«ايـوال» الشجــــرة النــادرة فخــر المنطقـــة
يعرف سعيدي الطاهر، المدعو «كمال» هذا العالم البسيط في محيطه بحبه الكبير لمسقط رأسه، قرية هيرييث التابعة لبلدية تكوت بباتنة وشغفه بالتراث وبجميع التاريخ الثوري، وبالسهر على الترويج لمؤهلات المنطقة كقطب للسياحة الجبلية. منذ سنين يعمل كمال على تجسيد حلم جميل راوده ذات يوم وهو إعادة الحياة لقرية هيرييث التي هجرها سكانها يوما، وهو المشروع الذي يكشف عن تفاصيله من خلال هذا الحوار.
« الشعب «: عرّفنا بقريتك هيرييث ؟
سعيدي الطاهر: هيرييث، قرية تابعة لبلدية تكوت بولاية باتنة تقع في نهاية سلسلة جبال «أحمر خدو»، وهي منطقة عذراء هجرها أهلها أواخر السبعينات وبقيت فيها بعض العائلات تمتهن الفلاحة الجبلية وتربية المواشي وتربية النحل، الذي تتميز بجودة عالية، أما أراضيها الفلاحية فهي وعرة وعبارة عن مدرجات. في العشرية السوداء هجرت القرية تماما، لكن، اليوم، رجعت للحياة بفضل مجهودات أبنائها.
كما تتميز القرية بوجود على أرضها لشجرة نادرة اسمها «ايوال» أو «هزنزنة» إضافة إلى بعض الآثار وبقايا ترسبات لحيوانات بحرية لم تكتشف لحد الساعة وفيها أحياء سكنية مهجورة مثل هاسليا عيش بنمط معماري قديم.
- كيف ومتى بدأت قصّتك مع التراث ؟
بدأ شغفي بالتراث منذ صغري بالضبط حين كنت في الثالثة ابتدائي لما اشترى لنا والدي تلفازا وبدأت أتابع البرامج والأشرطة الوثائقية وأرى الاختلاف الكبير بين بلدتي الصغيرة والمدن الأخرى، فأحببت البناء المعماري القديم والزربية التي كانت تنسجها والدتي وأنا أشاهدها وهي تعلم أخواتي، وكانت أيام جميلة لا تنسى ولما وصلت مرحلة الثانوي بدأت في جمع التراث وتصوير القلاع القديمة في المنطقة وجمع بقايا أسلحة العدو الفرنسي وجمعت أيضا صور المجاهدين والشهداء وكان أول معرض للصور عن المنطقة شاركت به في تيزي وزو، ثم بباتنة والولايات المجاورة.
- كيف جاءت فكرة ترميم القرية هرييت ؟
لما أنجزت السلطات بئرا ارتوازية في القرية عاد الأهالي إلى الفلاحة وغرس الأشجار المثمرة ولكن البيوت القديمة كانت منهارة مخربة لا تصلح للسكن.
أول من قام بعملية الترميم هو ابن عمي رشيد سعيدي، الذي أعاد إقامة بيت جده وحافظ خلالها على النمط المعماري القديم، ثم رمّمت بدوري بيت جدي وأبقيته على طابعه العمراني القديم وبدأ الأهالي في تقليدنا تدريجيا.
- من شارك في تجسيد الفكرة ومن شجّعها، وما هي العراقيل التي واجهتكم ؟
أبناء عمي رشيد سعيدي وحمزة سعيدي وهما من محبي التراث، هما من شجعاني على الفكرة وساعدوني على تجسيدها، لكن للأسف هناك بعض الأهالي لا يرّحبون بها، فقد قاموا بهجر البيوت القديمة وبناء بيوت بالآجر والاسمنت وغيروا الطابع المعماري القديم، ودافعهم أن عملية الترميم تكلف كثيرا من المال.
- تعاني المنطقة من نقص في مشاريع التنمية، ما هو النداء الموّجه للسلطات ؟
النداء، اليوم، موّجه للسلطات المحلية من أجل فك العزلة عن القرية التي تربطها بالمحيط الخارجي عن طريق غير معبّدة بطول 4 كلم، ويصعب السير فيها، خلال الشتاء خاصة، كما نحن في حاجة إلى ربطنا بشبكة الكهرباء ومساعدة السكان على الاستفادة من مشاريع البناء الريفي.
- كيف السبيل إلى جعل المنطقة قطبا سياحيا؟
المنطقة تحتاج، أولا إلى استكمال عملية ترميم بيوت حي هاسليا عيش، الذي يصلح أن يكون معلما ثقافيا وقطبا سياحيا ويستقطب هواة السياحة الجبلية، وكذلك مستكشفي الآثار، ونحتاج أيضا إلى دار للشباب.
- ما هي المشاريع الخاصة بالحفاظ على التراث اللامادي للمنطقة ؟
لكي نجعل من المنطقة قطبا سياحيا، نحتاج إلى إنشاء متحف خاص بالتراث المادي واللامادي تجمع فيه كل الأشياء التقليدية وبعض الآثار التي هي اليوم عرضة للتهريب إلى تونس، ونحتاج أيضا إلى استحداث ورشة تقليدية لنسج الزربية وعمليات توعية الأهالي لتسليم الأشياء القديمة للمتحف، إضافة إلى عمليات حفر وتنقيب عن الآثار الكثيرة التي تزخر بها المنطقة.