه بخاصة مع الجدة في أحياء مدينة قالمة في الشرق الجزائري، ومكان آخر جديد يعيشه بحرقة - في الزمن الحاضر - بل هو رافض له، لأنه يتنكّر لأمجاد الرجال والشهداء.
ومن ثمة فالقارئ سيجد مقاطع استرجاعية كثيرة في الرواية، يعود فيها الحكي للحظات الدفء العائلي لأطفال صغار مع جدتهم، بعد أن هاجر الأب وتوفيت الأم...
ويتأمل الكاتب-الراوي، المساجد، المدارس والساحات...تأملا عاطفيا وتاريخيا وحضاريا، ومنها يفتح جماليات الأمكنة ودلالاتها، يبحث في تحولات المجتمع وانتقال العواطف الوطنية بين الأجيال الجزائرية...فالرواية تتحرك شكليا ومضمونيا بعيون رجل مجاهد تعرض لحادث أليم، ناتج عن تفجير إرهابي في الغابة أثناء نزهة، فتقطع الساق ويمزق الفكر والمشاعر، ويزداد وهج الألم، لتأتينا هذه الرواية بسردية التأمل الروحي للناس والمكان والوطن، و معها تأتينا الكتابة الرومانيسة، الصوفية، السياسيسية...
بمعنى أننا نجد الرواية في حوارا بين الخطابات في نص روائي واحد يبدعه الأزهر عطية.
ملامح روائية أخرى...
من الملامح التي يكتشفها القارئ للرواية نذكر:
* توظيف الحاشية الشارحة لبعض المحطات التاريخية ولبعض الشخصيات من أزمة متعددة في الأرض الجزائرية.
* حضور نبض الحنين العاطفي الصادق التوجع للزوجة «مريم»، وانفتاح سردي جميل راق على كل ما يرتبط بها في المنزل وفي الحياة.
* حضور شعرية السرد كثيرا في الرواية(هل يحن الروائي عطية لعوالم الشعر؟؟).
* هناك ملامح من السيرة الذاتية في الرواية، عبر ذاكرة المكان وأهله، ومواقف الشيخ من الراهن الجزائري ،ولعل أوضحها ما جاء في النص: «أراك تمر الآن وحدك يا صاحب الأزاهير» (ص26)، واسم الروائي «الأزهر» فهل هي إحالة على المؤلف المبدع؟؟.
* الرواية تنتمي لجماليات الكتابة الكلاسيكية، مع محاولة لمعانقة النص الفلسفي والتاريخي والرومانسي.
أخيرا...
تحتاج الرواية لوقفات أكثر، لما فيها من أفكار سياسية ومن إحالات اجتماعية.
بقي أنّنا نقترح على سلطات قالمة استقبال الروائي وفتح النقاش حول رواية تتحدث عن محطات من تاريخ الولاية المجيد، وما شهدته من أحداث قبل الثورة وأثنائها، ولما فيها من ملامح تراثية شعبية عن المكان القالمي.
كما يقترح القارئ أن تحول بعض مقاطع الرواية عن جماليات المكان القالمي لجداريات في المدينة، للاحتفاء الحضاري والسياحي بالثقافة، كما تفعل المدن عبر العالم التي تحترم الفن و الإبداع وتسوّق لهويتها وجمالها.