د. صليحة براهمي لـ «الشعب»:

الأندلسيـــــــة رافــــــــد هـــــــام للموسيقــــــــى العربيـــــــة

حاورها: نورالدين بوطغان

 

 ترى الدكتورة، صليحة براهمي، أستاذة الأدب بجامعة عين تموشنت، وهي تنحدر من ولاية تلمسان، ان الأغنية الأندلسية التي تشتهر بها ولايتها تحظى باحترام كبير ومتابعة في المجتمع المحلي، وان رواد هذه الأغنية مازالوا يحافظون على الزي التقليدي للمنطقة في حفلاتهم، وان هذه الأغنية لها حظ وفير في الإذاعة المحلية، خاصة في المناسبات، من اجل الحفاظ عليها ونشرها لدى الناشئة وفي هذا الحوار الذي أجرته معها جريدة «الشعب» تتناول تطور هذه الأغنية ومكوناتها ومظاهر انتشارها وتاريخها وقيمتها الفنية.

الشعب: تشتهر منطقة تلمسان فنيا بالأغنية الأندلسية التي لها جمهورها العريض، هل يمكن أن تقدمي لنا هذا الطابع الغنائي المشهور؟
د.صليحة براهمي: تحتل الموسيقى الأندلسية مكانة خاصة في التراث المغربي، وتحظى باحترام كبير لدى المغاربة، حيث امتزج فيها - دون أنواع الموسيقى الأخرى - الطابع الديني بالطابع الفني، بعبق التاريخ، ليعطي أنغاماً خاصة، فقد تعاطى لهذا اللون الموسيقي العلماء ورجال التصوف، وكان رواده يجمعون بين الحس الفني والوقار الذي يستمدونه من وضعيتهم الدينية. ورغم أن رواد هذا الفن اليوم هم فنانون فقط، فإنهم ما زالوا يظهرون في حفلاتهم بالزي التلمساني التقليدي الذي تميز به رجال العلم وعلية القوم، أي الجلباب والطربوش والبلغة، في غالب الأحيان، كما أن كلمات هذا الفن الأندلسي العريق، مستمدة من قصائد شعرية صوفية شهيرة في أغلبها، قبل أن يطعمها روادها بألوان شعرية أخرى تستوحي مادتها من الحياة اليومية في المجتمع التلمساني، وتمزج بين الموعظة والمزاح، وبين المدح والغزل الرقيق.
^  هل يمكن أن تضعينا في صورة حضور هذه الأغنية في المجتمع المحلي؟
^^ تقترن ألحان الطرب الأندلسي القادمة من تاريخ المجد الأندلسي الغابر، بأيام العيد حيث تذاع على القنوات والإذاعات الجزائرية التلمسانية قبل وبعد صلاة العيد وفي ليلة المولد النبوي الشريف، ومباشرة بعد أذان الإفطار في شهر رمضان، وبعد إعلان رؤية هلال العيد أو هلال مطلع شهر الصيام، وهو ما جعل لها حيزا هاما في ذاكرة الصغار والكبار على حد سواء. كما أن هذا التراث الذي حمله الأندلسيون معهم عند مغادرتهم لبلاد الأندلس تلون بلون الأرض التي احتضنته، فتدرج بين اللون الشرقي في سوريا واللون المغاربي في كل من ليبيا والجزائر وتونس والمغرب، وقد كانت هذه الموسيقى تعرف في المغرب قبل عهد الاستعمار الفرنسي باسم «الآلة» تمييزا لها عن فن السماع الذي يعتمد أداؤه على أصوات المنشدين فقط دون الاستعانة بالآلات الموسيقية، وتتكون الفرقة من مجموعة من المنشدين في نسيج متكامل، يجعل الجمهور أيضا يشارك في الأداء، ويجعل الموسيقى تستولي على كل الجوارح، وتأخذ بالألباب وتحرك الوجدان، فتتوالى الآهات والتكبيرات وهي من التراث الموسيقي الغنائي المضبوطة علميا، وعلى جانب كبير من الروعة والجمال، الأمر الذي يجعلها أرقى أنواع التعبير الموسيقي في تلمسان. موسيقى تعاطاها الفقهاء والعلماء والأدباء، فصانوها إبداعا رفيع النظم والتنغيم والعزف والأداء.
هل لنا أن نعرف بوادر ظهور هذا الفن وانتشاره في الأقطار العربية؟
يرجع الباحثون بوادر ظهور هذه الموسيقى إلى فترة الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس، وهذا ما يفسر امتزاج مقومات شرقية بأخرى محلية، مغربية وأيبيرية داخل موسيقى متميزة ظلت تتبلور وتزدهر حتى بلغت تألقها في الأندلس. ونظرا لما كان بين المغرب والأندلس من علاقة وطيدة، فقد انتشرت هذه الموسيقى في كل أجزاء المغرب الكبير، ثم ورثتها بالكامل بعد زوال ملك العرب المسلمين من الأندلس وتفرق أهلها في شمال المغرب. وبقيت حية متواترة إلى يومنا هذا. تحت تأثير الظروف البيئية والتاريخية كالتأثير الشرقي والتركي في كل من تونس والجزائر، كما عرفت بأسماء مختلفة حسب الجهات، فهي تعرف باسم «الآلة» في المغرب وبـ»الغرناطي» في تلمسان ونواحيها، وبـ»الصنعة الجزائرية» في الجزائر، وبـ»المالوف» في قسنطينة وتونس وليبيا.
^ ما هي مكانة الموسيقى الأندلسية ضمن مكونات الموسيقى العربية وكيف تطورت وما مميزاتها؟
^^ يؤكد المختصون في فن الموسيقى الأندلسية أن هذه الموسيقى واحدة من الإمدادات والروافد التي تفرعت عن الموسيقى العربية بمفهومها العام، وهي خلاصة امتزاج وتفاعل المعطيات الفنية النابعة من موسيقى العناصر البشرية المتساكنة بالأندلس، وهي العرب والبربر والقوط والصقالبة. وقد أنشأ «زرياب» في قرطبة معهدا موسيقيا طبقت فيه طرق علمية، ومناهج تعليمية مبنية على أسس تربوية.
 وتسمى القطع الشعرية التي تتألف منها النوبات بالصنايع وتكون عبارة عن موشحات أو «أزجال» أو «بروال» وتتكون من بيتين إلى سبعة أبيات، يمكن أن تتكرّر داخلها بألحان مختلفة.
تعالج هذه الصنائع الانشغالات المختلفة والدائمة للنفس البشرية، ففيها المدائح النبوية والغزل، والخمريات، ووصف الطبيعة، ومجالس الأنس، والسمر... الموسيقى الأندلسية تهب نسائمها بعروس الشمال، نغمات من الفردوس المفقود تحييها ولازالت تفعل ما دام بها من يحب الأصالة.
وعلى مر القرون تطورت هذه الموسيقى وهذبت مكوناتها وأوزانها ومقاماتها المكونة من مادة نظمية من الشعر والموشحات والآزجال، والدوبيت، والقوما، مع ما أضيف لها من إضافات لحنية أو نظمية محلية جمعت بينها دائرة النغم والإيقاع، وما استعاروه من نصوص وألحان مشرقية، وتعتبر النوبة أهم قالب في الموسيقى الأندلسية.
وتختلف هذه الموسيقى اختلافات لا يعرفها إلا أهلها، فالموسيقى الأندلسية في المغرب تسمى فن الآلة والطرب الغرناطي في كل من وجدة وسلا وتلمسان ونواحي غرب الجزائر، والمألوف في قسنطينة وتونس وليبيا.
ولكن هذه الأصناف كلها بأسمائها المختلفة، والغرناطي والمألوف ترجع إلى أصول واحدة أي الموسيقي الأندلسية التي نشأت في المجتمع الأندلسي.
وفي عموم المغرب نشأت منذ وقت مبكر جمعيات ومدارس كبرى تعتني بهذا الفن الفريد الذي لا تخطئه الأذن، تعزفه مجموعات متمرسة من الموسيقيين المغاربة الذين توارثوا الصنعة.
 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024