لطالما كانت صرخة الفرح التي يطلقها المتوّج بجائزة أحسن عرض مسرحي، مدعاة للبهجة ومصدرا للسعادة.. هذه المرة، كان شباب جمعية إبتوران من ولاية تيزي وزو من أطلقوا تلك الصرخة، احتفاءً بافتكاكهم القناع الذهبي في الأيام الوطنية لمسرح الطفل ببودواو ببومرداس، متفوقين على الفرق المنافسة، وعلى شحّ الإمكانيات والوسائل.. كل ذلك في سهرة ختامية اختلطت فيها المشاعر والأهازيج والأجيال والأعمار، وحضرها فنانو الولاية وسلطاتها المحلية، وكانوا جميعا على إيقاع واحد عنوانه الفن الرابع.
بعد أربعة أيام من العروض والتنافس، تابعتها «الشعب» عن قرب، وفي حفل اختتام كُرم فيه كل من عمر فطموش، عبد القادر شاعو، عايدة قشود، والصادق جمعاوي، أُعلن عن قائمة المتوجين في جائزة القناع الذهبي للأيام الوطنية لمسرح الطفل، التي جاءت كالآتي:
القناع الذهبي (أحسن عرض متكامل): مسرحية «غريبة» للجمعية الثقافية إبتوران بولاية تيزي وزو.
أحسن إخراج مسرحي: مسرحية «أوهام الغابة» لتعاونية الربيع للثقافة والفنون ولاية باتنة.
أحسن نصّ مسرحي: مسرحية «حنين» لجمعية براعم الفن الثقافية بولاية سكيكدة.
أحسن سينوغرافيا: مسرحية «النواسخ» لجمعية الستار الذهبي بولاية مستغانم.
أحسن ممثلة: بلقيس بوكلوة (دور حنين) مسرحية «حنين» (سكيكدة).
أحسن ممثل: عمر قادري (دور القط) مسرحية «أوهام الغابة» (باتنة).
جائزة لجنة التحكيم: وعادت إلى كل من «مزروعة يقين» (دور الفراشة والجدة) مسرحية «زهرة الإخلاص» لجمعية الثريا للثقافة والفنون بتيارت. «ربيعي زينب» (دور الأميرة شمس) مسرحية «الملك الصغير» لجمعية الفنون المسرحية النبراس بالجلفة. «ولد بوخنيس أشواق» (دور الفراولة) مسرحية «حلويات فراولة» لجمعية أحباب منصورة بتلمسان.
لجنة التحكيم: تعزيز نقاط القوّة.. وتصحيح مكامن الضعف
في بداية تقريرها، تطرّقت لجنة التحكيم إلى المراحل الثلاثة التي ينقسم إليها مسرح الطفل حسب السن وخصوصية الطفولة، حيث لكل مرحلة أدواتها ومواضيعها وأشكالها. كما أعطت اللجنة، في عجالة، لمحة عن بدايات مسرح الطفل في الجزائر، والمراحل المتقدّمة التي وصل إليها انطلاقا من سبعينيات القرن الماضي.
كما سجّلت لجنة التحكيم ملاحظات على عموم الأعمال المتنافسة، والتي لخّصتها في:
ـ ضعف أسباب اختيار النصوص الموجهة للطفل؛
ـ ضعف البنى الدرامية لأغلب النصوص؛
ـ خلل واضح في بناء الشخوص؛
ـ عدم محاولة العمل على تحفيز وإنماء مخيال جمهور الطفل، على الأقل من ناحية اختيار النصوص والقصص المحتواة، ثم نوعية الأداء والتمثيل؛
ـ ضعف تأطير واضح للشباب؛
ـ التوقف في العمل الإبداعي أمام ظروف مادية كان يمكن تجاوزها باعتبار بعض التجارب التي أثمرت مبادرات فنية تستحق التنويه؛
ـ كما لاحظت اللجنة أن كثرة العمل المناسباتي الذي يخلّ بالعروض، من خلال قلة الممارسة، وبالتالي قلة التمرين والتكوين الذي هو من أساسيات العمل الناجح.
من جهة أخرى، ثمّنت لجنة التحكيم مجهودات ومساعي الجمعية المكلفة بتنظيم هذه الأيام المسرحية، التي أنهت طبعتها الثالثة عشر، وأكدت اللجنة على «ضرورة الحفاظ على هذه الأيام المسرحية، التي بدأت تأخذ شكل مهرجان مسرحي وطني، من خلال تزويده بالوسائل التقنية اللازمة من إضاءة وصوت وتوظيف للخشبة، وكذا الاستفادة من دورات تكوينية في مختلف المسارح الوطنية مثلا، والحفاظ على هذا المركز الثقافي ببودواو باعتباره مركزا مهما للإبداع والإشعاع، الذي استطاع أن يستقطب المواطن بالعمل الجواري الذي كان الأساس للوصول إلى البعد الوطني لهذه الأيام المسرحية».
واعتبرت اللجنة، في تقريرها، أن هذه الطبعة الثالثة عشر وفرت فرصة لاكتشاف «قدرة رائعة في الكتابة لا تتعدى سن 14 سنة، وكذا مشروع ممثلين بسن صغيرة، وممثلين من ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى ما يمثله الكثير من صغار الممثلين من مشروع فني يستوجب أن نقف عنده بتوفير ما يجب توفيره لهذا المهرجان، الذي نؤكد ونعيد أنه أصبح مكسبا وطنيا وجب الحفاظ عليه وتحسينه وتطويره».
هل سيكون لبومرداس مهرجانها ومسرحها؟
كانت لجنة التحكيم صريحة ومباشرة، حينما أكدت في تقريرها على «ضرورة الحفاظ على هذه الأيام المسرحية، التي بدأت تأخذ شكل مهرجان مسرحي وطني». وقد صاحب هذه الدعوة إشارةٌ أخرى إلى ضرورة توفير الإمكانيات الكفيلة بتقديم أعمال ركحية في المستوى، خصوصا في عدم توفر ولاية بومرداس على مبنى «مسرح»، بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
اغتنمت «الشعب» تواجد والي ولاية بومرداس يحيى يحياتن، الذي أشرف على حفل اختتام هذه التظاهرة الثقافية، وسألته عن مدى إمكانية الاستجابة إلى هذه النداءات، فقال إن تسمية مدينة العلم والعلماء ومدينة الفكر، التي تُطلق على بومرداس، لم تأت اعتباطا، وهذا «راجع أساسا إلى الزخم الكبير الذي تتمتع به الولاية، بما في ذلك مدينة بودواو المعروفة بنشاطاتها الكثيفة سواء في الميدان الثقافي أو الرياضي.. وهذه الأيام المسرحية في طبعتها الثالثة عشر ما هي إلا دليل على التواجد المكثف للثقافة على مستوى الولاية».
وأضاف: «لقد استمعنا اليوم إلى نداء المشاركين والقائمين على هذه الاحتفالية، الداعي إلى أن يكون لبومرداس مهرجانها الخاص بمسرح الطفل، وسنسعى إلى تحقيق ذلك مع وزارة الثقافة».
وعن سؤالنا حول إمكانية أن يكون للولاية مسرحها الجهوي، أجاب يحياتن: «لمَ لا؟ ما دامت بومرداس تزخر بكل هذه الطاقات، نتمنى أن تتمتع الولاية بمثل هذا الصرح الثقافي مستقبلا».
وفي ذات السياق، أفادت مصادرنا من مديرية الثقافة بالولاية، بأن مشروع المسرح موجود فعلا، وأنه تأخّر لاصطدامه ببعض العوائق الميدانية التي ستلقى طريقها إلى الحل، وهو ما قد نعود إليه بتفصيل أكبر في قادم الأيام.
بلكروي: التنافس كان بين ثلاث فرق
في تصريحه لـ»الشعب»، يتحدّث الفنان عبد القادر بلكروي، عضو لجنة التحكيم، عن وجود مستوييْن اثنين في هذه التظاهرة: مستوى أوّل من مسرحيات محترمة تتضمن كل مكونات العرض من النص والإخراج إلى الأداء والسنوغرافيا، ومستوى ثانٍ من مسرحيات مالت أكثر إلى التنشيط والمسرح البيداغوجي. وعلى هذا الأساس، فقد كان التنافس بين ثلاث فرق تميزت عن غيرها، وهي التي حصدت معظم الجوائز.
وأشاد بلكروي بأعضاء الفرقة التي مثلت ولاية تيزي وزو، الذين قدموا عرضا معاصرا بديناميكية واضحة على الركح، وكثير من الانضباط، رغم ضعف الإمكانيات.
من جهتهم، كان ممثلو ولاية باتنة يملكون التجربة، وقدّموا المسرح المرتكز على النص والقصة، أداء صحيح جدا واستغلال جيد للفضاء.
إلى جانب الفرقة القادمة من سكيكدة التي كانت المفاجأة وقدمت عملا جميلا في اليوم الأخير من التظاهرة، ولكن للأسف كانت نهاية المسرحية نقطة ضعفها، ولو لم يتمّ كسر الجدار الرابع لبقيت المسرحية في المنافسة على الجائزة الكبرى. وقد استحق نصّ المسرحية الجائزة فهو نصّ إبداعي يتطرّق إلى قضايا ومواضيع الشباب.
وعن خصوصية الجمهور ودوره، يقول بلكروي: «حينما يتمكّن العرض من جذب الجمهور فإن هذا الأخير سيبقى ويشاهد المسرحية ويتابعها، خصوصا الطفل، حينما يستقيل الطفل فهذا يعني أن هنالك شيئا ما خاطئا في المسرحية، وحينما نحافظ على انتباه ومتابعة الطفل فهذا معناه أن المسرحية جيدة».
ويضيف بلكروي في الأخير: «أتمنى أن يكون للمسرح الجزائري عموما مستقبل أفضل، وأن يحظى مسرح الطفل والشباب باهتمام أكبر».
مخرجٌ في العشرين.. وكاتبة نصّ في الرابعة عشرة
اقتربنا من مخرج المسرحية المتوجّة بالقناع الذهبي لأحسن عرض متكامل، المخرج والممثل المسرحي الشاب حليم مسدور، الذي لا يتعدى سنه 20 سنة. وصرّح لنا قائلا إن المسرحية التي شاركت بها الجمعية الثقافية إبتوران (ولاية تيزي وزو)، وكتبت نصّها رميسة بنان البالغ سنها 14 سنة، هي عمل مسرحي من تقديم فرقة حديثة النشأة، كما أنها أول تجربة للمخرج وكذا للسينوغرافي.
ويقول حليم إن الجمعية تأسست قبل 10 سنوات، ولكنها تعمد كل سنتين إلى تشكيل فرقة جديدة وتقديم الفرصة لعناصر جديدة بأن تتعلم وتطور قدراتها، فيما تواصل العناصر الأقدم نشاطها وفي مستويات أكثر صعوبة، وهكذا دواليك.
وكما سبق القول، فهذه هي أول تجربة إخراجية للشاب حليم مسدور صاحب العشرين ربيعا، الذي كان ممثلا مسرحيا وتلقى دورات تكوينية في المسرح، ثم في الإخراج المسرحي مع حميدة آيت الحاج وعمر فطموش، «هذا في الجانب النظري، أما في الجانب التطبيقي فقد نهلت من معارف حدبي ماسنسن، الذي قدم الكثير لجمعيتنا، وهو الذي وجّهني نحو مسرح عصري، مسرح الحركة والجسد، وهكذا وجدت نفسي في بيئة مليئة بالمعلومات ولكنها فقيرة بالإمكانيات».
وعن النقص الكبير في الإمكانيات، يقول المخرج الشاب، والطالب الجامعي في تخصص البيولوجيا الطبية: «كان بودنا أن نحسن الديكور ونقترح سينوغرافيا أحسن بكثير، ولكن إمكانياتنا لا تسمح، وحتى القاعات التي نتدرّب فيها لا تملك أدنى الشروط».. ويضيف: «نحن نمتلك النص المسرحي، ونمتلك الروح، ولكن ينقصنا المال والإمكانيات المادية لتقديم عروض أفضل ونشارك في مهرجانات دولية إن شاء الله ونفوز بجوائز».
التكوين.. أساس النجاح
من جانبها، قالت بلقيس بوكلوة، أحسن ممثلة في التظاهرة بأدائها لدور الطفلة «حنين»، إن هذه الجائزة هي الأولى لها مع هذه الجمعية الفتية، التي تأسست هذا العام فقط، واستطاعت في هذه الأيام المسرحية الحصول على جائزة أحسن نصّ وأحسن ممثلة. وأضافت بلقيس: «أتمنى أن لا تكون هذه البداية نهاية في نفس الوقت، سأسعى إلى أن أتعلم وأكون نفسي وأطور من قدراتي».
هذه الممثلة التي لم تدرس الفن الرابع، وتعلمته في إطار مسرح الهواة، هي طالبة جامعية في مجال البيولوجيا، ومدركة لما لتكوين الممثل والتكوين بصفة عامة من أهمية، وفي هذا الصدد تقول: «كلنا نمارس المسرح كهواية، وهذا ما يحتم علينا أن نكون دائمي المطالعة والاطلاع، ومشاهدة المسرحيات الجديدة، وأن نتعلم ممّن سبقونا في هذا الميدان وننهل من تجربتهم، ومثل هذه الجوائز هي إضافة إلى تجربتنا الشخصية».
التمويل.. مرة أخرى
يبدو أن التمويل والدعم المادي سيبقيان الهاجس الأكبر للتظاهرات الثقافية على مختلف المستويات، سواء في التظاهرات المحلية، الإقليمية، أو حتى المهرجانات الثقافية الوطنية والدولية، خصوصا وأن هذه التظاهرات لم تنجح /تتمكن من الانتقال من الاعتماد الكامل على دعم الدولة إلى الحصول على دعم القطاع الاقتصادي، العمومي والخاص، على الرغم من تشجيع عديد التدابير على ذلك، على غرار اقتطاع المال المقدّم لدعم الثقافة من ضرائب المموّل.
وقد أثر هذا الجانب بشكل واضح على هذه التظاهرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تعذّر على الفرق المشاركة في أيام مسرح الطفل البقاء لمتابعة العروض المنافسة، على الرغم من أهمية هذا الجانب في التعلم والاحتكاك، وهو الأمر الذي حصل في مهرجانات أكبر مثل المهرجان الوطني للمسرح المحترف نهاية السنة الماضية، وسيحصل بعد أسبوع في مهرجان مستغانم لمسرح الهواة. وفي هذا الصدد، شكّك رضوان زوقاري رئيس جمعية المسرح البودواوي، منظمة أيام مسرح الطفل، في إمكانية تنظيم الطبعة الـ14 السنة المقبلة، خصوصا وأن ديون جمعيته من نشاطات السنوات الماضية قاربت 3 ملايين دينار. وما لم يتحرّك القطاع الاقتصادي، بشقّيه العمومي والخاص، لدعم الثقافة والقيام بواجبه تجاه المجتمع، فستبقى الثقافة رهينة الإعانات العمومية.. إلى حين.