دراسة نقدية

الموجـــــــــة العذريـــــــة فـــــي ســـــــرد الوطنيـــــــــة... دراســــة معنــى لقصة “قلبان في قفص“ للكاتبـة نجــاة قيشـــو

بقلم : د.حمام محمد زهير

تبدأ الكاتبة قصها بلغة الروائي الكبير زفزافي محمد، عندما لا يمل من “تكرير التعليل والتبرير” لإتيان وضوح الصورة، لأن النص يظل معيبا اذا لم تؤتى جوانبه تفسيرات معللة مكانيا وزمانيا فعند قولها (أسدل الليل خيامه على الكون، وظهر القمر عابسا من وراء السحب الكثيفة)، تنذر الحالة هنا بالغياب و«الدكننة “ القاتمة إنما هي “توازي الاشكال”، كأن ما وصفته من “دكننة” لابد له من تبرير منطقي كقولها في التبرير (ينذر بليلة مشحونة) ويزيد من قوته بإيفاد التشبيه لكل حالة وهذا جديد بالنسبة للرواة حديثا، عندما يفسرون “المعنى” على طريقتهم ومخافة من أن يذهب القارئ إلى جهة أخرى، يعني يخرج عن الموضوع يستعملون التشبيه كقولها (شأنها شأن كل ليالي العهد الاستعماري) والحالة هنا بالعموم تأكيد لا ستمرار حالة استعمار..

 في الحقيقة عندما ينظر الناقد إلى عمل رصين وجيد تنتابه قشعريرة الاكتشاف المتواصل لذوأبة الجمال والتمكين في عين النص، لأنه ليس مدركا ولا في المتناول أن نتحكم على الجمال مرة واحدة وخاصة لما يكون القلم وجرته قد مرا على الناقد في سالف الأيام، لا يمكن أن يحتار أي كان في هذا الأمر وأنا  أداعب قصة قلبان في قفص للكاتبة المغربية نجاة قيشو، أدركت للتو انه مرّ على خيالي النقدي ذات يوم على ضفاف جريدة أصوات الشمال ...
 كيف يمكن أن نقيّم عملا كهذا في البداية  تألف فقهاء النقد وخاصة “الينيويون” على معاملة المعنى معاملة الكائن المتوتر أو الذي لايريد أن يستقر، وأحرى شئ يمكن مرادوته له هو اتباع مقتبسات على حدّ ما ذهب إليه امبريتو.
في البداية كانت الرواية، وأسلوب المجاهدة:
تبدأ الكاتبة قصها بلغة الروائي الكبير زفزافي محمد، عندما لا يمل من “تكرير التعليل والتبرير” لإتيان وضوح الصورة، لأن النص يظل معيبا اذا لم تؤتى جوانبه تفسيرات معللة مكانيا وزمانيا فعند قولها (أسدل الليل خيامه على الكون، وظهر القمر عابسا من وراء السحب الكثيفة)، تنذر الحالة هنا بالغياب و«الدكننة “ القاتمة إنما هي “توازي الاشكال”، كأن ما وصفته من “دكننة” لابد له من تبرير منطقي كقولها في التبرير (ينذر بليلة مشحونة) ويزيد من قوته بإيفاد التشبيه لكل حالة وهذا جديد بالنسبة للرواة حديثا، عندما يفسرون “المعنى” على طريقتهم ومخافة من أن يذهب القارئ إلى جهة أخرى، يعني يخرج عن الموضوع يستعملون التشبيه كقولها (شأنها شأن كل ليالي العهد الاستعماري) والحالة هنا بالعموم تأكيد لا ستمرار حالة استعمار..
وتأتي “الأيقونة” الموالية لتنقلنا من “مرحلة الصحو” إلى” الظلمة” وأعطت “اشارة تناقليه” بين المحطتين بشكل عادي ينذر بأن الكاتبة دخلت “المرحلة المسائية” وهاهي تقول لزيادة “الترقي” في سكون الليل (وما إن قارب الليل على الانتصاف حتى دوت صفارة الإنذار وهاج الخلق وماجوا، وضجت السماء بأزيز الطائرات، ودبت على الأرض أسراب العساكر وبدأ إطلاق النار).
إن هاته الحالة هي “اختلاط عاصف” لما قد تكون عليه، مثل هاته “الحالة “في اقصى متتالياتها لتبين من جهة ثانية، وضوح المعنى لاستمرار موجة المعركة، وهو ما عبرت عنه عدديا ببداية الهجوم للمرة الثانية، وهو (وصف تلق) وكان الكاتبة ترسم لقطة ثانية بدون تعب تتمثل في هجوم على ثكنة بطريقة فيلمية تشبه افلام الهجمات الايطالية الخاطفة اثناء الحرب العالمية 2. هجوم يعكس تقاذف الأطياف النارية واجتثاث الرؤوس  من الحوامل ويسيل الدم مهراقا يحدث حالة فرار أرجعتني الكاتبة بهذا المنظر الى وصف “ جريدة لوموند” لليلة الهجوم على عاصمة الامير عبدالقادر الزمالة في عين طاقين في 16 ماي 1843.
المحير في”القص” هنا أحداث “استثناء توالدي” في ميدان القص ككل وهذا الاستثناء تمثل في وجود “انسان” متميز  هو من تيقى حيا، ربما قد حاولت الكاتبة توجيه “النظرة السردية” او الكاريزماتية اليه، وبأنه هو من سيواصل...  زخم المعركة، متمثلا في البطولة الخاطفة التي تنتاب الكاتبة في وهج المعركة تستخدم الساردة عنصر الاثارة من خلال القبض على عمر ابن الثلاثين الذين جروه الى زنزانه الرقيب توماس..وتردف مرة ثالثة بمشهد جديد بنظرة فيلمية.
   يتلقى بطلها سلسلة من التنكيلات بجسده افقدته الوعي وخارت عزائم معذبيه ليعيدوا محاكمته مرة اخرى، واصفة في ذاته الوطنية الجاثمة في كل وطني لا يريد أن يبيع  بذرة من وطنه، وقد وفقت الكاتبة في نقل مهاتير الصمود لدى الوطني، وهي في الحق مشاهد الفناها في الافلام الوطنية مثل الافلام الجزائرية، وسنوات الجمر ..وريح الجنوب ..ودورية نحو الشرق وأفلام أخرى كان فيها الممثل القدير والمرحوم سيد علي كويرات بمثابة عمر عند نجاة قيشو.
بين العذاب وارتياب العشق الطافح:
وصفت الساردة في هاته “المرحلة الفيلمية” حالة عمر وهو في وضع متأزم من الجروح والتنكيلات التي طالت مواضع كثيرة من جسده، لتوجد له في زخم معركة السياط والكلاليب مخرجا نحو الهروب إلى “براءة الذات” وهي تبحث عن من يداوي ألمها  بطريقة فاضلة وكاني بها أوجدت له (مسحة من لذة عابرة) لتربط فيها عنوان القصة  (قلبان في قفص) لم يستطع “توماس” ورفقائه اشتثاثها، هي “مغرمة الحب” بفتح الميم وتسكين متبوعها في مغرمة والميل إلى الطرف الثاني، كانت “المغرمة” امراة ممرضة جاءته على استحياء تصلح ما افسده السوط والصعق، لتسعقه بمفردات صامتة انسته الآمه، وهي هنا قد بالغت في الوصف محاولة استدراج أكبر كم من “مصطلحات الإثارة “إلا أنها سرعان ما أدركت أن “الوضعية وضعية محارب في شخطه المعذب”، ولا يكون المكان مهيئا “لقصة حب” وان فعلت فهي خارجة عن موضوع الواقعية، لأن بداية الاستعطاف لدى ممرضة بداية ربما تدخل في عملها ولكن عندما تكرر مشهدها وهي تشرف على مداوة هذا الرجل بعد التعذيب فيه لغط أسطوري حكائي مشتبه فيه، لأن  مجالات تدخل التمريض قد يتعدّد كان مثيرا لو وضعت شخصيات أخرى للتمريض ومن وسطها تستل طغمة الانجذاب بين عمر وايميلي. وقد وضفت هاته الطغمة لما سمعت ذات يوم “الرقيب توماس” يدندن باعدام عمر بعدما أبلغه الواشي بوجود مجموعة من المجاهدين في سفح الجبل..
بين القبلة والحيرة حكاية وضعية ما كانت لتكون
حاولت الساردة اقحام “الرومانسية” في صورة غير مجدية، لا من حيث المكان ولا الزمان وتركت العشيق الذبيح والماردة البيضاء ايميلي تغطان في عبق سكرة الحب وكانهما “طليقين” لا حارس يسمع ولا جأش الخوف المتقاطر بين اللحظة والأخرى يحدث انزياحاته، ولا حتى ارتقاب الدخول المفاجئ لرجال توماس او زبانيته.
 ان الكاتبة هنا، تعاملت مع الوضعية من زاويتين “زاوية العشق البرئ” ،«وزاوية العشق  المارق”، وما بينهما أمر لا يثير اي شيء من الجذب رغم كمية مصطلح الترميس، فلا هي عبرت عن لغة الحب في هذا المكان ولا حتى القبلة كان لها تأثير لأن مرحلة “الاتحاد” او العناق (بين عشيقة مولعة تنتظر اكماش النجوم لتأتي جريحها ولا انتظار عمر سوى لها دون العذاب)،تحدث ثورة ارتيابية بينهما.
إني أرى هنا الأمر جد مربك، ربما لكثرة السريان العاطف والاثاري بين “معذب ومعذبة”  جعلني احتار هل فعلا الوضعية التي وضعتها الكاتبة (كائنة في جمالية النص ام انها  صرعته).
بين متاهات الظلمة والصحو حكاية كانت لتبدأ من هنا
لما وصلت إلى نهاية “الحكي”، أدركت أن الكاتبة حاولت تسهيل الممرات للاعتراف بقوة الحب الجاثم بين البراءة والغلظة، لكن عنصر الوطنية هام في ذاتها وانتصر في الأخير مخلوطا بالحب العذري وهو نهاية مرتقبة ليس فيها نوع من الحبكة بل كانت سهلة حقنة مخدرة وممرات مظلمة يخرج منها جريح بكل سهولة كان على الأقل أن تضع مخططا  معقدا  للخروج من الزنزانة دون وصف للحظة الافتراق لا قبلة ولا اتحاد ولا أمل في الرجوع وكأني بالطبيبة تريد اهدار لحظة احساس ذائبة أو أنها أرادت أن تعيش الهستيريا في قمة الحب، وفي الأخير وضعها كإمراة أفسد عليها تصويب أمر تبرير اعتراف ذلك الحارس لما يستيقظ من جهة، كنا نطمع أن نرى مرحلة أخيرة بين توماس وايميلي تنتهي بتنكيل ايميلي على طريقة عمر لتكون الموازنة بين القلبين كما أنها كانت موفقة في وصف حالة عمر لما علم بخبر الوشاية بأصدقائها في سفح الجبل.
وما انجو له هو ورود الكثير من  القضايا التى كانت تحتاج إلى تبرير، منها كشفها لوطن ايميلي إلا مؤخرا، وكان لا يكفي فقط أن تصرح بأنها تؤمن بقضيته التي من المفروض أنها قضيتها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024